الخمسينية لا تخص الفرنسيين بل الجزائريين فقط - من استنكر روايتي ''الاعتداء'' فعل ذلك عن جهل ولم يقرأ منها حرفا بعض الكتاب الجزائريين يتحاشونني لتفادي غضب الأوساط الثقافية الباريسية - الإفريقي صاحب الشعر الأسود أحسن ''كبش فداء'' للغرب كشف الروائي محمد مولسهول، المعروف بياسمينة خضرة، الذي نزل أمس ضيفا على ندوة ''الخبر''، أن هناك لوبي جزائريا في فرنسا يسعى لتحطيمه أدبيا، وأوضح أن اللوبي الذي يقصده يحركه ناشر جزائري يعمل بالتواطؤ مع الأوساط الثقافية الباريسية، ويسعى إلى تحقيق ما عجزت عنه تلك الأوساط الفرنسية، وهو ''تحطيم ياسمينة خضرة''. وأعرب مولسهول عن استغرابه للجدل الدائر في الأوساط الأوروبية، خاصة الفرنسية، حول عدم انتقال عدوى الثورات الشعبية إلى الجزائر، مردفا ''كيف نتخذ غيرنا مثالا للثورات وقد سبقناهم بأكثر من ثلاثين سنة مع الربيع الأمازيغي، وأكثر من عشرين مع في أحداث 5 أكتوبر 1988''؟. قال إنه ليس من الأدباء الذين ينتقدون الجزائر بشكل أعمى ''فخور لتحوّل رواياتي إلى علاج نفسي لكثير من القراء'' أوضح الروائي ياسمينة خضرة أن النقد الأدبي في فرنسا هو الذي مكنه من الحصول على المكانة العالمية التي يحظى بها حاليا، لكن ذلك لا يعني أنه مستعد لمسايرة توجهات وسائل الإعلام الفرنسية التي تريد توجيهه نحو نقاش معيّن، وقال: ''لا أريد أن أكون جاحدا، فالنقد الفرنسي قدم لي الكثير. لكن بين عشية وضحاها، أصبحت كاتبا غير مرغوب فيه بفرنسا لأسباب سياسية، وتعرّضت للإقصاء، رغم أني الكاتب الأكثر ترجمة عبر العالم''. وكشف محمد مولسهول أن العلاقة المتوترة مع الأوساط الأدبية الباريسية بدأت عقب نشري لرواية ''أولمب المعوزين''، وتجددت مع روايتي الأخيرة ''المعادلة الإفريقية''، التي لم تتطرق لها الصحف الفرنسية رغم نجاحها بين الفقراء، حتى أن أحدهم قال لي ذات مرة: ''كنت أفكر في الانتحار، لكن عدلت عن ذلك بعد أن قرأت هذه الرواية''، فأجبته: ''لم تعد تفكر في الانتحار لأنك اكتشفت مأساة أكثر عمقا من مأساتك الشخصية''. وذكر مولسهول أنه ليس من الأدباء الذين ينتقدون الجزائر بشكل أعمى، مثلما يفعل كثير من الأدباء الجزائريين في فرنسا حاليا، وقال: ''أنا أنتقد الجزائر، لكن ليس بتلك الكيفية المتوحشة التي تجعلني أقع في قبضة أي طرف في فرنسا. أعتبر نفسي كاتبا وطنيا مفعما بحب الجزائر، قرأت مالك حداد وكاتب ياسين ومحمد ديب، ومنهم تعلمت حب الجزائر، وأثق كثيرا في قدرة الإنسان الجزائري على النهوض. لكن في المقابل، هناك من يساير، للأسف، التوجه الهدام الذي يريد تحطيم كل ما هو جزائري''. وأبدى المتحدث أسفه لعدم اكتراث الأوساط الرسمية الجزائرية بالأدباء الذين قدموا الكثير لبلادهم، موضحا أن العزاء الوحيد الذي يحس به يأتيه من القراء الجزائريين الذين يقرأون أعماله بشكل كبير. وقال: ''أنا كاتب يغار على بلده كثيرا، وليس بإمكاني أن أوجه سهام النقد هكذا بشكل أعمى حتى أرضي أطرافا أجنبية، هذا ليس من خصالي''. وعن سؤال حول انشغاله بمواضيع لم يعايشها أبدا، على غرار كتابته رواية عن أفغانستان وأخرى عن فلسطين، أجاب: ''خضت هذه التجربة في الكتابة الأدبية كي أبرز أن الكاتب الجزائري قادر على فرض رؤيته في الساحة الأدبية العالمية، حتى أتجاوز الإمبريالية الثقافية العالمية التي تريد حصرنا داخل حدود جغرافية محدّدة لا يجب تجاوزها''، وأضاف: ''لقد برهنت بأن الكاتب الجزائري يملك كذلك نظرة للعالم، فكتبت عن أفغانستان وعن القضية الفلسطينية، وغيرها من القضايا الإنسانية التي تفاعلت معها ككاتب جزائري وعالمي في نفس الوقت. أعتقد أن الكاتب لما يبلغ عدد قرائه عبر العالم سبعة ملايين قارئ، من حقه أن يتحوّل إلى القضايا الإنسانية التي تشغلها. ففي هذه الحالة، يصبح جزءا من الأدب العالمي والإنساني. وأنا فخور اليوم أن تتحوّل رواياتي إلى علاج نفسي لكثير من القراء، مثلما لمسته من خلال الرسائل الإلكترونية التي تصلني يوميا''. كشف عن تخوّفه من وصول الإسلاميين إلى السلطة ''وصلت العنصرية في فرنسا إلى درجة خطيرة جدا'' استغرب محمد مولسهول الجدل الدائر في الأوساط الأوروبية وخاصة الفرنسية، حول عدم انتقال عدوى الثورات الشعبية التي عرفتها تونس ومصر وحاليا سوريا إلى الجزائر، قائلا بكثير من النكتة: ''كيف نتخذ غيرنا مثالا للثورات، وقد سبقناهم بأكثر من ثلاثين سنة مع الربيع الأمازيغي، وأكثر من عشرين سنة مع أحداث 5 أكتوبر 1988؟''، مضيفا: ''لن يعلمني أحد كيف أتعامل مع الأوضاع في بلدي. نحن قاسينا كثيرا، ونستحق أن نتقدم إلى الأمام، بدل أن نعود إلى الوراء''. وأوضح صاحب رواية ''سنونوات كابول''، أن الشعوب غير واعية كفاية بهذه الثورات وما تحمله وراءها، لأنها مثل العاصفة، تأخذ كل شيء دون تمييز، والشعب الذي لا يدافع عن حريته يستحق القهر والحرمان لأنه، حسب المتحدث، لا يدرك أنه أكبر قوة موجودة وقادر على اقتلاع كل جبار من موقعه، خالصا إلى أن ''الضعف هو من يجعل الناس يرون الآخرين أقوى''. وعكس الكثيرين، عبّر ياسمينة خضرة عن تخوّفه من وصول الإسلاميين إلى السلطة لأن ذلك، حسبه، سيكون كارثيا، خاصة على الحريات والثقافة والفن، قائلا: ''أتخوّف من هؤلاء الذين يكرهون الشعر والسينما والمسرح، ويعاقبون من يرفع صوته ضاحكا''، معقبا: ''من حقي أن أكون حرا في حياتي''. وشدّد الروائي على أنه مسلم منذ ولد ويحترم الإسلام، قائلا: ''بدأت أصلّي منذ سن التاسعة، ولم أترك الصلاة يوما، وكل الناس تحترم إسلامي، بل يستأذنوني عند وضع الخمر في أي مناسبة''، مردفا: ''لا أحد يعلمني كيف أعيش وأتعامل في حياتي.. هذه حريات خاصة''. وانتقد ياسمينة خضرة أوضاع المهاجرين في فرنسا، وحتى ذوي الجنسية المزدوجة، مشيرا إلى أن العنصرية وصلت في المجتمع الفرنسي إلى درجات خطيرة ومخيفة جدا ''هناك أخطار كبيرة تحدق بالمهاجرين، وشيء خطير يحضر له في الخفاء، وأنا كجزائري كل من أجده أنصحه بالعودة إلى وطنه''. وأرجع خضرة تدهور الوضع إلى تنامي المادية والفردية الناتجة عن العولمة التي تهدّد مصير الإنسان، لأنها تهتم بالمادة والمال وليس بالإنسان، حيث أوضح أن قيمة الإنسان في هذه المجتمعات بدأت تتلاشى. ولذلك، هناك خوف من الحاضر والمستقبل وعدم استقرار في هذه المجتمعات، مضيفا أن الغرب دائما عندما يقع في أزمة، عليه أن يجد ''كبش فداء''، ولن يعثر على أحسن من ''هذا الإفريقي والعربي، صاحب الشعر الأسود المهاجر إليه''. على الإنسان الجزائري أن يتعلم كيف يحب ذاته ويعتز بها ''كتبت القصة القصيرة في البداية لأن النفس الطويل كان ينقصني'' أوضح ياسمينة خضرة أنه بدأ بكتابة القصة القصيرة لما شرع في مشواره الأدبي، ونشر مجموعة قصصية بعنوان ''حورية''، ثم ''ابنة الجسر''، وقال: ''كتبت عشرات القصص القصيرة، بعضها ضاع مني بسبب تنقلاتي الكثيرة من مكان إلى آخر، لهذا قرّرت في المدة الأخيرة نشرها في كتاب صدر عن منشورات القصبة بعنوان «نشيد المتوحشين»''. وعن سؤال حول ما إذا كانت القصة القصيرة تعدّ بمثابة استراحة المحارب، رد: ''لا أحد بإمكانه تحديد معنى معيّن للكتابة الأدبية، كل واحد يتوجه للأدب عبر الطريق التي يحدّدها لنفسه. في البداية، كتبت القصة القصيرة لأن النفس الطويل كان ينقصني، ولما أصبحت أتحكم في الكتابة، وتمكنت من الإمساك بجماليات الكتابة، تخليت لفترة وجيزة عن القصة القصيرة''. وأوضح المتحدث أن القصص القصيرة التي وردت في كتابه ألفها وهو في سن العشرين، بعضها متخيلة، وبعضها الآخر واقعية. وقال: ''على الإنسان الجزائري أن يتعلم كيف يحب نفسه، ويحب ذاته، والكتابة الأدبية بالنسبة لي تعتبر جزءا من فرض الذات. مؤخرا، ذهبت إلى تورنتو لتقديم روايتي ''سنونوات كابول''، رفقة الكاتبة النرويجية ''أسني سبيرستاد'' التي ألفت رواية شهيرة بعنوان ''بائع الكتب في كابول'' تدور أحداثها في أفغانستان. في البداية، أبدت تجاهي نوعا من التعالي، لكنها بمجرد أن استمعت لمقاطع من روايتي، تغيّرت نظرتها تجاهي. وعليه، أعتقد أن قوة الإبداع تكمن هنا، في تلك القدرة على تغيير نظرة الآخرين نحونا''. الكاتب مولسهول يدافع عن القضية الفلسطينية بذكاء الأوساط اليهودية في أمريكا اعتبرت مكان ''الاعتداء'' في المحكمة الجنائية الدولية نفي محمد مولسهول أن يكون قد انحاز للطرف الإسرائيلي في روايته ''الاعتداء''، التي تناول فيها مسألة الصراع العربي الإسرائيلي، وقال: ''إن اللوبيات اليهودية في الولاياتالمتحدةالأمريكية قالت عندما صدرت الترجمة الإنجليزية، إن مكان هذه الرواية ليس على رفوف المكتبات بل في المحكمة الجنائية الدولية، لأنها عبارة عن رواية تعادي إسرائيل. وحال صدور الترجمة العبرية للرواية، وجدت من يعارضها في إسرائيل، وبالأخص في الأوساط المتطرفة التي اعتبرت أن الرواية مناهضة لإسرائيل''. وقال خضرة: ''لقد دافعت عن القضية الفلسطينية بذكاء. ولا أعتقد أنه لا يوجد كتاب عبر العالم دافع عن الفلسطينيين، مثلما دافع عنهم هذا الكتاب. وكل الذين استنكروا الرواية فعلوا ذلك عن جهل، فهم لم يقرأوا سطرا منها، للأسف الشديد''. وأضاف المتحدث: ''لقد وقفت إلى جانب الفلسطينيين. أما الذين قالوا إنني قدمت الشخصية الفلسطينية في صورة سلبية، فهؤلاء نظروا إليها عبر نظرة الشخصية الإسرائيلية، ولم يفهموا أنها ليست نظرة الكاتب''، مضيفا: ''لكن الغريب أنني سمعت أصواتا تردّد هنا في الجزائر أن رواية ''الاعتداء'' عبارة عن رواية موالية للصهيونية. هذا غير صحيح، لأنني اخترت زوجا فلسطينيا يعيش في تل أبيب، وحقق اندماجه، لكن رغم ذلك، يقرّر تحطيم الأسطورة الصهيونية عبر التفجير الذي تقوم به سهام''. ''أرفض الكتابة ضد الجزائر للتقرّب من الأوساط الإعلامية الفرنسية'' ذكر ياسمينة خضرة أن بعض الكتاب الجزائريين المقيمين في فرنسا يتحاشون الظهور إلى جانبه، حتى يتجنبوا غضب الأوساط الثقافية الباريسية. وقال إن هؤلاء الكتاب يسايرون تلك الأوساط، ويعتقدون أن مهمة الكاتب الجزائري يجب أن تتوقف عند انتقاد السلطة. وقال: ''أنا أكتب لضميري وللجزائر. يوجد غضب تجاه السلطة في ما أكتبه، لكنه ليس غضبا موجها حتى تستغله وسائل الإعلام الفرنسية''. تنظيم احتفالية بعنوان ''الجزائر المرأة'' قال ياسمينة خضرة، مدير المركز الثقافي الجزائري بباريس، في رده عن سؤال حول التحضير للاحتفال بالخمسينية: ''أنا جزائري، ولست بحاجة إلى أوامر لأحتفل باستقلال وطني. لقد حضرت برنامجا قبل أن تحدّد السلطات تاريخ الاحتفال، وقد قدمت أموالا لإنتاج مسرحيات وكتب جميلة حول الجزائر، بالإضافة إلى المعارض''، كاشفا أن التركيز سيكون على المرأة الجزائرية، في احتفالية بعنوان ''الجزائر المرأة''، بالإضافة إلى ''فوروم'' حول فرانتز فانون، وآخر حول مفدي زكريا. ''الخمسينية نقاش يخص الجزائريين فقط'' قال خضرة إنه رفض كل دعوات القنوات الفرنسية للحديث عن احتفالية خمسينية الاستقلال، لأنها لا تتطرق إلى الجزائر كوطن لكل الجزائريين بكل مقوّماته، بل للنظام الجزائري، و''هذا لا يهمني''، متسائلا ''ماذا نتوقع، فالنقاش يديره الفرنسيون''، مخاطبا الفرنسيين ''لست بحاجة لكم لأعرف الحقيقة حول ما حدث، والنقاش حول الخمسينية يهمنا نحن كجزائريين''، موضحا:''نحن من سنطرح التساؤل حول استقلالنا''.