يقدر عدد السوريين الذين دخلوا الجزائر خلال الأسابيع الأربعة الماضية ب12 ألف سوري حسب وزارتي الداخلية والخارجية.بينما تفيد المعارضة السورية في الجزائر، أن العدد يتراوح ما بين 20 و 25 ألفا. وتحوّلت أحياء العاصمة إلى ملجأ مفتوح لهؤلاء، حيث يفترشون الأرض وينتظرون صدقات المحسنين. مازالت عائلات سورية تقبع في ساحة بور سعيد، قبالة المسرح الوطني في العاصمة، رفقة عدد كبير من أطفالها، وتقتسم هذه العائلات حديقة بور سعيد، وسط معاناة قاسية وظروف غير إنسانية، حيث تضطر بعض العائلات، التي لا تملك موارد مالية إلى المبيت هناك، فيما تبيت عائلات أخرى في بعض الفنادق المتواضعة القريبة من بور سعيد. مع وصول كل طائرة قادمة من العاصمة السورية، تصل عشرات العائلات السورية التي قررت اللجوء إلى الجزائر، مستفيدة من عدم وجود التأشيرة الدخول بين الجزائر وسوريا، هاربة من جحيم الحرب الدامي والمعارك والقصف الجنوني، لكن هذه العائلات لا تعلم أنها تفر من جحيم الحرب إلى جحيم المأساة التي تنتظرها في الجزائر، حيث لا سقف يأويها ولا فراش ولا مرافق استقبال، عدا الفنادق المتواضعة للقادرين منهم، والحدائق والساحات العمومية لمن لا قدرة له . في ساحة بور سعيد، وسط العاصمة، تفترش أكثر من 15 عائلة سورية المكان، رفقة أطفالها الذين تغير عليهم المكان والزمان واللغة والتفاصيل اليومية، حيث لا قصف ولا دوي رصاص، لكن صورة المأساة لم تتغير كثيرا. بعض العائلات واللاجئين القادمين من سوريا وصلوا قبل ثلاثة أشهر يعيشون على صدقات المحسنين وتبرعات المواطنين من أموال وأكل وأغطية وأفرشة، وتملص المنظمات الخيرية الرسمية، مثل الهلال الأحمر والجمعيات والكشافة، وغيرها من المنظمات الخيرية. قال أبو أحمد، رب عائلة تتكون من زوجة وستة أطفال، إنه وصل إلى الجزائر قبل 10 أيام، حيث قرر مغادرة مدينته حمص، بعد تدمير جزء من بيته خلال القصف، وسارع إلى مغادرة سوريا باتجاه الجزائر، كونها من بين الدول التي لا تتطلب الدخول إليها التأشيرة، وأكد أنه أقام ليلتين في العراء في حديقة بور سعيد، قبل أن يتبرع أحد المحسنين الجزائريين بتأجير غرفة له ولأطفاله في أحد الفنادق الصغيرة في الجزائر العاصمة، إلى أن تتضح الأمور. بائع كتب في حلب وأكد أبو اسماعيل، القادم رفقة عائلته من مدينة حلب، أن بعض الأطفال الذين يبيتون في العراء في حديقة بورسعيد أصيبوا بأمراض ونوبات زكام حاد، فيما تعاني بعض النسوة من حالة إعياء كبير، وأشار إلى أن هناك بعض العائلات السورية التي غادرت العاصمة الجزائرية إلى مدن أخرى كوهران وقسنطينة وتيبازة والبليدة، وبعضهم تاهوا في ولايات أخرى، مشيرا إلى أنه يفكر وعائلته في مغادرة الجزائر بعد انتهاء فترة إقامته إلى تونس التي قررت فتح مخيمات لاستقبال اللاجئين السوريين. وأعاب أبو اسماعيل، الذي كان يشتغل بائع كتب في حلب على السلطات العمومية عدم مبادرتها إلى تقديم أي مساعدات لا مادية ولا معنوية للعائلات، مشيرا إلى أن السلطات لم تقم بأي إجراء، لا ضد العائلات واللاجئين السوريين أو سائلتهم عن وضعيتهم، ولا مساعدتهم أو تقديم أي معونات إليهم. وطالب الحكومة الجزائرية بتقديم يد المعونة والرعاية لهم في ظروف استثنائية. وأضاف ''أناشد الحكومة الجزائرية، التي نعرف أن موقفها السياسي مؤيد لنظام الرئيس بشار الأسد، أن تضع خطا فاصلا بين الموقف السياسي والموقف الإنساني. نحن لسنا بصدد محاسبة الجزائر على موقفها السياسي هذا مشكلتها، وربما يرتبط بمصالحها، لكننا نتحدث عن حالة إنسانية تتطلب العون والمساعدة، مهما كانت المواقف''. وقال إن الجزائر من الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية المتضمنة مساعدة اللاجئين والنازحين في ظروف الحرب والنزاعات، وكان عليها إقامة مكان لاستقبال اللاجئين السوريين، لقد كنت طفلا في فترة الثورة الجزائرية، وكنا نحب الجزائر ونسعى إلى مساعدتها بالتبرع بالأموال، نود أن ترد لنا الجزائر بعض الجميل. وطالب أبو اسماعيل المجاهدة جميلة بوحيرد، التي لها سمعة طيبة لدى الشعب السوري، كرمز من رموز الحرية، ''أن تتدخل لدى السلطات الجزائرية لمساعدتنا''. احتجاز وترحيل وقال أبو أحمد، الذي قدم من حمص رفقة ستة من أطفاله، إن بعض العائلات السورية، التي انتهت مدة إقامتها في الجزائر، تم احتجازها من قبل سلطات مطار الجزائر، لتجاوزها فترة الإقامة القانونية، وتم احتجازهم لمدة تتراوح بين يوم ويومين، قبل أن تتم إحالتهم إلى العدالة التي قررت ترحيلهم إلى بلادهم. ومن بين هؤلاء ''زينب''، التي قدمت رفقة زوجها وأطفالها الثلاثة من مدينة إدلب منذ قرابة الشهر، بعدما فقدت بيتها الذي انهار بفعل القصف الذي تعرفه جلّ المدن السورية، كما فقد زوجها التاجر في رمشة عين متجر الأثاث الذي كان يملكه، ''كنا عيلة أكابر يا أختي، لولا غدر الزمان''، رددتها زينب عدة مرات، وكانت هيئتها وكلامها اللبق يوحي فعلا بذلك، حتى أنها فضلت التنحي جانبا رفقة بعض النسوة، ومنهن ''أمال'' التي كانت من بين أولى القادمين رفقة عائلتها، بعدما فقدت بيتها بمنطقة ''سراقب'' المحاذية ل''إدلب''. أكراد أم غجر؟ ترجتنا أمال أن ننشر نداءها إلى المحسنين والممثل في طلب 6 تذاكر إلى تركيا لها ولزوجها وأبنائها ذهابا وإيابا، حتى تتمكن من الخروج والعودة إلى الجزائر، التي انتهت بها فترة إقامتها ''90 يوما''، كما أصرّت محدّثتنا على عدم الاختلاط مع بني بلدتها، ومن قالت أنهم بمثابة ''الغجر'' بسوريا، وأنهم لا يمثلوا كل السوريين، بل فئة فقط من قاطني المداشر، وقصدت بهم العائلات الكردية، الذين كانوا يتواصلون بين بعضهم البعض بلهجتهم الكردية، ومن بينهم ''فاطمة'' و''خيرية'' اللتين لازمتاني طيلة تواجدي بالمكان، طالبتين أن أدفع لهما أجرة ليلة أو ليلتين بالفندق المجاور، مشيرات له بالأصابع، ولم يكن سوى ''فندق تارمينوس'' المقابل للحديقة، لكنهما انفضتا من حولي حينما عرفتا أنني صحفية، رافضتين الإدلاء بأي معلومة. مع الإشارة أنه في الوقت الذي اختارت فيه أولى العائلات التي تحدثنا إليها غرف الفنادق اكتفت أخرى بالمبيت في الحديقة. وعن هذه النقطة أكد لنا بعض العاملين بالمقاهي المجاورة أنه رغم تلقي هؤلاء لمساعدات مالية كثيرة، لكنهم يفضلوا إرسالها لمن تبقى من أفراد عائلاتهم بسوريا، حتى يتمكنوا من دفع تذاكر السفر واللحاق بهم. أما عن مرتادي الفنادق، فأكد لنا عامل من فندق ''تارمينوس''، الذي علقت عند مدخله لافتة ''مملوء''، أن السوريين شكلوا 90 بالمائة من زبائنه، منذ أكثر من شهر، مضيفا أن جمعيات خيرية وأصحاب أموال يتولون التكفل بمصارف مبيت العائلات بصفة خاصة.