لم يعد لائقا، بعد مباراة ''العار'' بالملعب الأولمبي، الحديث عن الرياضة وسبل تطويرها في الجزائر، لأن الدولة التي أسندت حقائب وزارية لمسؤولين، وخصّصت من أموال الشعب ميزانيات ضخمة لهذا الغرض، وتباهت ببلوغ احتياطي الصرف 200 مليار دولار، عجزت عن ضمان مساحة لا تتعدّى 5000 متر مربّع من العشب الطبيعي لممارسة لعبة كرة القدم. يحضرني ما قاله المرحوم ''بوبفرة'' وهو يستعيد بعد المواقف الطريفة مع الجزائريين، وتذكّر الفنّان الرّاحل قول شيخ هرم راح يلقي بباقات الثناء عليه بعبارة ''ضحكتونا الله يخليكم ضحك''.. فالاتحادية شدّت انتباه كل العالم باحتفالية الخمسينية وجعلت الجميع يترقّب ''جزائر العزة والكرامة'' وهي تستعد لترتقي بتنظيم محفل رياضي وصف بالكبير كبر الجزائر بتاريخها وقدراتها وشساعتها إلى مصاف الكبار، وجاء العرض مضحكا خاليا من العروض والفرجة يهين الجزائر. ما يبكي في المضحكات تبريرات ما جعلنا مضحكة بين الأمم، فسمعت قبل اليوم قول مسؤول في الوزارة بأن العشب الهولندي لا يتأقلم مع المناخ الجزائري، ونبّه آخر إلى أن البساط الخاص لتغطية الأرضية مفقود في الأسواق العالمية، وقيل أيضا بأن الأمطار المتساقطة هي السبب، ولولاها لجرت المباراة فوق أرضية أفضل من أرضيات الملاعب الأوروبية. مثل هذا الكلام لا يصدر إلاّ من شخص ''وجهو صحيح''، فالعشب الذي لا يتأثر بأمطار وثلوج أوروبا ولا بحرارة آسيا ولا حتى برطوبة إفريقيا، ويتحوّل بقدرة قادر إلى كارثة الكوارث في مناخ جزائري معتدل، يجعل من القضية آخر صيحات نكت المسؤولين الجزائريين، الذين لا تحرجهم الفضائح ولا تدفعهم إلى اتخاذ قرار المسؤولين الذين يحترمون أنفسهم ومواطنيهم حين يعترفون بالفشل ويرحلون، ولنا في استقالة وزير النقل المصري، أمس، أحسن مثال على ذلك. روراوة مسؤول لأنه نزل عند رغبة مدرّبه البوسني وقبوله منحه فرصة التباهي أمام البوسنيين بقدرته على ملء أكبر ملعب في الجزائر بالجماهير وجعلهم يهتفون باسمه، ومدير ديوان المركّب الأولمبي مسؤول أيضا لأنه لم يفعل شيئا لتفادي المهزلة، لأنه أقرب من حال عشب الملعب الأولمبي من غيره، والوزارة لا تستثنى من المسؤولية، وهي التي سكت وزراؤها على فضيحة تضرب بجذورها لست سنوات خلت، والدولة أيضا تتحمّل أكبر قسط من المسؤولية حين غذّت ثقافة اللاّعقاب ورسّخت في أذهان الجزائريين بأن ''رزق البايلك'' حلال، فلولا مهزلة مباراة البوسنة لما تحدّث أحد عن ''صفقات مشبوهة'' ولما انتبه أي كان لحملة القضاء على العشب الطبيعي لفتح المجال أمام ''مافيا الطارطون''. بقية المشاريع لبناء هياكل رياضية عبر التراب الوطني انطلقت ولم تنته، ولا يبدو بأن أي مشروع سيصل محطته النهائية، فكلما طال المشروع زادت معه فرص ''الهم هم''.. هذه أقرب صورة للحقيقة حتى لا نقول بأنها الحقيقة بعينها تتعلق بمشاريع تنتظر ''تساقط الأمطار'' حتى تعلو وتصبح شامخة، على رأي ''مصطفى غير هاك''، فلا حرج بعد اليوم إن تحوّل مبنى أول ماي إلى وزارة الشباب و.. الفلاحة. [email protected]