شهدت العاصمة الليبية طرابلس، أمس، حرب شوارع عنيفة دامت ساعات طويلة بين قوات القذافي وبين المعارضة المسلحة في يوم حار، خصوصا في باب العزيزية مقر العقيد، التي دخلتها قوات المعارضة مساء أمس. وزاد ظهور سيف الإسلام القذافي في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء على شاشات التلفزيون وهو يتجول في طرابلس، من صدمة ملايين المتابعين للشأن الليبي، الذين كانوا ينتظرون ظهوره مكبلا بين أيدي المعارضة. تمكنت جموع من شباب المعارضة المسلحة من دخول مقر باب العزيزية، مساء أمس، وسط مشاهد الدمار والدخان، ومشاهد السيارات المدججة بالسلاح تقتحم جنبات المكان، ووصل شباب المعارضة إلى نصب طائرة لوكربي الذي يرمز لذكرى قصف مقر القذافي من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب حادثة تفجير طائرة بانام. وقام الشباب بتسلق المعلم التاريخي، وقاموا بتكسير مجسم لرأس العقيد القذافي مصنوع من البرونز، في مشهد أعاد للأذهان مشهد سقوط تمثال صدام حسين. وقبل ذلك، سادت حالة من الذهول الشديد في داخل ليبيا وخارجها، عندما بثت محطات التلفزيون العالمية أولى الصور لنجل القذافي، سيف الإسلام، وهو يتجول في طرابلس الليبية، حيث ظهر مرة داخل باب العزيزية يتحدث مع الصحفيين، وظهر مرة ثانية وهو في سيارة مصفحة يجوب شوارع طرابلس، وظهر مرة ثالثة وهو يتوسط أنصار والده القذافي ويدعوهم للقتال. سيف الإسلام الذي التقى صحفيين يقيمون بفندق ريكسوس غابة النصر بوسط العاصمة طرابلس، والذي يبعد عن باب العزيزية بثلاثة كيلومترات، قال إن ظهوره هو للرد على شائعات اعتقاله. وخلال حديثه المقتضب اتهم سيف الإسلام حلف الناتو باستعمال وسائل تكنولوجية متطورة قام خلالها بقطع الاتصالات على الناس وإرسال رسائل قصيرة تدعوهم للاستسلام. وبدا نجل القذافي واثقا من كلامه وهو يتحدث عن سيطرة قوات والده على طرابلس، حيث دعا الصحفيين لمرافقته في جولة لأكثر المناطق سخونة في طرابلس، والتي قالت المعارضة إنها تسيطر عليها. وكان الإعلان عن فرار محمد أكبر أبناء القذافي من الأسر، بعد إعلان اعتقاله من طرف قيادة المجلس الانتقالي، صدمة أخرى لقوات المعارضة ولملايين المتابعين للشأن الليبي. أما في الميدان، فقد اندلعت مواجهات وحرب شوارع عنيفة منذ الساعات الأولى لظهور سيف الإسلام القذافي، حيث شهدت العاصمة إطلاق نار كثيف في مختلف أحياء والشوارع. وبعد ساعات من القتال أعلنت قيادة المجلس العسكري للمعارضة المسلحة أنها تلقت طلبا بالتوقف عن دخول باب العزيزية، في الوقت الذي قام حلف الناتو بقصف مواقع داخل باب العزيزية، نتج عنها تصاعد الدخان الكثيف، مكن ذلك لاحقا من اقتحام المقر. وفي الشارع، نقلت وكالة رويترز مشاهد الخوف في طرابلس، حيث أغلقت المتاجر وتكدست أكوام القمامة بالشوارع وامتلأت الجدران بكتابات مؤيدة للمعارضة. وفي هذه الأثناء، بدا وكأن الجميع غير عارف بحقيقة ما يجري على الأرض، فقد أعلن المتحدث باسم حلف الناتو في بروكسل أنه لا يعلم أين يوجد العقيد معمر القذافي، وأنه ليس هدفا له كما أنه لم يعد لاعبا أساسيا الآن، لكنه أكد قائلا ''مهمتنا لم تنته بعد.. فكل طرف يقول إنه حقق انتصارات، نحن نغرق حاليا بالمعلومات المتدفقة، لكن يمكن القول إن ما هو واضح أن نظام القذافي فقد سيطرته على العاصمة''. وكشفت صحيفة ''دايلي تلغراف'' البريطانية أن طائرات تجسس تابعة لسلاح الجو الملكي تمشط طرابلس بحثا عن العقيد القذافي. ويحدث هذا في وقت تواصل قوات المعارضة في طرابلس استقبال إمدادات بالمقاتلين والسلاح من البر والبحر قادمة من مصراتة. هذه المدينة التي تعرضت لإطلاق ثلاثة صواريخ ''سكود''، أمس، من طرف قوات القذافي. دبلوماسيا، دخلت تركيا على خط الأزمة، حيث سافر وزير الخارجية التركي داود أوغلو إلى بنغازي، وعقد لقاء صحفيا مع مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي، أعلن فيه دعم تركيا للمجلس وإمداده ب003 مليون دولار كمساعدات. أما وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبي، فقد صرح لإذاعة ''أوروب 1''، أن ''انتصار'' المعارضة في ليبيا على نظام القذافي ''ليس كاملا وعلى الحلف الأطلسي البقاء في حال تأهب وإنجاز مهمته حتى النهاية''. في حين حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أن الأمور''لم تصل إلى نهايتها بعد'' في ليبيا. وفي تونس أعلن مسؤول عسكري تونسي أن بلاده أغلقت حدودها مع ليبيا وتسعى حاليا إلى تسليم مسؤولية الجانب الليبي من المعبر الحدودي التونسي-الليبي المشترك ''رأس جدير'' إلى المعارضة الليبية المسلحة.