طالما رفضها المجتمع وتبرأ منها، لأنها كانت مثالا للمرأة المتحررة التي تواكب الموضة وتبالغ في إظهار مفاتنها. هي السكرتيرة أو ظل المدير كما أطلق عليها، توظيفها في سنوات سابقة لم يكن يراعي أي تأهيل أو تكوين علمي ومهني، فيكفي أن تكوني ''مدام دليلة'' لتحظي بإعجاب وثقة مستخدمك وتتحولي إلى خزانة سرّه التي لا يملك مفتاحها سوى أنت والمدير.. السكرتيرة أو أمينة مكتب مهنة مميزة في مجتمع محافظ يتذكر معظمنا السمعة المشبوهة التي طالما رافقت السكرتيرة خلال السنوات الماضية، حينما كانت العائلات تتحفظ من هذه المهنة وتعتبرها خروجا عن العادات و التقاليد وحتى القيم الدينية بسبب ما ارتبط بها من ممارسات مشبوهة تسببت فيه عدد من السكرتيرات اللواتي تم توظيفهن بالأساس لهذا الغرض. ولا ينكر أحد منا هذه الحقيقة، وهذا لا يعني بالتأكيد بأن مهنة السكرتيرة في حد ذاتها تتطلب هذا النوع من الممارسات، ولا يعني أبدا بأن كل من شغلت هذا المنصب في سنوات ماضية أو حاليا، مصنّفة في هذه الخانة، لأن هذا النوع من ''العاملات'' يرافق دوما منصب الرئيس المدير العام والمدير العام، بالنظر إلى ما يتطلبه هذا المنصب من ''بريستيج'' لأن المتوافدين على هذين المسؤولين ليسوا عاديين ولا بد من تمكينهم من جميع وسائل الراحة و''الترفيه'' عن النفس قبل أن يدخلوا مكتب المدير... هي مصالح متضاربة تلعب فيها السكرتيرة دورا رئيسيا لحساب مستخدمها. ومعالجة هذه المصالح لا تنتهي في مكتب المدير، بل تتعداه إلى جلسات عشاء وسهرات تقوم هي بتنظيمها ومتابعة أدق تفاصيلها لإرضاء مستخدمها ومرافقيه. ولهذا السبب بالذات، لم يكن هذا المنصب محل إقبال كبير من قبل الجزائريات خلال السنوات الماضية، وكان عدد السكرتيرات يعد على الأصابع، ومن الصعب العثور على واحدة تستجيب لكل هذه الشروط. ورغم ذلك، فان الراتب الشهري الذي كانت تتقاضاه لم يكن يغني أو يسمن من جوع، وكانت هدايا ومكافآت المستخدمين ومختلف المتعاملين تعوّض هذا ''الإجحاف'' في الأجور. ليس هذا فقط، فالسكرتيرة كانت تتباهي وهي تتأبط ذراع مديريها خلال سفرياته ومهماته في الخارج، لأنها كانت ببساطة سر نجاحه وفازت بذلك بلقب ''مدام دليلة'' الجميلة الفاتنة التي لا تعترف بالتقاليد و لا يهمها سوى إرضاء مديرها والاستحواذ على قلبه قبل عقله.. شاهد من أهلها رئيس مجلس الأسلاك المشتركة والعمال المهنيين في الوظيف العمومي ''مهنة السكرتارية تتطلب كفاءات عالية وتعدد اللغات'' يؤكد رئيس المجلس الوطني للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين في الوظيف العمومي لنقابة ''السناباب''، فضيل أبو الذر، بأن مهنة السكرتارية حقّقت مكاسب كبيرة عندنا واكبت مختلف التطورات الحاصلة، وتحوّل العمل بالآلة الراقنة إلى حواسيب وأجهزة رقمية تجنّب هذا الأخير تسجيل مواعيد مستخدمه بجرة قلم.. كيف جاءت فكرة إلحاق مهنة السكرتارية بمجلس الأسلاك المشتركة؟ - تعتبر السكرتارية سلكا من بين مئات الأسلاك التي تم إحصاءها في الأسلاك المشتركة المقدر مستخدميها بحوالي 144 ألف موظف من جميع قطاعات الوظيف العمومي. إذن، فالمشاكل لا تختلف في جميع هذه القطاعات؟ - تماما بدءا من الإجحاف الذي تضمنه القانون الأساسي والنظام التعويضي وكذلك ظروف العمل المزرية، مع بعض الخصوصية بالنسبة للسكرتير(ة) حيث يتطلب هذا المنصب هنداما خاصا باعتباره نقطة عبور إلى المدير أو المستخدم، وما هو ما يفسر مطالبة المجلس بمنحة الهندام على غرار ما هو معمول به في الدول الأخرى. كيف ينظر المجتمع اليوم إلى السكرتيرة ولماذا كانت في وقت سابق محل رفض شديد؟ - مهنة السكرتارية تغيرت بمرور السنوات، بدليل أنها لم تعد حكرا على الجنس اللطيف فقط، فالعديد من المؤسسات والهيئات، وظفت أمناء مكتب من الرجال بداعي الكفاءات والخبرة وبعيدا عن أي تمييز، كما أن العلاقة المشبوهة بين المستخدم والسكرتارية لم تعد موجودة، لأن المستوى العلمي وحده من يؤهل لهذا المنصب الذي تغيرت تسميته بفضل تطور المؤهلات والكفاءات إلى مساعد(ة) المدير مع تعدد المهام وما يستلزم من تعدد اللغات، حيث أصبح هذا المؤهل شرطا ضروريا للالتحاق بهذا المنصب في العديد من المؤسسات. بورتري السكرتيرة باي مليكة ''أحب مهنتي...وأنا فخورة بالمسؤولية التي أتحملها ''أحب مهنة السكرتيرة حتى الموت، لأني بدأت مشواري المهني بها منذ 1988، وأعتبره نضالا ولم يسبق أن وقع لي أي مشكل في عملي''...بهذه العبارة تلخص السيدة باي مليكة مسارها المهني كسكرتيرة. وترى السيدة مليكة وهي ربة بيت وأم لثلاثة بنات، بأنها عملت بداية ككاتبة لمدة ثماني سنوات لدى محامي بالرويبة في العاصمة، بداية من العام 1988 وتحولت بعدها للعمل كسكرتيرة في شركة بالمنطقة الصناعية، إلى غاية عام 2002، حيث التحقت بالغرفة الجهوية للمحضرين القضائيين بالوسط، حيث عملت كسكرتيرة إلى غاية اليوم. وتقول السيدة مليكة، البالغة من العمر 48 سنة، ''أحب مهنتي لأني أعد كاتمة أسرار الرئيس أو المدير، وهي تعد أمانة ومسؤولية كبيرة''. كما أن هذه المهنة متعبة ''نعمل في غالب الأحيان إلى التاسعة أو الحادية عشرة ليلا، عندما يكون هناك عمل مستعجل أو اجتماع''. وتعترف المتحدثة بأن ''الأمر يكون صعبا بالنسبة لامرأة وهي ربة بيت، لكني تمكنت من تربية بناتي كلهن ووفقت بين العمل والأسرة''. وتنتقد المتحدثة عددا من السكرتيرات اللائي ''لا يحسن استقبال المواطنين والحديث في الهاتف وكيفية ضبط المواعيد وتسجيل وتصنيف المراسلات والبريد الوارد والصادر''. وعن اقتحام الرجال لمهنة السكرتارية تقول ''لا أشاطر هذا الخيار، لأن المرأة تعمل أكثر من الرجل، وهي تتعب أكثر منه''. وتتذكر السيدة مليكة أصعب مواقف لها سنوات الإرهاب، حيث تنقلت عام 1991 إلى ذراع الميزان بولاية تيزي وزو، ''توجهت يومها إلى المحكمة من أجل تسجيل قضية، في الوقت الذي كان رجال يخافون التوجه هناك''. وتختم المتحدثة بقولها ''أنا أحب مهنتي التي استفدت منها الكثير، وتعلمت عن طريق الخبرة، خصوصا العمل بدقة ولهذا أنا فخورة بعملي، ولم أعاني يوما من أي مشكل''. شروط قاسية وتكوين علمي عال للالتحاق بمهنة السكرتارية رجال ينافسون النساء في الظفر بقلب وعقل المدراء والمسؤولين من سكرتيرة إلى مساعدة المدير، ارتقت هذه المهنة، وتخلصت من السمعة السيئة التي طالما ارتبطت بها، وأصبح الالتحاق بها يخضع لشروط صارمة وتكوين عال، وتحولت بذلك إلى خيار يسعى إليه الكثيرون من الجنسين، حتى أن العديد من المسؤولين لجأوا إلى توظيف سكرتير رجل بعيدا عن أي تمييز وحماية للجانب النبيل والأخلاقي لهذه المهنة. كغيرهم من موظفي الإدارة العمومية، يعاني أمناء المكتب مشاكل لا يمكن حصرها، بدءا من ظروف العمل داخل المؤسسة ومختلف المشاكل المهنية التي تحيط بها، كما أن كل هذا أثّر كثيرا على الحياة الاجتماعية لهذه الفئة لتصبح في مؤخرة ترتيب الأجور والعلاوات لسبب وحيد، هو أنها تنتمي للأسلاك المشتركة التي كانت أول قطاع استفاد من قانونه الأساسي وتعويضاته، لكن بالمقابل أكثر من تعرض للإقصاء والإجحاف حسب اعتراف المنتمين إليه. ولرفع هذا ''الظلم''، تم إنشاء المجلس الوطني للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين في الوظيف العمومي وهو يمثل حوالي 144 ألف موظف، ويضم فئة أمناء المكتب لأول مرة. وبغض النظر عن عدد مستخدمي هذا القطاع، فإن مشاكلهم لا تختلف عن تلك التي يعانيها باقي الأسلاك، مما يفسر التفكير في إنشاء تنظيم قائم ومستقل يناقش هذه الانشغالات ويناضل في إطار النقابة الوطنية المستقلة للإدارة العمومية ''سناباب'' لرفع الغبن وتحقيق المكاسب، من خلال إلزام الوصاية في كل قطاع ينتمي إليه هؤلاء، بالاعتراف بشرعية المطالب وبالتالي تحقيقها حسبما أكده رئيس المجلس فضيل أبو الذر. وقال ذات المتحدث، بأن أجور أمناء المكتب لا يتجاوز حاليا 28 ألف دينار باحتساب الأقدمية، وهو راتب عرف زيادة مباشرة بعد صدور القانون الأساسي ونظام المنح والتعويضات، غير أن الزيادات خيبت آمال موظفي القطاع، يضيف، لأنها صنفتهم ضمن ''أفقر'' مستخدمي الوظيف العمومي. وتعتبر أمينة المكتب أو السكرتيرة، حسب محدثنا، القلب النابض وخزانة أسرار المدير والإدارة كلها، باعتبار أن كل القرارات الحاسمة تمر عبر مكتبها، فهي التي تحرر الوثائق والمراسلات، ترتبها وترد عليها، وهي من تنظم المواعيد والاجتماعات وأجندة تحرك مستخدمها. ولأن التكوين لم يكن شرطا أساسيا للالتحاق بهذا المنصب، فقد تشوهت سمعتها من قبل دخلاء حوّلوا السكرتيرة في السنوات الماضية إلى مجرد ''دمية جميلة وأنيقة'' تستقبل المتوافدين على المدير وتدبّر أمور هذا الأخير بغض النظر عن مستواها التعليمي، فيكفي أن تتحصل على شهادة الرقن من إحدى المراكز لتلتحق بالمنصب. ويعيب رئيس المجلس الوطني للأسلاك المشتركة ل''السناباب'' في هذا الإطار على السلطات المعنية عدم إجراء دورات رسكلة وتدريب للسكرتيرات، على غرار باقي الأسلاك، كما أنها لا تستفيد من منحة توثيق تشجعها على المطالعة بهدف اكتساب مختلف التطورات الحاصلة في هذه المهنة، والتعرف على الوسائل الحديثة المعمول بها حاليا. 6 مطالب للسكرتير(ة) -1 إعادة النظر في المنح والتعويضات مع ضرورة رفع نسبتها على غرار باقي القطاعات. -2 مراجعة المنح العائلية والمدرسية بشكل يجعلها تتوافق وتدني القدرة الشرائية. -3 ضرورة إدماج المتعاقدين والموظفين المؤقتين. -4 إقرار منحتي الخطر والتوثيق. -5 تحسين ظروف عمل أمناء المكتب. -6تعزيز المسار المهني من خلال التكوين المتواصل. 6 شروط لتكون(ي) سكرتير(ة) -1 المستوى العلمي والتكوين. -2 حسن المظهر والهندام. -3 البشاشة. -4 حسن الاستقبال والتوجيه. -5 التكتم على أسرار المؤسسة. -6 أول من يدخل المكتب وآخر من يغادر.