انتقد موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، ما أسماه ''استعمال الجيش أداة لتضخيم نسبة المشاركة في المواعيد الانتخابية''. ويعكس تصريحه حقيقة كرستها انتخابات 29 نوفمبر 2012، هي أن الجهاز التنفيذي يستعين بأفراد الجيش في رفع حجم المشاركة عندما يتأكد بأن الإقبال ضعيف على الصندوق. هذه الحقيقة تجرّ إلى أخرى لا تقل أهمية، هي أن السلطة أعطت لنفسها هامشا واسعا في التلاعب بأرقام الهيئة الناخبة لصبّها في صناديق الانتخاب بالطريقة التي تخدم الأهداف المعدّة سلفا. بعبارة أوضح، سبب رفض تسليم القائمة الانتخابية الوطنية للأحزاب، دليل قوي على سوء نية القائمين الفعليين على العملية الانتخابية، الذين يمنحون لأنفسهم أدوات مراقبة الانتخابات من ألفها إلى يائها. وداخل الهيئة الناخبة التي اعترف الوزير الأول عبد المالك سلال بأنها ''لم تطهر بعد''، يتضح اليوم جليا أن تعداد أعضاء الهيئات النظامية، المعنيين بالتصويت، الحلقة المغيّبة عمدا ولأهداف تستجيب للمصير الذي حدده ''المخبر السرّي'' للانتخابات. حول هذا الموضوع، قال موسى تواتي في اتصال به: ''هذه الانتخابات كانت آخر فرصة للنظام ليستعيد شيئا من المصداقية، بأن يترك الشعب يتحمّل تبعات عزوفه الانتخابي بدل أن يتحمّل هو مسؤولية تضخيم الانتخابات''. مشيرا إلى ''توريط الجيش في التضخيم.. ففي النهاية ثبت بأن النظام فاقد شرعية شعبية''. ويشاطر موقف تواتي غالبية الأحزاب التي لا تدور في فلك النظام، والتي ترى بأن لا سبيل لانتخابات نظيفة مادامت السلطة بأجهزتها المدنية والأمنية هي من تنظمها. وبالرجوع إلى العملية قبل بدايتها، يلاحظ أن وزير الداخلية صرّح بأن نسبة المشاركة لن تكون أقلّ من 40 بالمائة. ففي غياب مؤسسات سبر آراء ذات مصداقية، تصرف ولد قابلية ك''كاهن انتخابي''. وإذا توقفنا عند هذا التكهن بغرض قراءته، نجد السلطة وكأنها تقول: ''يكفيني معدّل 40 بالمائة حتى أجدد جلدي''. هذا المنطق في التعامل مع الانتخابات يتعارض مع الدستور. فقد جاء في الباب الأول من الدستور المادة 6 أن ''الشعب مصدر كل سلطة. السيادة الوطنية ملك للشعب وحده''. وتقول المادة 7: ''يمارس الشعب سيادته بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها. يمارس الشعب هذه السيادة عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثليه المنتخبين''. أما المادة ال10 فتقول: ''الشعب حرّ في اختيار ممثليه''. هذا الكلام الذي تضمنه أبو القوانين، يعني أن المؤسسات والسلطات مصدرها إرادة الشعب التي تتجسد عن طريق الانتخابات سواء كانت محلية أو تشريعية أو رئاسية. لكن الممارسة شيء آخر، يكفي فقط معرفة بأن السلطة عندما تخفي العدد الحقيقي للأشخاص الذين تتوفر فيهم شروط الانتخاب (برفض تسليم القائمة الانتخابية الوطنية للأحزاب)، تمنع بذلك متابعة ومراقبة الانتخابات. فالنظام يدرك بأن الجزائري عازف عن الانتخاب لأنه لا يثق في الفعل الانتخابي. لقد فشل في إقناعه بأن اختياره يمكن أن يكون حاسما في حكم البلاد، رغم الاستقرار الأمني النسبي وتوزيع الريوع بدون حساب. أمام هذا الواقع، أضحى هاجس السلطة أن يتوجه الناخب إلى صندوق الاقتراع ولا يهم إن كان ذلك يحمل له أفقا جديدا، على أن تتصرف هي بعدها في النتائج كما تريد. والثابت في عملية 29 نوفمبر أن الجيش كان لاعبا أساسيا فيها. فالسلطة المدنية لجأت إليه لترفع نسبة المشاركة، بعد بضعة أشهر من إقرار إصلاحات ''سياسية عميقة''. وبذلك جعلت الجيش يمارس السيادة بدلا من الشعب، ولا غرابة في هذا، لأن النظام ينظر إلى الشعب على أنه قاصر، فيختار في مكانه. ولمن يعرف طبيعة منظومة الحكم منذ 1962 بل منذ الثورة، يفهم سرّ هذا التصرّف. لكن الجيش مع ''المخبر السرّي'' لا يمكنه أن يفعل شيئا من دون الإدارة التي تملك قوة رهيبة في فبركة تنظيم العمليات الانتخابية والإشراف عليها وتسيير نتائجها. والإدارة بدورها تابعة لجهاز تنفيذي يسيطر عليه الجيش بالتعيين والإقالة. وحتى يكتمل الديكور، تم استحداث لجنة للإشراف القضائي على الانتخابات عهد إليها ضمان مصداقيتها بالتصدي للتجاوزات. لكن الغريب أن لا أحد يعرف شيئا عن التقرير الذي رفعته اللجنة إلى بوتفليقة في ختام الانتخابات التشريعية الماضية، على عكس لجنة مراقبة الانتخابات. فهل يوجد سبب لوضعه طي الكتمان؟! وفي نظر غالبية أهل القانون، يعاني القضاء أصلا من ضعف لا يؤهله ليؤتمن على مصير أصوات الناخبين. فالقاضي الذي لا يستطيع ممارسة سلطته في تأجيل القضايا لا يمكن أن يسهر على حماية اختيار الشعب.