اعلموا أنّ أمّة لا تحتفظ بشعارها، ولا تتمسّك بعاداتها وأخلاقها وآدابها، لابدّ أن يتقوّض بنيانها ويذهب عزّها ومجدها، وما بالنا لا نتخلّق بأخلاق ديننا، ونتحلّى بحلى نبيّنا، ونحافظ على عاداتنا وتقاليدنا، بل تركنا كلّ ذلك بناحية وجانب، وعرضنا به عرض الحائط، وأبينا إلاّ أن نقلّد الأجانب. هل عندهم من مكارم الأخلاق مثل ما عندنا؟ مثل ما في كتاب الله المبين وسُنّة رسوله الأمين. شاع عند شبابنا وشابّاتنا التّقليد الأعمى للغرب، الّذي يصدّر إلينا في قوالب جاهزة وعلب محكمة، وعبر قنوات مغرية وبرامج مذهلة، وبأساليب مشوّقة جذّابة، تستهوي الطامعين، تغري البائسين والميئوسين. فهو كالسم في الدسم، والعلقم في العسل، كالماء وهو سراب يحسبه الضمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً. إنّ هذا التّقليد هو انحراف مقيت وضلال مبين، ما أقبل عليه شبابنا إلاّ حينما شاعت ثقافة التيئيس، وانتشرت جريمة التغليط، وانعدمت الثقة وفقد الأمل، وفشا التهويل بدل التهوين، وكثر الكلام وقلّ العمل، وعمّ الجهل وانحسر العلم حتّى ظهر فينا مَن لا يميّز بين الخمر والخل، ولا بين الكاف والنون، والصاد والضاد والطاء والظاء ولا بين التاء والثاء... إنّ من أكبر عوامل الفساد المؤدّي إلى الخراب، فساد الأخلاق وإشاعة الرذيلة بين النّاس والتخلّي عن أسباب التمكين في الأرض بقلّة إقامة الصّلاة، والتخلّي عن الأمر بالمعروف والتقاعس عن النهي عن المنكر، ولعمري إن تعطّلت هذه الأسباب في أمّة من الأمم، أو جماعة من الجماعات كان ذلك إيذاناً بسقوطها وتواريها عن الأنظارودفنها في مقبرة التاريخ وما نلنا الريادة، وحزنا قصب السبق وسذنا الأمم ونلنا الخيرية وظفرنا بالأفضلية، وانصاعت لنا الشعوب، ودانت لديننا المجتمعات إلاّ حينما أحسنّا قراءة آية قرآنية، ووعينا معناها وعملنا بمقتضاها وهي قوله سبحانه ''الّذِين إنْ مَكّنّاهُم في الأرض أقاموا الصّلاة وأتُوا الزّكاة وأمَرُوا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور'' الحج,41 وقوله سبحانه: ''كُنتُم خيرَ أمّة أُخْرِجَت للنّاس تأمُرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمَنَ أهل الكتاب لكان خيراً لّهم مِنهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون'' آل عمران.110 إنّ كثيراً من السلوكات الخاطئة والعادات الغريبة الفاسدة والتقاليد الوافدة، أضْحَت اليوم أمراً مألوفاً، وسلوكاً مُشاعاَ ألفته النّفوس المريضة، وجرى على عرف النّاس وصار من قيم الأمّة وثوابتها، حينما فقدت الأمّة الرّادع الّذي يردعها والحصن الّذي يصونها والضّمير الّذي يؤنّبها. إنّ غياب الرعاية التربويّة والأخلاقية وتخلّي المؤسسات الّتي يفترض أن تضطلع بهذا الواجب سبب في جرّ هذا الوبال، وتفشي هذه الأوحال، وظهور هذه الأرذال، لدرجة أنّ المعلمين والمربّين يجدون مضايقة وعتابا من أولياء الأمور إن هم أسدوا نُصحاً لأبنائهم، أو إنكاراً على بعض من طيشهم، فانحسرت وظيفتهم في التعليم بدل التربية والتلقين بدل التحصين، والكمّ بدل الكيف. إنّ وسائل العصر، وتكنولوجيات الميكنة، سلاح ذو حدين، بقدر ما تجلب النافع، بقدر ما تشيع الضار، وتظهر البوار وتجرّ إلى الدمار، فلا ينبغي أن تكون استعماراً جديداً يغزو عقولنا، ويستعمر نفوسنا ويسلب حريتنا، من أن نكون أسارى لشهواتنا وأهوائنا وعبادا لملذاتنا وغرائزنا، نندفع وراء القشور ونجري وراء السراب، ويستهوينا ما خفي داخل الحراب وهو رماد. وإنّ هذه الوسائل ينبغي استغلالها حتّى نستيقظ من سباتنا، ونفيق من غفلتنا، ونقفز على سقوطنا، وننطّ على حفرنا لنصل إلى المستقبل، ونرقى إلى ذروة المجد، ونتبوّأ الريادة والسيادة، وما ذلك على الله بعزيز. يقول أحد المفكّرين المعاصرين نافخاً فينينا الأمل، ومذكياً في عقولنا نار العمل ما نصّه: ''إنّ روح الغرب صديق وعدوّ لنا: صديق إذا تمكنّا منه وعدوّ إذا وهبناه قلوبنا، صديق إذا أخذنا منه ما يوافقنا، وعدوّ إذا وضعنا نفوسنا في الحالة التي توافقه''. فيا أيّها المغرورون، ويا أيّها المذهلون والمنخدعون، هبّوا من غفلتكم واستفيقوا من سكرتكم، واصحوا من خمولكم، واتّعِظوا بغيركم، فالعاقل مَن اتعظ، والحصيف مَن اعتبر، والزمن لا يرحم، إمّا صديق ودود، أو عدوّ لذود، قال تعالى: ''إنّ في ذلك لذكرى لمَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد'' ق.37 *مفتش التوجيه الديني والتعليم القرآني