كان السلف الصّالح، رحمهم الله، يولون العناية التامة البالغة بالورع، ولهم فيه النّظر الدقيق، وحكاياتهم في ذلك مشهورة، وسيرهم فيه معروفة ومذكورة. وقد بلغنا أن ابن سيرين، رحمه الله، اشترى من دهن الزيت حِبَابًا كثيرة بمال كثير، فوجد في واحدة منها فأرة ميِّتة فصبّها كلّها، وقال: أخاف أن تكون الفأرة قد ماتت في المعصرة وجرى عليها الزيت كلُّه. وكان سفيان الثوري، رحمه الله، إذا لم يجد الحلال الصافي، يأكل الرَّمل (لعلّه ليس الرمل الّذي هو مرادف للتراب) ويمكث عليه الأيّام، ورجع ابن المبارك من مَرو بخراسان إلى الشام في قلم استعاره، ونسي أن يردّه على صاحبه. ورجع إبراهيم بن أدهم، رحمه الله، من القدس إلى البصرة في ردِّ تمرة سقطت في تمر اشتراه حال الوزن، وغفل عن ردّها حينئذ.