بحلول ذكرى وفاة ''كاتب ياسين''، واستعداد ولاية فالمة لاحتضان الطبعة الثالثة من الملتقى الدولي الذي يحمل اسم الكاتب، ما يزال في جعبة الولاية الجغرافية والفكرية الكثير لتكشف عنه، سواء ما تعلق منه بموطن أجداد الكاتب عرش ''بني كبلوت'' بعين غرور، أو بالعناصر التي ذكت إبداعاته الأدبية والمسرحية، حيث تبقى للمكان والأشخاص صور رمزية دفعت به إلى ''العالمية''، مع تسجيل غياب رفيق دربه الهمامي للمرة الأولى. وبين إجحاف الكاتب حقه والتطلع لنشر أفكاره على نطاق واسع، تبقى حسرة كبيرة متوارثة، منذ وجود ''ياسين'' لتعيد طرحها شقيقته ''فضيلة''. فضيلة كاتب ل''الخبر'' ''شقيقي لم يكن معارضا لمبادئ مشروع الثورة الزراعية'' قالت السيدة فضيلة كاتب، في تصريح ل''الخبر''، إن شقيقيها ''ياسين'' لم يكن معارضا لمشروع الثورة الزراعية من حيث المبدأ، بل للذين استغلوه بطريقة غير شرعية، وتسببوا في انتزاع الأراضي من الفلاحين الحقيقيين، وأفرغوا الريف من ساكنيه، فتصدى بذلك لنتائجه الفاشلة. واستدلت على ذلك بمشاركته في الرحلات للقرى الاشتراكية لتشجيع المشروع في الارياف، ليفاجأ بتعارض الواقع ومبادئ المشروع، مشيرة إلى أن أشخاصا حصلوا على المال في هذا الإطار، وفضلوا أن يشتروا به أملاكا ويقيموا مشاريع أخرى وأهملوا الأراضي الفلاحية. وقالت إن ما يعاب على المشروع هو غياب مراقبة الدولة لصيرورة العمل، حيث تبين فيما بعد أن الذين استفادوا من المشروع ليسوا من زمرة الفلاحين، في وقت كان الجميع يحلم بنتائج مخالفة لما هو موجود على أرض الواقع. ''ياسين'' رفض سيطرة مفدي والإبراهيمي على الساحة الثقافية الجزائرية وأوضحت فضيلة أن ''ياسين'' كان يتمنى بالموازاة مع ذلك أن تحدث ثورة ''ثقافية''، لكنها لم تكن في مستوى تطلعاته، فهو كان ينادي بتعريب الإدارة والتعليم وعدم التنكر للغة الأجداد خاصة ''الأمازيغية''، وباقي اللهجات التي تميز مناطق بعينها من الجزائر، مضيفة أنه كان يرى أن هذه اللهجات يجب أن تتداول ولكن على نطاق ضيق، لتبقى اللغة العربية هي الأصل والرافد المشترك بين سكان الجزائر، لذلك كانت علامة استفهام كبيرة تتكرر على لسانه بشكل مستمر ''لماذا لا تلقى الثقافة الجزائرية اهتماما، دفنت فرنسا تاريخ أجدادي، وفسحت الجزائر للمشارقة والأجانب فرصة للظهور باستقدام مؤلفاتهم، وأهملت ما دونه الكتاب الجزائريون الجميع يعرف فيكتور هيغو ويجهل البقية''. كما كان الكاتب يظهر امتعاضه، حسب شقيقته، من الحظوة التي يختص بها كاتبان جزائريان، هما البشير الإبراهيمي ومفدي زكريا، فيما يجهل الكثيرون مالك حداد، مولود معمري وآخرين، وتمنى أن تعطى الأولوية لمثل هؤلاء حتى لا تبقى الساحة ''ملكا لكاتبين فقط''، ولذلك ترى السيدة كاتب أن الجزائر أبخست الأديب حقه، رغم أنها بلده الأصلي والذي حارب لأجله فرنسا، وهو في سن الخامسة عشرة من عمره. والمفارقة، حسبها، أن تخلد فرنسا وأمريكا وبريطانيا اسم الكاتب وأدبه وفنه عموما ويغيب بموطنه، وأرجعت السبب في ذلك إلى الخوف المتواصل من ''كاتب ياسين'' حتى بعد موته، مشيرة إلى أنها تنتظر من وزارة الثقافة إجابة عن هذا التعتيم والإجحاف المتعمد في حق شقيقها. وأضافت محدثتنا أن كاتب ياسين شخص بلغ ''العالمية''، لكنه ظل يحوز اهتمام القلة فقط وطنيا، مردفة ''رغبتي أن ينتشر أدبه وإسهاماته في التعليم وفي الحياة العامة، بعد أن خاطب الناس بلغتهم العامية حتى يوصل فكره للبسطاء منهم، وهذا جعله محل خوف ودفع أشخاصا في السابق لتكميم فمه، وحتى الرئيس الراحل هواري بومدين قال له ''اكتب ولا تتكلم''. وأوضحت المتحدثة أن العبارة تحيل إلى أن السلطة كانت متخوفة من تأثيره في الناس، وهي حالة ترى أنها ما تزال متواصلة لحد اليوم، وأعابت على أشخاص يقولون على لسانه أشياء لم يتفوْه بها، وينسبون له معتقدات لا تليق به، مرة يرمونه بالإلحاد والشيوعية وهو ما نفته بقولها ''لم يكن هناك، في نظري، شخص مسلم مثل ياسين، في أفعاله واهتمامه بالفقراء، وفي تواضعه وكرهه للمظاهر الخادعة تجاه الحكام والمسؤولين''. رفض تسلم جائزة ''ميتران'' ووصفه بالفاشي وكذا عرض الشاذلي بمنحه فيلا وسردت فضيلة كاتب أحداث وقعت له، مرة مع الرئيس الراحل هواري بومدين، حين رفض أن يرتدي بذلة وربطة عنق عندما طلبه إليه، وقال ''أريده أن يراني على حالتي البسيطة هذه''. ومرة أخرى برفضه التنقل لتسلم الجائزة التي خصه بها الرئيس الفرنسي ميتران، وعبر عن ذلك بقوله ''أنا أرفض أن أصافح رجلا فاشيا''، ورفضه الفيلا التي عرضها عليه الرئيس الشاذلي بن جديد، وقال للوزير الذي أوفده له ''لما لا تلبوا طلبات ساكني الأكواخ والعائلات المكتظة التي تقطن في غرفة واحدة؟ أنا لم أطلب منكم شيئا''. وبخصوص الأعمال المسرحية التي أولى لها الكاتب الكثير من العناية، وصرف لها ما تبقى من حياته، وكانت بدايتها من ولاية سيدي بلعباس والتي يعتبرها البعض بمثابة ''مدينة المنفى'' للكاتب، قالت السيدة فضيلة إنه كتب الكثير من القطع المسرحية في بداية الأمر باللغة الفرنسية، هذه اللغة التي قال ذات مرة ''أكتب بالفرنسية لأقول لفرنسا إنني أرفض وجودها وأنبذها''. وذكرت المتحدثة في ذلك ''الجثة المطوقة'' و''الرجل ذو الحذاء المطاطي''، لكنه رأى ضرورة ترجمة بعض المقاطع إلى العربية، وأعد قطعا مسرحية أخرى باللهجة الجزائرية لاهتمامه الكبير بالناس وسعيه للتقرب منهم ومن همومهم، وذلك أيضا ما دفعه للتنقل لمسارح فالمة، خنشلة، سوق أهراس وكذلك للمراكز والمؤسسات التعليمية حتى يحقق غايته من التوغل داخل المجتمع، وأشارت إلى أن ياسين هو من أطلق تسمية ''الحيطيست'' على الشباب البطال في أحد مقالاته التي تحتفظ بها. حلم ''كاتب ياسين'' تحقيق المساواة عن طريق الاشتراكية عندما سألنا السيدة كاتب عن الفكرة التي كان ''ياسين'' يتوق إلى بلوغها من خلال أعماله المسرحية، قالت إنها كانت تدور حول تحقيق المساواة وأن يهتم الحكام بالشعب وخاصة الشباب، يعلمونهم كما يجب حتى لا يبقى المجتمع الجزائري ''هجينا'' لا هو بقادر على التملص من تبعات الاستعمار خاصة في لغته ولا على تشكيل جيل ''عربي'' بأتم معنى الكلمة، وهذا ما جعله يقاوم فكرة المدارس الخاصة. وبالنسبة للشق السياسي، فالكاتب من وجهة نظر محدثتنا كان يرى بأن الجزائر لا تنجح إلا إذا كانت اشتراكية، أما النظام الإقطاعي فهو لا يتناسب والمجتمع الجزائري الذي أغلب شعبه فقير، وتبقى مع كل ذلك الاشتراكية التي طبقت في زمنه لا تضاهي أحلامه بسبب حالة بداية الانفتاح التي شهدتها الجزائر والتي كانت بداية للنهب المقنن. القائم على الملتقى الدولي حول كاتب: الحديث عن ''ياسين الممثل المسرحي'' فرصة للكشف عن حبه للكادحين ذكر منظم الملتقى الدولي حول ''أعمال ومؤلفات كاتب ياسين''، السيد علي عباسي، أن الطبعة الثالثة من الملتقى والتي خصصت للحديث عن ''التجربة المسرحية للأديب''، ستسهم إلى جانب الطبعتين السابقتين في الكشف للجمهور المحلي الذي كان يجهل مدى حبه للجزائر ودفاعه عن الكادحين من أبنائها وعن المرأة، وتمسكه بالأصالة وبالدين الإسلامي بحفظه لآيات القرآن منذ الصغر، كونه سليل عائلة محافظة ومتعلمة تشرف على ''زاوية بني كبلوت'' التي تحمل لليوم اسم جدهم الأكبر ''كبلوت''. وقال السيد عباسي، رئيس جمعية ترقية السياحة والتنشيط الثقافي، أن ذلك يفند كل ما حاول البعض الترويج له خطأ، واعتبر من أخطأوا في الحكم على الكاتب هم من الذين لم يقرأوا كتاباته، ولم يفهموا أفكاره التي كان يطغى عليها نوع من الغموض، وهذا دور موكل إلى محاضرين وفنانين من الوطن وخارجه للحديث عن التجربة المسرحية للأديب، ومنهم احمد شنيقي، رشيد بوجدرة والمخرج المسرحي إبراهيم الحاج سليمان وجيلالي خلاص.