بلغ العنف في الملاعب الجزائرية هذا الموسم درجة خطيرة، وتحوّل غضب الجماهير في العهد الهاوي لممارسة اللّعبة من السبّ والشتم والرشق بالحجارة والمقذوفات، إلى تحطيم مقاعد المدرّجات والاعتداء على اللاّعبين في غرف تغيير الملابس واستعمال الأسلحة البيضاء في عهد احتراف الكرة. ما حدث في برج بوعريريج، عقب مباراة شباب أهلي البرج ومولودية الجزائر، ونشوب ''معركة'' حقيقية بين عدد من المناصرين ومقرّبين من لاعب الأهلي لوصيف على مرأى من اللاّعبين والمدرّبين، واستعمال الأسلحة البيضاء في مشهد مرعب، يعتبر القطرة التي أفاضت الكأس، التي أعادت الجدل من جديد حول مدى نجاح مشروع الاحتراف التي دعت إليه الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، بل وأرغمت الأندية ال32 على دخوله ''عنوة'' حتى تكتسب الاتحادية ورئيسها تقدير الاتحادية الدولية لكرة القدم، وتضمن، أمام بقية البلدان، أفضلية و''بريستيج'' تسمية البطولة الجزائرية بالمحترفة. الجدل يعود من جديد ليفتح صفحات ''سوداء'' كتبت في طياتها مؤشرات فشل التجربة في مهدها، كونها جاءت إلى الوجود بولادة قيصرية ودون سابق إنذار ولا حتى تشاور بين ''الفاف'' والفاعلين في مشروع احتراف الكرة، ونقصد بهم الأندية. وبدا واضحا، شهر أوت المنصرم، بإعلان محمّد روراوة عن تحوّل بطولتي القسمين الأول والثاني إلى رابطتين احترافيتين، وقوله إن على الجميع التكيّف مع الوضع في ظرف قياسي، لم يكن ليمنح أحدا فرصة الاستعداد اللاّزم لمشروع من هذا الحجم، وسادت قناعة بأن البطولة الاحترافية ستنطلق عرجاء، وبأن إإعاقتها منذ الولادة ستتسبّب في عدم قدرتها على التطوّر والتماشي مع المقاييس الحقيقية لاحتراف أية بطولة. الفاف فكّرت وقرّرت ثم نفّذت مشروعا دون استشارة أي طرف، وهو تصرّف انفرادي ومتسرّع جعلها تهمل جوانب أساسية في عملية إرساء قواعد الاحتراف في الكرة الجزائرية، منها دور وعلاقة الأنصار بالأندية وطريقة كبح جموح أغلب المناصرين وجعل تصرّفاتهم تميل إلى احترام أخلاقيات اللّعبة، فقد أحدث مشروع الاحتراف غير المدروس القطيعة بين الأنصار والأندية واخترل الحديث هذا الموسم عن الاحتراف في الجانب المالي أكثر من أية نقطة أخرى، وكانت بذلك ضربة انطلاقة خاطئة، لكن ''الحكم'' تجاهل ذلك ولم يعد جموع الأندية إلى نقطة البداية، وكأنه تحاشى عمدا ضمان انطلاقة فعلية وسليمة للمشروع حتى لا يكلّفه ذلك تأخيرا لموسم واحد. العنف في الملاعب أصبح أكبر هاجس يهدّد البطولة الاحترافية في الجزائر، فالظاهرة تسير بخطى متسارعة نحو الأسوأ، وهي تهدّد بشكل حقيقي مشروع ''الفاف'' طالما أن العنف يطارد احتراف الكرة الجزائرية ''زنقة زنقة'' في كل الملاعب الجزائرية وحتى خارجها. محمد بو الحبيب.. مستثمر في شركة شباب قسنطينة ''العنف مسؤولية الوصاية ولجان الأنصار لا معنى لها في عالم الاحتراف'' أوضح محمد بو الحبيب أحد المستثمرين في شركة شباب قسنطينة بأن ظاهرة العنف التي اجتاحت ملاعبنا هذا العام واعتداء أنصار بعض الفرق على لاعبيها لم يأت من فراغ، حيث حمّل المسؤولية للرابطة و''الفاف'' التي أصدرت، حسبه، قرارات تعسفية في حق بعض الفرق، مما أدى إلى حدوث أعمال الشغب. المتحدث استشهد بأنصار شباب قسنطينة الذين أعطوا، حسب قوله، المثل للجميع فيما يخص التحلي بالروح الرياضية، بدليل تصفيقهم على لاعبي مولودية وهران بعد إقصاء فريقهم بملعب الشهيد حملاوي في منافسة كأس الجمهورية، وكذا تحلّيهم بالروح الرياضية بعد التعثر المسجل أمام اتحاد بسكرة فوق ذات الملعب في إطار البطولة. لكن السبب الذي أدّى إلى تحوّل أنصار ''السنافير'' من حالة الهدوء إلى العنف في الآونة الأخيرة مرده، حسب بو الحبيب، الظلم الذي تعرض له الفريق بفعل قرارات الرابطة الصادرة بعد لقاء مولودية باتنة الملغى قبل أسابيع بحرمانهم من مشاهدة فريقهم لأربع مباريات متتالية قبل تقليص العقوبة إلى مباراتين، ثم معاقبتهم مرة أخرى بلقائين عقب أحداث العنف التي حدثت في لقاء ''الداربي'' القسنطيني، في حين لم تسلّط مثل هذه العقوبات على فرق أخرى كان أنصارها أكثر عنفا، مثلما أضاف بوالحبيب الذي شدّد على أن تشكيل الفرق للجان الأنصار أصبح لا معنى له في عالم الاحتراف، لأن الفرق تحوّلت إلى شركات اقتصادية تقدم عرضا فوق الميادين ''من يعجبه يقوم بشرائه لمتابعته، ومن لا يعجبه لا يشتري''. قسنطينة: ش. فيصل كرونولوجيا بطولة احترافية ولدت عرجاء الاحتراف في الجزائر بدأ بمقاطعة الأندية التي صنّفتها الاتحادية في خانة الهواة احتجاجا على إقصائها المبرمج من مشروع كروي ضخم دون استشارتها، وتميّزت أيضا بشكاوى وخلافات بين الأندية المصنّفة محترفة وبين الاتحادية، وهو الخلاف الذي وجدت فيه وزارة الشباب والرياضة نفسها طرفا فيه، كون المشروع يفرض على السلطات المحلية مرافقة الاحتراف. غياب الدعم المالي لأكثر من تسعة أشهر وعدم الاستفادة من القطع الأرضية لبناء ملاعب وفق ما تقرّر في مشروع الاتحادية، وتحوّل الأندية من جمعيات رياضية هاوية إلى شركات خاصة، أحدث زلزالا واسع النطاق، ولم تتمكّن الأندية ال32 من التكيّف مع الوضع المفروض عليها، بضمان عائدات مالية تضمن استمراريتها، ما جعل الاتحادية في قفص الاتهام كونها اختارت الكم على حساب النوع خلال الانطلاقة. ولم تخل التجربة من نقائص أخرى تتعلّق بالتحكيم رغم مساعي اللّجنة المركزية للتحكيم برئاسة بلعيد لكارن إلى تحسينه، وبقي الحكم مستهدفا من الأندية والمناصرين على حدّ سواء، كما أن عدم التفكير في ضبط آليات لجعل سلوكات المناصرين تعزف عن أعمال العنف، جعل هذه الظاهرة تتنامى بشكل سريع ومخيف، لتبلغ حدّ الاعتداءات على اللاّعبين بالأسلحة البيضاء. الجزائر: رفيق وحيد