الحجّ مناسك ومشاعر يعيشها الإنسان المسلم متقلّباً في عبودية الله، بين امتثال أمره وتطبيق شرعه واتّباع سُنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في أداء مناسك الحج، القائل: ''خُذوا عنِّي مناسككم'' رواه مسلم، وبين ذِكْر الله والابتهال إليه سبحانه وتعالى. مِن الأمور الّتي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأيّ عمل: مسألة قبول العمل؛ هل قُبِل أم لا، فإنّ التّوفيق للعمل الصّالح نِعمة كبرى، ولكنّها لا تتم إلاّ بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وهذا متأكد جداً بعد الحجّ الّذي تكبّد فيه العبد أنواع المشاق، فما أعظم المصيبة إذا لم يُقْبَل؟ وما أشدّ الخسارة إن ردّ العمل على صاحبه، وباء بالخسران المبين في الدِّين والدنيا! وإذا عَلِم العبد أنّ كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة، كان أهم ما يهمّه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله، وليعمل على الثّبات على الاستمرار عليها، وإن لم يجدها فليكن أوّل اهتمامه من الآن، العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى. ومن أسباب قبول الأعمال الصّالحة: استصغار العمل وعدم العجب والغرور به: فإنّ ممّا يعين على استصغار العمل، معرفة الله تعالى ورؤية نِعمه وتذكّر الذنوب والتّقصير. الخوف من ردّ العمل وعدم قبوله: لقد كان السّلف الصّالح يهتم بقبول العمل أشدّ الاهتمام، حتّى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عزّ وجلّ في وصف حالهم تلك: {والّذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وَجِلَةٌ أنّهم إلى ربِّهم راجعون. أولئك يُسارعون في الخيرات وهُم لها سابقون}. الرّجاء وكثرة الدعاء: إنّ رجاء قبول العمل مع الخوف من ردِّه يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه، وعندما يتحقّق الرّجاء فإنّ الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله. كثرة الاستغفار: مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنّه لابدّ من النّقص والتّقصير، ولذلك علّمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستغفار بعد العبادات، فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثُمّ أفيضوا مِن حيثُ أفاض النّاس واستغفروا الله إنّ الله غفور رحيم} البقرة: .199 الإكثار من الأعمال الصّالحة: إنّ العمل الصّالح شجرة طيّبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتّى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإنّ من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنّه يُكرِم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنّه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً. وتظهر أهمية المداومة على الأعمال الصّالحة وفضلها في أنّ فرائض الله عزّ وجلّ إنّما فُرضَت على الدوام، وهي أحبّ الأعمال إلى الله تعالى. وأنّ من هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المداومة على الأعمال الصّالحة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ''كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا عمل عملاً أثبته'' رواه مسلم. وأنّ الأعمال المداوم عليها أحبّ الأعمال إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ'' متفق عليه. وأنّ مَن فاته شيء من الأعمال الّتي يُداوِم عليها من صلاة ليل، أو قراءة قرآن، ونحوها.. استحب له قضاؤه، ولولا ما للمداومة من أهمية ما شرع له ذلك.