ينظر الجزائريون لما يسمى قوانين الإصلاحات نظرة شك وحذر، ولهم الحق في ذلك. فكل التسريبات التي وصلتنا حتى الآن لا تبشر بجدية القائمين عليها في الشروع بإصلاحات حقيقية. على العكس من ذلك ما زالت بورصة المصالح الحزبية والسياسية هي المسيطرة على هذه القوانين، وبالتالي لا يزال هذا النظام يعبّر لنا بصراحة أن النفق لا يزال طويلا أمام الجزائريين. بعض أعضاء تلك اللّجان التقنية بين قوسين، اعتبروا أن ما يقومون به هو مجرّد لعبة تقنية، لنقل مواد من مكان إلى آخر، وإعادة صياغة مواد أخرى بلغة مختلفة، أما المضمون فلم يتغير. بل ذهب البعض إلى القول أن قانون الانتخابات تمّت صياغته على مقاس أحزاب الائتلاف وليس بنية تهذيب العمل السياسي، وتم تقسيم الخريطة حسب وجود كتلها الانتخابية. وهو نفس ما تم بالنسبة لقانون الأحزاب بصيغته الجديدة والتي يعتبرها البعض مجرد تصفية حسابات للتطلعات السياسية للجزائريين، خاصة للشباب الراغبين في تغيير حقيقي لهذه اللّعبة القذرة، لأن القانون بصراحة يُحابي أصحاب ''الشكارة'' على حساب مستقبل الجزائر!؟ والحقيقة أن هذا الجدال لا داعي له أصلا. ذلك أن هذا النظام المعروف ب ''شطارته'' وخبثه السياسي سيكون غبيا لو يقدم للجزائريين إصلاحات جذرية، كما يطالبون، على طبق من ذهب، لأن ذلك يتعارض أصلا ووجوده البغيض على رؤوسنا، ويمسّ جوهره كنظام مبني على أشخاص لهم مصالح مالية بالنسبة لهم أهمّ بكثير من الشّعب الجزائري. بالمقابل، لقد تبلورت آليات عمل القوى الرافضة لهذا النّظام على هامشه، وحتى على هامش ''حريم'' معارضته. فأفضل مواجهة للّعبة في اعتقادي هو تغيير قواعدها أصلا. بمعنى بدل الجدال والضجيج حول تلك التفاصيل، نذهب مباشرة إلى تغيير الكتلة الانتخابية التي تستعملها أحزاب الائتلاف، وتبديد قوتها الانتخابية وذلك بتجنيد القوى الصامتة وتحفيزها على التغيير. وبدل الجدال حول قانون الانتخابات الذي يحمي هذه الطبقة السياسية المريضة، على تلك الكتلة الصامتة، وهي كبيرة فعلا، أن تنخرط جماعيا في العمل السياسي الجاد وأن تهذبه وترفع من قيمته. ذلك أنه لا يمكن إلغاء الكثير من الأحزاب الفيروسية، ولا الممارسات السياسية الفاسدة، إلا بعمل ميداني جاد وحاسم. جوهر الجدال في رأيي يجب أن ينصب على طرق نقد ومقاومة ما يسمّى بالإصلاحات، وهي معركة طويلة النفس، يجب أن يخوضها الجيل الجديد الذي لم تتسخ أياديه بدماء الجزائريين ولا بأموال الفساد، وعلى هذا الجيل أن يكون مسلّحا بوعي اللّعبة السياسية وتأثيرها على مستقبله. إن الكتلة الصامتة والمهمّشة تتسع يوما بعد يوم، وأغلبها يعاف العمل السياسي ويحتقر هؤلاء الساسة الذين يقهرون فيهم كل بادرة أمل. ولكن قدرهم، بل مستقبلهم الذي أصبح لعبة، يفرض عليهم أن يتحركوا حالا للانخراط في عمل سياسي منظم وسلمي، ويبدعوا آليات عمل جادة وفعالة. أما الباقي فيبقى مجرد جدال عقيم لا داعي له أصلا.