اختتمت أخيرا فعاليات ملتقى الشعر من أجل التعايش السلمي الذي احتضنته إمارة دبي على مدى ثلاثة أيام، في الفترة بين 16 و18 أكتوبر الجاري، وضم شعراء ومفكرين وكتاب من القارات الخمس، ونظمته مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري. أوضح الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري، في افتتاحه لملتقى الشعر من أجل التعايش السلمي الذي نظم تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أمير دبي، بأن ''الشعر والحوار في أرفع تجلياتهما هما من نبع واحد، فالشعر العظيم هو انطلاق للروح من قيودها ومن تضاريس الواقع الخانقة إلى آفاق لا نهائية، حيث يمتزج الحلم بواقع جديد أكثر إشراقا وشفافية، كما ينطلق منهج الحوار بالناس من الخنادق التي حفرت لهم''. وبعد كلمتي البروفيسور جيوفاني باتيلا، النائب الأول لرئيس البرلمان الأوروبي، والسيد عبد العزيز الحكيم، اللتين صبتا في نفس الاتجاه، وبعد تسليم الميدالية التكريمية للحوار الحضاري للمشير عبد الرحمن سوار الذهب، رئيس السودان الأسبق، انطلقت أشغال أولى ندوات الملتقى تحت عنوان ''صورة الآخر في الشعر العربي القديم''، وقدم فيها الدكتور عبد الله التطاوي، من جامعة القاهرة، بحثا بيّن فيه كيف أن وجود الآخر ضرورة ماثلة في عمق القصيدة العربية القديمة، على اختلاف درجات حضوره، وعبر مستويات التعامل معه، أو من خلاله، سلبا أو إيجابا. الشرق في الشعر العالمي أما الدكتور عبد الرزاق حسين، أستاذ الأدب العربي بجامعة الملك فهد، فتدخل للكشف عن موقع الآخر المسيحي في الشعر العربي بالأندلس وصقلية، بينما قدم الباحث السوري أحمد فوزي الهيب ورقة حول الشعر في ظلال الحروب الصليبية. وجاء الصوت المتألق للمطربة غادة شبير ليطوي صفحة اليوم الأول من الملتقى، حيث ضاقت قاعة المؤتمرات بفندق كراون بلازا بما رحبت جراء الحضور الكثيف لمتذوقي النغم العذب والكلمة الأنيقة، الذين استمتعوا بروائع لأسمهان وفيروز وأم كلثوم وموشحات، وقصائد للشاعر عبد العزيز سعود البابطين. وخصصت صبيحة اليوم الثاني من الملتقى لرسم ''صورة الشرق في الشعر العالمي''، في ندوة نشطها الدكتور محمد الرميحي، واستعرض فيها الباحث البريطاني، الدكتور جيم وات، حضور الشرق في الشعر الإنجليزي، الذي بدا جليا في أعمال شعراء كبار من قامة روبرت ساوثي ولورد بايرون ووليام جونز ولي هانت. وخص الباحث الفرنسي كلود فيلان العرب والشرق في الشعر الفرنسي، بمداخلة عاد فيها إلى المنحنى الزمني التصاعدي لتأثير الآخر الشرقي في أعمال الشعراء الفرنسيين. أما الأستاذ في جامعة قرطبة الإسبانية، خوان بيدرو سالا، فاقترح على المشاركين دراسة انتهى فيها إلى أن تأثير الشرق في الآداب الأوروبية جاء عن طريق إسبانيا. وفي نفس الاتجاه، ذهبت الباحثة الروسية ناتاليا كيلمانين إلى التذكير بصورة الآخر الشرقي في أشعار بوشكين. بينما ذهبت الباحثة البولونية ميخالاك بربارا إلى أن التوسع الجغرافي للعرب وأسفار الرحالة كانت من أهم العوامل التي ساعدت على وصول الأشكال الأدبية العربية إلى أوروبا، ومنها إلى بولونيا. واختتم الدكتور وضاح الخطيب، من سوريا، الندوة بورقة حملت عنوان ''على خطى الأجداد.. الشعراء العرب المسيحيون المحدثون''. دعوة إلى ''الحوار البناء'' وتواصلت أشغال الملتقى بتنظيم جلستين، تناولتا صورة الآخر في الشعر العربي الحديث وآفاق التواصل مع الآخر عبر الأدب المقارن وقضايا التأثير والتأثر وترجمة الشعر وارتحاله، إضافة إلى تنظيم عدد من الأمسيات الشعرية التي شارك في تنشيطها شعراء من القارات الخمس. واختتم ملتقى ''الشعر من أجل التعايش السلمي'' ببيان ثمّن فيه المشاركون الثلاث مائة ربيع التغيير الذي هبت نسماته على مساحة واسعة من الوطن العربي، ف''بعد تدارس الأوضاع الإقليمية والعالمية، لاحظ المجتمعون أن العالم يمر بمرحلة صعبة من التغيير، تتجلى مظاهره في الحراك الشعبي العربي الكبير، وفي الأزمات الدولية المتفجرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأن مثل هذه الأزمات تأتي، كما هو متوقع، بتوترات هيكلية قد تقود إلى ما لا تحمد عقباه، من اندلاع نزاعات عنيفة بين البشر. وهم يؤكدون أن البشرية لا يمكن أن تتقدم إلا بإعلاء السلام العادل والمحبة والتآلف بين الشعوب، وإقامة الحوار البناء، وهو أمر يدعو إليه الشعر العربي والعالمي قاطبة.. حوار الحضارات والثقافات وتفهم الآخر والتوزيع السليم والعادل للقوة الاقتصادية والسياسية بين الشعوب، هو مخرج أساسي في سبيل تخطي هذه العقبات التي تواجه البشرية اليوم.. من هنا، فإن المجتمعين في ملتقى ''الشعر من أجل التعايش السلمي'' قد اجتمعت رؤاهم على أهمية السلام العادل والتعاون والتآزر بين الشعوب، وأهمية الحوار البناء الذي يقود إلى حل الأزمات الهيكلية التي تواجه بني البشر في مطلع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وهو تعاون يأخذ بالحسبان مصالح الشعوب وتطلعاتها، كما يأخذ بالحسبان البعد الإنساني الذي تدعو إليه الرسالات السماوية ويدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف، دون تهميش أو ضيم''.