لمّا بلغت مريم، عليها السّلام، مبلغ النساء، وأصبحت في سن الثالثة عشر من العمر، خرجت ذات يوم من محرابها وسارت جهة شرقي بيت المقدس، وقد ابتعدت عن أهلها وقومها، إذ فاجأها جبريل، عليه السّلام، في صورة شاب وضيء الوجه حسن الصورة مستوي الخلق، ففزعت واضطربت وخافت على نفسها منه وقالت {إنّي أعوذ بالرّحمن منك إنْ كنتَ تقياً}، فأزال المَلَك فزعها واضطرابها، وأخبرها بالحقيقة حتّى تطمئن على نفسها، ثمّ نفخ في جيب ثوبها نفخة وصلَت إلى رحمها، فحملَت بتلك النّفخة بالسيّد المسيح، عليه أفضل الصّلاة والسّلام. وكان عمر الطاهرة مريم حين حملَت بعيسى، عليه السّلام، ثلاث عشرة سنة، وكان حملاً طبيعياً لمدة تسعة أشهر. يُروى أنّ مريم لمّا ظهرت عليها مخايل الحمل، كان أوّل مَن فطن لذلك ابن خالها ''يوسف النجار''، وكان من العبّاد الصّالحين، فجعل يتعجّب من ذلك، وقال لها: يا مريم، هل يكون زرع من غير بذر؟ قالت: نعم، فمَن خلق الزرع الأول؟ ثمّ قال: فهل يكون شجر من غير ماء؟ قالت: نعم، فمَن خلق الشجر الأوّل؟ ثمّ قال: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، إنّ الله خلق آدم من غير ذكر وأنثى. قال لها: فأخبريني خبرك. فقالت: إنّ الله بشّرني {بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم}. فعرَف أنّها بريئة، وأن الحمل الّذي بها هو بمشيئة الله وإرادته الحكيمة. بتصرف، من ''النبوة والأنبياء'' للصابوني