تعيش مؤسسات الصحة العمومية والجوارية، أزمة دواء حقيقية بعد نفاد احتياجاتها من مختلف المستلزمات الطبية والجراحية، باعتبار أنها لم تستفد سوى من 50 بالمائة من الميزانية السنوية المخصصة لها، فيما كان مقررا أن تتولى وزارة الصحة عملية التموين بالنسبة ل50 بالمائة المتبقية، غير أن ذلك لم يتم لحد الآن. دخلت أزمة الدواء منعرجا آخر، أكثر خطورة، بإجماع مدراء المؤسسات الصحية العمومية الجوارية والاستشفائية والمستشفيات الجامعية والمتخصصة، وهو تخوّف لم يخفه أعضاء المجالس الطبية والعلمية الموجودة على مستوى هذه الهيئات بسبب نفاد مخزونها من الدواء، و''فشل'' مصالح وزارة الصحة في توفير الطلبيات وتموينها بمختلف الاحتياجات، تطبيقا للمرسوم الجديد المنظّم لسير الصيدلية المركزية. وقررت الوزارة، بموجب القانون الذي تمت المصادقة عليه بداية العام الجاري، وكان محل تعليمة تحمل رقم 01 مؤرخة بتاريخ 01 فيفري 2012، خاصة بطريقة تمويل مؤسسات الصحة بالمواد الصيدلانية، موجهة إلى مدراء الصحة، تحصلت ''الخبر'' على نسخة منها، تقسيم الميزانية الموجهة للمؤسسات الصحية إلى شطرين، من خلال حرمان هذه الأخيرة من 50 بالمائة من الغلاف الإجمالي السنوي المخصص لها، وتخصيص ال50 بالمائة المتبقية لتموين الصيدلية المركزية ومعهد باستور بالمستلزمات الطبية والجراحية واللقاحات. وإن كان هذا المرسوم في حد ذاته، يتعارض مع قانون الصفقات العمومية، حسب المدراء الذين تحدثوا ل''الخبر''، لأنه يفرض على المؤسسات الصحية تقديم دفتر شروط ''مبتور''، إلاّ أن المبررات التي تقف وراء اتخاذ مثل هذه التدابير، حسب مسؤولي الوصاية، تصب في إطار جهودها للقضاء على ندرة الدواء وضمان تموين دائم ومستمر للصيدلية المركزية. غير أن الغريب في الأمر، يقول محدثونا، أن الإجراء الذي جاء في الأساس لوقف الندرة، أحدث أزمة أكثر خطورة وسيتسبّب في نتائج وخيمة على صحة المريض. فوزارة الصحة لم تقتن لحد الآن ما تبقى من الاحتياجات السنوية للمؤسسات الصحية، وتكون بذلك قد احتفظت بنصف الميزانية المخصصة لذلك دون أن توفي بالتزامها. من جهة أخرى، علمت ''الخبر'' بأن مدير الصيدلة بوزارة الصحة أرسل تعليمة لمدراء المستشفيات ومدراء الصحة عبر التراب الوطني، لإعلامهم بأن الوزارة منحت مبلغ 25 مليار دينار للصيدلية المركزية للمستشفيات للتعجيل باستيراد الأدوية الأكثر أهمية والتي تعرف ندرة حادة. وجاء في التعليمة أن مدراء المستشفيات مطالبون بإعلام الوزارة بقائمة الأدوية التي لم تقم الصيدلية المركزية بتوفيرها. وتضيف نفس المصادر، أن التخوف الكبير من توسع حدة الأزمة مع اقتراب فصل الصيف وشهر رمضان، سيدفع بمسؤولي بعض المستشفيات، حسب مصدر عليم من وزارة الصحة، إلى غلق العديد من المصالح الاستشفائية خلال فصل الصيف، في مقدمتها غرف الجراحة والاكتفاء بإجراء العمليات المستعجلة فقط. وفي سياق متصل، علمت ''الخبر'' أن وزارة الصحة ستطالب بجرد مفصّل لمخزون الأدوية على مستوى الصيدلية المركزية بالمستشفيات لمقارنة الكمية المتوفرة وما تم استخدامه والكمية الكلية التي تم استيرادها منذ بداية العام. مهنيو الصحة يطالبون بمراجعة المرسوم وكان الاستشفائيون الجامعيون قد انتقدوا مضمون المرسوم الجديد خلال جمعيتهم العامة الأخيرة، وطالبوا بضرورة مراجعته باعتباره أعطى للصيدلية المركزية للمستشفيات امتيازات على حساب صحة المريض وقدرة المؤسسات الصحية والاستشفائية على تغطية احتياجاتها من مختلف المستلزمات الطبية والجراحية واللقاحات، وهو أمر تتفق معه تنسيقية مهنيي الصحة التي قالت على لسان الناطق باسمها مرابط الياس، بأن الأجدر بوزارة الصحة تحمّل مسؤولياتها وتطبيق مضمون مرسوم يقف وراء صدوره، بدل ''مطاردة'' نقابات القطاع والانتقام من رؤسائها ومندوبيها الولائيين، مثلما حصل مع رئيس نقابة الأطباء النفسانيين الذي تم عزله من منصبه كرئيس مركز للصحة العقلية على مستوى المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بوشنافة بالعاصمة. وكشف مرابط، بأن التنسيقية شرعت في اتصالات مكثّفة مع جميع النقابات المستقلة من مختلف القطاعات لمناقشة التضييق الكبير على الحريات النقابية، حيث عقدت أمس لقاء نددت فيه ب''تعنّت'' الوصاية وإصرارها على انتهاج سياسة ''القمع'' و''التضييق'' الممارسة ضد النقابيين، مقابل رفضها التحاور مع شركائها الاجتماعيين، مثلما أمر به رئيس الجمهورية في مختلف خطاباته، وتقرر تنسيق الجهود للذهاب إلى حركة احتجاجية موحّدة خلال الأيام المقبلة.