يقضي المهندس رفيق بوزراك، من حي دالي إبراهيم في العاصمة، شهر الصيام منذ ثماني سنوات بعيدا عن عائلته، بعد أن حطّ رحاله بكندا لإتمام دراسته في تخصص الإعلام الآلي، فتذوّق كل نكهات أطباق الجاليات المسلمة هناك، بما فيها الباكستانية والهندية، قبل أن يجمعه شهر رمضان بجزائرية في أقصى شمال القارة الأمريكية، أعادته أناملها إلى روائح الطبخ الجزائري. يعترف رفيق بوزراك أنه لم يكن يعرف عن فن الطبخ إلا متعة التذوق، فكان يجد ضالته في رمضان في المطاعم المغاربية واللبنانية في مدينة مونتريال، حيث يلتقي أبناء الجالية المسلمة لاستحضار روحانية الصيام، غير أن الغربة علمته بعد مضي سنتين كيف يشمّر على ساعديه ''مرغما لا بطل'' ليحضر بعض الأطباق الجزائرية. يقول رفيق: ''كان رمضان الشهر الوحيد الذي يجمعنا لنتجاوز شعور الغربة.. لقد صرنا طبّاخين بامتياز.. كنا نتقاسم أعباء تحضير أطباق الإفطار، من شوربة وبوراك وسَلَطات، قبل أن نقصد المسجد لأداء صلاة التراويح''. ولأن الدراسة والعمل لا تترك لرفيق وزملائه من الوقت الكثير، كانت المطاعم العربية أو موائد الإفطار في الإقامات الجامعية ملاذهم الأخير في أحيان كثيرة، ليجتمع أبناء الجالية المسلمة حول المائدة الرمضانية لتذوق أطباق البلاد العربية والمسلمة. وفي إحداها، حظي رفيق بالتعرّف على شريكة حياته، الجزائرية سمر القادمة من حي بوزريعة بأعالي العاصمة، والتي تقيم بكندا رفقة عائلتها منذ 10 سنوات. وعن لقائه بزوجته، يقول رفيق: ''شاء القدر أن أقطع آلاف الكيلومترات لأتعرّف على (بنت بلادي)، التي أقاسمها اليوم حلو الحياة ومرّها، ولأعود من جديد (برا كاسي)، لا أعرف عن المطبخ إلا ترتيب الصحون على الطاولة وتقطيع الخبز''. وتقاطعه زوجته المهندسة في الكيمياء البيولوجية: ''فعلا، أصبح المطبخ من اختصاصي مثل جميع الجزائريات، خاصة في رمضان، حيث أحرص على تحضير أطباقنا التقليدية التي تعلمتها من والدتي، بينما يساعدني رفيق في التفاصيل الصغيرة''. ورغم اعتراف رفيق بلذة ما تقدمه زوجته، إلا أنه لا يبخل عليها كأي جزائري في شهر الصيام بملاحظاته التي تفقدها أعصابها، وهو يردّد ''شوية مالح.. شوية مزيت''، ليقاطعها ضاحكا ''بهدلتيني''. ولا يفطر رفيق وسمر يوميا في بيت الزوجية، والسبب تهاطل الدعوات عليهما، خاصة من عائلة سمر المحظوظة بوجود عائلتها إلى جوارها في كندا، حيث تجد الزوجة الشابة فرصة للاستراحة من تعب يوم كامل من العمل والدراسة ومسؤوليات البيت للتلذذ بأطباق والدتها.