مختطفونا يصنفون من بين أعنف القراصنة الصوماليين ''القراصنة كانوا يؤدون الصلاة معنا ثم يهددوننا بالقتل'' أخرجت عائلات البحارة المختطفين في الصومال، مطار بوفاريك العسكري، أمس، عن سكينته وانضباطه، فتعالت زغاريد عائلات البحارة المختطفين وغرقت وجوه أفرادها في الدموع، بعد أكثر من 10 أشهر من الاحتجاز على أيادي قراصنة صوماليين. تضاربت الأنباء حول موعد هبوط الطائرة العسكرية التي تنقلت إلى مدينة مومباسا الكينية، لإعادة البحارة الجزائريين ال,16 بعد أيام من الإفراج عنهم. غير أن المعلومات التي بلغت العائلات كانت تشير إلى أن موعد وصولها إلى مطار بوفاريك العسكري سيكون في الساعة الواحدة بعد الزوال. عند وصولنا إلى موقف السيارات بالمطار، في حدود الساعة منتصف النهار، كانت عائلتان قد حجزتا مكانا لهما منذ ساعات الصباح الأولى على مقاعد الموقف، وتزينت النساء بأجمل ألبستهن وحليهن لاستقبال زوج أو أخ أو ابن، بعد فراق عسير فاق العشرة أشهر، فتغيرت ملامح الجميع من الغضب والحزن والخوف، خلال اعتصاماتها الدورية، إلى فرح وسرور ساعات قبل احتضان ذويهم. ''وأخيرا دنت ساعة اللقاء'' في تلك الأثناء، استمرت باقي العائلات في الوصول تباعا إلى مطار بوفاريك، واستغللنا الظرف لتجاذب أطراف الحديث مع بعض الأقارب، فكان رد ابن أحد المختطفين: ''رغم أن الأمر لا يدع مجالا للشك، غير أنني لم أصدق بعد بأنني سأحضن والدي بعد لحظات من الآن''. الأكيد أنه ليس من السهل التصديق بأن كابوس العشرة أشهر يشرف على الانتهاء، وهو القاسم المشترك بين الجميع، ومنهم والدة مختطف آخر تقول: ''لن أصدق شيئا حتى أحضن ابني''، قبل أن تضيف: ''لم أنم ليلتي وقلبي مليء بالتساؤلات عن حالته الصحية''. زوجة أحد البحارة تفجرت ملامحها حزنا، هي التي كشفت لنا، في أحد الاعتصامات منذ شهور بالعاصمة، بأن زوجها غضب من مشاركتها في الاحتجاج ومبيتها خارج البيت، قبل أن يتزين وجهها بابتسامة عريضة لم تفارقها طيلة نهار أمس حتى وصول الطائرة العسكرية، وقالت: ''اليوم عيد ثان، فطعم الحياة كان مرا منذ 10 أشهر... كنت أقرأ الحزن كل يوم في أعين أبنائي لغياب والدهم، حزنهم زاد من حزني، واليوم جاء الفرح ونشكر كل من ساهم في الإفراج عن البحارة''. في تلك الأثناء، تواصل توافد رجال الإعلام أيضا، فتحول موقف سيارات مطار بوفاريك إلى فضاء للحوارات والتصريحات، حتى أذن المكلف بأمن مدخل المطار للصحفيين بالدخول، في إجراء أدهش البعض، حيث كان يظن الكثير من الزملاء بأنهم سيمنعون من دخول المطار والتقاط لحظات وصول البحارة.. لكن الظن كان في محله ساعات بعدها. فبعد انتظار قصير في قاعة الركوب، طلب من الصحفيين والمصورين الالتحاق بالقاعة الشرفية، حيث حطت العائلات رحالها. الساعة كانت تشير إلى الواحد وعشرين دقيقة، وظلت الأنباء متضاربة بشأن موعد وصول الطائرة، فقيل في المرة الأولى إنها ستصل في الثالثة زوالا، قبل أن يتم إعلام العائلات بأنها ستحط في الساعة الرابعة إلا الربع. في القاعة الشرفية، استؤنفت الحوارات بين الإعلاميين وأفراد العائلات، تحت أنظار مسؤولي شركة ''أي. بي. سي'' وإطارات الجيش ومسؤولين. وكان ضابط سام، برتبة جنرال، يسهر على ترتيب اللمسات الأخيرة لمراسم الاستقبال، وسط نفاد صبر العائلات. الأجواء كانت احتفالية، لكنها سرعان ما هدأت، بعد أن دعي ممثلو الصحافة الوطنية المكتوبة لامتطاء حافلة. في تلك اللحظة امتلكنا شك بأنها حيلة لإبعاد رجال الإعلام عن حضور لحظة وصول البحارة، وتأكدت مخاوفنا حين طلب من صحفيي التلفزيون وبعض صحفيي الإذاعة وممثل وكالة الأنباء الجزائرية البقاء. ''الخبر'' تتسلل لتعيش فرحة اللقاء في تلك اللحظة، قررنا مواجهة الإجراء بالتسلل وسط العائلات لنقاسمها تلك اللحظة. وطيلة الساعة والنصف التي كانت تفصلنا عن وصول الطائرة، دخلنا في لعبة القط والفأر والكر والفر مع المسؤولين المكلفين بتنظيم مراسم الوصول، خوفا من أن يكشف أمرنا. فكانت أحسن حيلة، مداعبة طفل إحدى العائلات ''لنظهر على أننا منهم''. في الساعة الرابعة بالتمام، الضابط السامي يدخل القاعة الشرفية ويطلب انتباه العائلات ويقول: ''الطائرة تشرف على الهبوط ونطلب منكم الهدوء واحترام المراسم بنظام''. الإعلان فجر ما تبقى من صبر في أحشاء العائلات، فاندفع الجميع صوب باب القاعة، ومنهم من حاول الخروج من النافذة. صوت محرك الطائرة روسية الصنع فجر الزغاريد وبكاء الكثير. ولم يستطع الدركي الذي كلف بغلق باب القاعة الصمود طويلا، فهرول الجميع، أطفال وأمهات وزوجات وأقارب البحارة إلى مدخل القاعة حيث وجدوا جدارا أمنيا وطلب منهم البقاء هناك وعدم الخروج إلى الأرضية. الطائرة أوقفت محركاتها وفتحت بابها، وكان وزير التضامن، السعيد بركات، والوزير المنتدب للجالية الجزائرية بالخارج، السيد بن عطاء الله، والضابط السامي، أول من شاهدوا المختطفين، هؤلاء كانوا يرتدون بذلات رياضية بالألوان الوطنية. في تلك الأثناء، حاول بعض أطفال البحارة اختراق الطوق الأمني الذي صدم أمام حنين هؤلاء لآبائهم، لكن للحظات فقط، فما انتهت ''القبلات'' الرسمية لبركات وبن عطاء الله، حتى ارتمى البحارة في أحضان ذويهم وسط بكاء وزغاريد تقشعر لها الأبدان. إحدى الأمهات لم تصدق فعلا أن ابنها في أحضانها، فظلت تبكي ولم يهدأ لها بال إلا دقائق بعد ذلك. يكتشف حفيدته وهي تمشي بعد أن تركها في مهدها وما لفت انتباهنا ونحن نتابع تلك اللحظات الحاسمة، هي صور احتضان أحد البحارة لحفيدته التي صارت تجري وتمشي، بعد أن تركها يوم إقلاعه على متن سفينة ''البليدة'' في المهد، أو كما قالت والدتها ''تركها لحمة حمرة وهي اليوم تلعب وتجري''. تواصلت تلك الأجواء الاستثنائية، التي ختمت ''مسلسل'' اختطاف بحارة سفينة ''أم. في. البليدة'' يوم الفاتح جانفي وعلى متنها 25 بحارا، بينهم 17 جزائريا، أطلق سراح أحدهم الشهر الماضي، فكانت النهاية سعيدة بكل المواصفات على أرضية مطار بوفاريك. ''الخبر'' تستعيد مع البحارة ''فيلم'' اختطافهم وتحريرهم ''القراصنة كانوا يؤدون الصلاة معنا ثم يهددوننا بالقتل'' مختطفونا يصنفون من بين أعنف القراصنة الصوماليين أحد المختطفين قال لنا: ''أنتم مسلمون ونحن مسلمون لكن القضية قضية دولار'' في الساعة العاشرة حلقت طائرة فوق رؤوسنا وبعدها بأربع ساعات أطلق سراحنا تسللنا لحضور لحظة وصول البحارة، سمح لنا بالحديث إلى بعضهم، حيث سردوا لنا ظروف اختطافهم واحتجازهم ثم الإفراج عنهم، على يد قراصنة صوماليين يصنفون من بين ''أعنف'' مجموعات القراصنة في تلك المنطقة. انتظرنا بعض الوقت للسماح للعائلات ب''إطفاء جمرة الفراق القسري''، وتوجهنا بعدها للحديث مع بعض البحارة، الذين بدوا قادرين على سرد بعض فصول الجحيم الذي عاشوه طيلة الشهور العشرة التي قضوها في الاحتجاز. أحد البحارة الذي لم تسعفنا حرارة اللحظة في الحصول على اسمه، قال: ''في العديد من المرات هددنا القراصنة بالقتل لرفض مفاوضيهم من الجانب الجزائري دفع فدية، فكان الخوف ينتابنا في كل مرة، غير أننا كنا نعلم أيضا بأنها طريقة للضغط علينا من أجل أن نضغط بدورنا على ذوينا خلال اتصالاتنا بهم، ففي الأيام الأخيرة من الاحتجاز وحين بلغت المفاوضات طريقا مسدودا، قال لنا أحد القراصنة: سنأخذكم إلى البر ونقلتكم''. محدثنا أضاف: ''هناك نوعان من القراصنة، الهواة والمحترفون في نشاط القرصنة، ومن اختطفونا من المحترفين والخطيرين أيضا. فيوم اختطافنا كانوا حوالي 20 شخصا بحوزتهم أسلحة ثقيلة، لم نقم حينها بأي مقاومة تبعا للتعليمات التي وجهت لنا من قبل في مثل هذه الحالات''. كما روى السيد كحلي بعض ظروف احتجازهم فقال: ''الظروف كانت قاسية، فلم نكن نتغذى سوى على معكرونة وأرز، أما نوعية الماء فحدث ولا حرج، ماء مالح فيه رائحة المازوت، ولم يكن لنا من سلاح سوى الصبر''. وأكد هذا الأخير ما قاله زميله حين أضاف: ''في العديد من المرات تلقينا تهديدات بالقتل''. وطرحنا عليه سؤالا عن الذي كان يدور من حديث مع القراصنة، فقال: ''كنا نحاول استعطافهم باللعب على النبرة الدينية، فكنا نقول لهم بأنهم مسلمون مثلنا، خاصة أنهم كانوا يؤدون الصلاة معنا، فكان ردهم: ''فعلا أنتم مسلمون ونحن مسلمون لكن القضية قضية دولار''. بحار آخر استطعنا الحديث إليه، وهو السيد رولا من جيجل، قال: ''لم يكن يمر أسبوع دون أن نسمع بأن ساعة الإفراج عنا قريبة، غير أننا كنا في كل مرة نسمع أيضا بأن المفاوضات بلغت طريقا مسدودا''. واقتربنا من بحار آخر فأفادنا بأن ''يوم الإفراج عنا لم يكن شيء يدل على أنه سيتم إطلاق سراحنا، فاليوم كان جد عادي، غير أنه في حدود الساعة العاشرة صباحا شاهدنا طائرة حلقت بارتفاع منخفض فوق الباخرة، وحامت ثلاث مرات فوق مكان رسو سفينة البليدة، ثم عادت أدراجها بعد أن أطلقت شيئا لم يتسن لنا معرفة محتواه، وسط ذهول الجميع، غير أنه ساعات بعد ذلك أعلمنا القراصنة بأننا أحرار، وسط دهشتنا، فهرولنا إلى تحريك السفينة والابتعاد قدر المستطاع ونهائيا عن هذا المكان''. وهي نفس الرواية التي سمعناها من عدد من البحارة، قبل أن يمتطوا الحافلة التي قادتهم إلى مستشفى عين النعجة. يذكر أن الجزائر فندت تفنيدا قاطعا دفعها فدية لإطلاق سراح البحارة.