قال الدكتور صالح فريوي، أستاذ تفسير القرآن بالجامعة الإسلامية بقسنطنية، والفائز بالجائزة الأولى في مسابقة تجويد القرآن الكريم للصغار سنة 1969 ''ما أذكره من تلك اللحظة التاريخية أنّ الجائزة تسلّمتها من الرئيس الراحل هواري بومدين، وعندما سمع اسم ''قالمة'' تبسّم''. وينحدر الدكتور من عائلة حافظة لكتاب الله بدءًا من والده وأشقائه، فشقيقه عبد الجليل تحصّل في عام 1971 على الجائزة الأولى في مسابقة حفظ القرآن. هل يمكن أن تحدثنا عن ظروف حصولك على الجائزة الأولى لحفظ القرآن وموقف الرئيس بومدين؟ كان ذلك في شهر ديسمبر من عام 1969، نسيت الكثير من التفاصيل عن المناسبة لصغر سنّي، كنتُ أدرس بالسنة الأولى متوسط بعنابة، وأعدت في ذلك الحين مسابقة وطنية لصغار حفظة القرآن الكريم، وشاركت إلى جانب نحو أرٍبعة عشرة متسابقًا، فالذكرى تشبه ''الحُلم''، لم يصحبني أبي بل عهد بي إلى شخص نعرف اسمه ''إبراهيم''، وهو من أوصلني إلى قسنطينة، ومنها التحقت بالوفد الّذي توجّه للبليدة الّتي اختيرت لاحتضان مراسيم تكريم الحفظة، وذلك بمعهد موجود بها تابع لوزارة الشؤون الدينية التي كان يديرها مولود قاسم. أريد أن أشير إلى أنّني ختمتُ القرآن الكريم ما بين الثامنة والعاشرة من عمري، على يد والدي ''الحاج موسى''، الّذي لقّن إخوتي عبد الجليل ومقداد، وعدد من صغار مشتتنا ''عين معمر'' التابعة لبلدية لخزارة، وبالنسبة لمراسيم تسيلم الجائزة لا أذكر أسماء الأماكن والشّخصيات الحاضرة، فشخص قادم من البادية يجهل الكثير عن النّاس، وكلّ ما أذكره أنّ الجائزة تسلّمتها من الرئيس الراحل ''هواري بومدين''، وعندما سمع عبارة ''الفائز الأوّل بالجائزة فريوي صالح من بلدية حمام النبائل دائرة قالمة ''سابقًا''، تبسّم الرئيس، ولم يتسن لي تسجيل ولا الاحتفاظ بصور للذكرى لأنّنا لا نملك هذه الأدوات. هل تغيّر مسار الحافظ ''فريوي'' بعد هذه الحادثة؟ بعد الفوز بالجائزة والنّجاح في دراستي، وهي أشياء موصولة يضاف لها جهد الوالد، أنا حاليًا أدرّس تفسير القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بقسنطينة، وحزت منذ أشهر قلائل على الدكتوراه في هذا التخصّص، كما درستُ من قبل مادة القراءات، والّتي تعنى بالجانب الآدائي، وكلّها تدور حول القرآن الكريم، فهذا الكتاب العربي لا يكفي أن نقرأه فقط، بل يحتاج الأمر حتّى يُفهم إلى هذا العلم ''الأوّل'' المحيط بالقرآن الكريم، وحتّى ''الطبري'' قال ''عجبًا لرجل يقرأ القرآن ولا يعرف معنى دقائق الألفاظ، ومن اشتغل بالقرآن الكريم فيجد أنّه يترك آثاره حتّى في غير العارفين بالعربية، فهناك آيات لا تحتاج إلى تفسير، فعندما نقرأه يبدأ معناها الأوّل يظهر، مثل في آية ''الكرسي''، أو في سورة ''يس''، حيث الله يتحدث عن نفسه. ولكن ما يحز في نفسي عندما كبرت، أدركتُ أنّني ضيّعت الكثير من الأشياء القيّمة، ففي مرحلة التعليم المتوسط الّتي درستها بولاية عنابة، لم أكن أعرف قيمة العلم الّذي حصلت عليه في هذه المرحلة، فقد درست على يد الأستاذ ''محمود جادو''، وكان واحدًا من المجموعة الّتي استشيرت في مجمع الملك فهد بن عبد العزيز لطباعة المصاحف بالمملكة، وهو كان في فترة السبعينيات يدرّس بمتوسطة في عنابة ولا أدري إن كان مازال حيًا أو لا. تحصّلت على إجازات في القرآن، هل لك أن تحدثنا عنها، وعن المشايخ الّذين قرأت عليهم؟ قرأتُ القرآن الكريم برواية ''ورش'' على شيخ الشام ''عبد المنعم شلاتي''، وهو مقرئ معروف في العالم الإسلامي، ويعتبر المفتي الأوّل في دمشق، وهو على مذهب الإمام الشافعي، وهو المذهب السّائد بالمشرق العربي، واستغرق ذلك سنة ونصف، وللأسف لم أتمّ القراءة الّتي امتدت من سورة الفاتحة وحتّى بداية سورة يس، وسبب ذلك هو ضيق الوقت واشتغالي على تحضير رسالة الدكتوراه، والشيخ الثاني الّذي قرأت عليه هو من مسجد الروضة بالحي المالكي في دمشق، ولكنّي نسيت اسمه، أما بالنسبة لمصر فزرتها لإجراء تربّصات قصيرة الأمد تتعلق بدراستي وتحضير رسالتي. ما هي النّصيحة الّتي تقدّمها للصّائمين بمناسبة شهر رمضان؟ أعظم ما يمكن أن يسمع في الكون كلّه هو القرآن، حتّى السّلف كان يشتغلون به وينآون عن تفسيره خلال الشّهر، وعلى ذلك فختم القرآن ولو مرّة واحدة هي أهم نصيحة، وحتّى لو كان الشّخص أميًّا فعليه فقط المواظبة على التّراويح، فأجر ذلك عظيم وهو مأجور بلا شك، والقرآن ليس لشهر رمضان فقط، كذلك أتمنّى أن يكون شيئًا عاديًا في باقي أشهر السنة، رغم أنّه يكون دائمًا استثناء لهذا الشّهر الموسوم باسم ''شهر القرآن''، وهذا ما يجعلني أتساءل: كيف يعبد النّاس ربّهم دون قراءة القرآن، وبدون أن يفهموه ودون أن يتعاملوا معه؟