لا يمكن أن أبتلع الشهادة التي تقول إن الشاذلي بن جديد هو الذي رحل بإرادته من الرئاسة.. وأنه أعطى مهلة للجيش لإيجاد البديل.. أو أنهم استشاروه فيمن يخلفه.. لأن هذا الكلام غير منطقي. أولا: بوضياف نفسه قدّم شهادة لمحمد عباس.. قال فيها إنهم اتصلوا به عبر علي هارون، والجنرال إسماعيل قبل إجراء الدور الأول، وقد نشرت هذه الشهادة في صحيفة ''السلام''. ثانيا: الشاذلي يقول إنه ليس هناك من باستطاعته إقالته.. لأن الدستور يقول ذلك.. لكن لماذا لم يحترم الشاذلي الدستور، الذي يقول إنه يحميه، عندما تعلّق الأمر برئيس البرلمان بلخادم، وسارع إلى حلّ البرلمان خدمة لإعادة الأمانة كاملة إلى العسكر؟ هل تمّ ذلك لأن العسكر لا يحبون بلخادم، كما يقول الشاذلي؟! أم تمّ لأن العسكر لا يريدون بقاء ريحة الشاذلي والأفالان في مرحلة ما بعد الشاذلي.. وهو ما ظهر في تشكيلة المجلس الأعلى للدولة بعد ذلك. ثالثا: لو كان الشاذلي استقال بمحض إرادته كما يقال.. فلماذا ساءت علاقاته بالعسكر، وخاصة كبيرهم نزار؟! ألم يقل نزار للسيد عبد الحميد مهري في الرئاسة، في لهجة تهكمية، بحضور بلخادم: كيف حال صهرك؟! وهو ما جعل بلخادم يرد عليه مكان مهري المؤدّب بلهجة غير لائقة؟! ثالثا: لماذا أخرجوه من الإقامة في بوصفر، بحجة أن الإقامة عسكرية وهو أصبح مدنيا؟! رابعا: لماذا رفضوا، لسنوات، إعطاءه الحق الدستوري في مغادرة البلاد للعلاج، أو حتى السياحة.. لو كانوا صادقين في ما يقولون؟! وهنا أسجّل شهادتي في الموضوع.. وهي أنني سمعت، عبر أحد حراسه، أنه مُنع من مغادرة البلاد للعلاج في بلجيكا.. وسألت أحد المسؤولين في المجلس الأعلى للدولة عن الأمر، فقال لي بالحرف الواحد: ''إنه لا يريد الذهاب للعلاج، بل يريد أن يلتحق بأمواله التي هرّبها إلى هناك''..؟! وأردف.. ''يرجّع الأموال يعطى حق الخروج''..؟! خامسا: كل الناس تتذكّر الرسالة التي هدّد بها المرحوم الشاذلي بن جديد المؤسسة العسكرية، من أنه سيرفع حالة التحفّظ إذا واصلت المؤسسة العسكرية إخلالها بما اتُّفق عليه، وسيدافع عن نفسه في الصحافة.. وقد نشرت وكالة الأنباء الجزائرية هذه الرسالة الغريبة، التي لفتت الانتباه، وقتها، إلى نوع غريب من التعاطي للشاذلي مع المؤسسة! سادسا: كل من يخرج من رئاسة الجمهورية، ومن منصب الرئيس تحديدا، لن يكون أبدا سمنا على عسل مع المؤسسة العسكرية.. حدث هذا مع بن بلة.. وحدث مع كافي وحدث مع زروال الذي نظّم انتخابات رئاسية لمرشّح فرضته المؤسسة العسكرية.. ويرفض، حتى الآن، زروال التعامل معه، فهل يشذّ الشاذلي عن هذه القاعدة؟! لا أعتقد ذلك.. ولكن الرجل في دار الحق، ولا يمكن إلا أن نصدّق ما قاله على مضض! [email protected]