لم تمنع الأزمة التي تعصف بسوريا منذ خمسة أشهر، تجار ''الكابة'' أو ''الشنطة'' الجزائريين من السفر إلى بلاد الشام، لاقتناء مختلف السلع. وعلى الرغم من نقص الحركة التجارية بين سوريا والجزائر، إلا أن ''حليمة'' و''خيرة'' و''حنان'' و''كريم'' والآخرين، يصرّون على المغامرة في ''طريق الحرير'' لكسب قوت يومهم. ''الخبزة.. واش نديرو''، ''لا يهمنا ما يحدث في سوريا.. المهم ما نجلبه منها''، ''دعوات أولادي تحميني في سفري''.. عبارات ترددها النسوة اللواتي مازلن يسافرن إلى بلاد الشام ويتحدين كل الظروف من أجل ملء الحقائب بالملابس النسائية والقماش والأفرشة والعطور وملابس الأطفال وأشياء أخرى. وعلى الرغم من أن سوريا تعيش اضطرابات، إلا أن ''حليمة'' في العقد الخامس من العمر، لاتزال تحزم حقيبتها الصغيرة وتتجه إلى مطار هواري بومدين الدولي، حاملة في يدها تذكرة سفر على متن الخطوط الجوية الجزائرية وورقة كتبت عليها الطلبيات التي يجب أن تلبيها لتجار الملابس في وهران. كانت الساعة تشير إلى حدود السادسة مساء، عندما شرع الركاب في تسجيل حضورهم في الشباك الخاص بالرحلة رقم ''''4018 ليوم 9 جويلية، على متن طائرة الخطوط الجوية الجزائرية المتجهة نحو مطار دمشق الدولي، وقتها لم تستعجل السيدة ''حليمة'' نفسها، خصوصا أنها تدرك جيدا بأن موعد الإقلاع المقرر في الثامنة ليلا، سيتأخر بأكثر من ساعة. ''الكابة'' أهم من الأزمة السورية اقتربت من السيدة ''حليمة'' للحديث معها عن تجارتها التي رسمت على محياها تجاعيد لا تمحى، تقول حليمة: ''أنا أحترف تجارة (الكابة) منذ أزيد من عشرين سنة، فالظروف الاجتماعية القاهرة أخرجتني من المنزل ودفء العائلة لأسافر نحو سوريا وتركيا وغيرهما''. وتضيف حليمة التي ترتدي جلبابا ببرودة أعصاب نادرة: ''أنا مجبرة على العمل، فهذه هي الخبزة، كل التجار يعرفونني في شوارع دمشق وفي سوق الحامدية خصوصا. أنا أختار السلع وأتفاوض مثلي مثل غيري من التجار''. وعن أسرتها تقول: ''لدي خمسة أبناء وزوجي مريض طريح الفراش، ولا يمكنني أن لا أعمل، وأسافر إلى سوريا رغم الخطر الذي يهدد حياتي''. في حدود العاشرة ليلا أقلعت الطائرة، وكان من بين الركاب كهل من مدينة عنابة، يعمل في تجارة الذهب، يقول ''سوريا هي المنفذ الوحيد لنا، ونحن نتتبع أخبارها بدقة بالاتصال بشركائنا هناك، والظروف تتطلب المغامرة''. حياة ثانية في أزقة دمشق في شوارع وأزقة الشام، حسب تسمية أهل البلد (دمشق العاصمة)، تفترض كل المحلات السلع التي تعد أسعارها تنافسية مقارنة بالجزائر، ويعرف التجار الزبون الجزائري ويقدرونه ويعرفون بأنه ''مفاوض شرس''. ويقيم أغلب تجار ''الشنطة'' بدمشق في فنادق من فئة ثلاثة نجوم، ويجلبون معهم الدولار الأمريكي والأورو، ويتجهون بشكل مباشر إلى محلات ''صرافة'' المتخصصة في تحويل العملة الصعبة إلى العملة المحلية ''الليرة''. وفي العودة، توجهنا إلى مطار دمشق الدولي. كانت الساعة تشير إلى حدود الحادية عشرة والنصف ليلا، وما أن وصلنا إلى بوابة الدخول، حتى استوقفتنا سيدتان كانتا تجلسان في المدخل وتراقبان الوضع. السيدة ''خيرة'' تسألنا ''هل أنتم جزائريون؟''. وعندما أجبناها بالإيجاب وقفت وسارت وراءنا ملحة علينا بمساعدتها في نقل بضاعتها.. ''هل يمكنكم مساعدتي بتمرير بعض السلع، لأنني تجاوزت قيمة الميزان المحدد بثلاثين كيلوغراما''. وقاطعتها رفيقتها ''حنان''، في الثلاثين من عمرها: ''لم يبق لي سوى الفراش وهو خفيف الوزن''. انتهزنا فرصة الانتظار في بهو المطار، خصوصا أن موعد إقلاع الطائرة تأخر إلى السابعة صباحا، للحديث مع ''خيرة'' و''حنان'' وكلتاهما تاجرتان تعملان في وهرانوالجزائر العاصمة على التوالي. ساعة الحساب.. أمام الجمارك تقول ''خيرة'': ''أنا تاجرة شنطة منذ عشر سنوات ووجهتي هي سوريا، أقتني ألبسة العروس وأسجل طلبات العائلات مسبقا''. وعن تأثير الوضع في سوريا على تجارتها تتابع: ''لقد تقلص عدد رحلاتي خوفا من الوضع، لكني حذرة جدا ولا أجازف بالخروج يوم الجمعة لأن المسيرات المعارضة للنظام تتزايد''. أما ''حنان'' فترى بأن ''الوضع في سوريا مخيف ومقلق وأثر على تجارتها، لكن انهيار الأسعار بسبب كساد السلع في سوريا دفعها للمجازفة من أجل الظفر بصفقة العمر''. وتقول ''أنا مختصة في تجارة العطور والذهب والألبسة النسائية''. ولا يختلف الوضع مع ''كريم'' الذي اختار سوريا كوجهة تجارية، ويؤرقه الوصول إلى شباك وزن الأمتعة وتسجيل الركاب، أكثر من الوضع في سوريا. ويرفض أغلب ال''ترابنديست'' دفع مبلغ مالي إضافي لحقائبهم التي يزيد وزنها عن الوزن المحدد في التذكرة ب 30 كيلوغراما، ويتفاوضون مع موظفي شركة الخطوط الجوية الجزائرية من أجل عدم التسديد. ويؤرق الوصول إلى مطار هواري بومدين تجار ''الشنطة''، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مع أعوان الجمارك، الذين يراقبون حركة السلع وتحديدا تلك القادمة على رحلة دمشقالجزائر. لكن في أغلب الأحيان تسلم الجَرّة بالتملص من جهاز المراقبة وتفادي حجز السلع التي تسافر بعدها نحو المحلات والمراكز التجارية، وبأسعار مرتفعة تصل إلى الضعف في غالب الأحيان، ولا تصل الزبون قصص المغامرات والمجازفة وخطورة الوضع في سوريا.