لو كنت مكان التيار الإسلامي ''التحالف الأخضر''، لانسحبت من البرلمان ومن المجالس المنتخبة، مؤخرا، بعد المهزلة الانتخابية.! لكن ذلك لن يحصل، لأن قيادات التيار الإسلامي ''الأليف سياسيا'' متورطة في الفساد السياسي وغير السياسي، إلى درجة رهنت قرارها السياسي عند الذين ورطوا هذا التيار.! إذا كانت السلطة، بالفعل، هي التي ساعدت حزبا مثل حزب عمارة بن يونس كي يأخذ أكثر من الأحزاب الإسلامية ''الأليفة'' مجتمعة، فهذا معناه أن السلطة الفعلية لم تعد في حاجة إلى خدمات هذا التيار شعبيا، في مواجهة التيار الإسلامي غير الأليف.. وإذن، فإن وجود هذا التيار في دواليب الحكم المحلي أو شبه الوطني هو مضيعة للوقت والسمعة، ومساعدة مجانية لسلطة إقصائية لا تعترف حتى بالحيوانات السياسية الأليفة.! أما إذا كان ما حصل عليه عمارة بن يونس من مقاعد وأصوات، هو بالفعل نتيجة جهد سياسي تنظيمي قام به حزبه، فهذا يعني أن الأحزاب الإسلامية عليها أن تعيد النظر في طرائق تنظيم نفسها.. ويكون لمناضليها الشجاعة الكافية لكنس قيادات هذه الأحزاب. لكن السؤال المطروح هو: هل سيلتزم نواب البرلمان والمنتخبون الإسلاميون في البلديات، لو اتخذت القيادات الإسلامية مثل هذا القرار (قرار الانسحاب من المجالس المنتخبة).! لا أعتقد ذلك، وسابقة قرار الانسحاب من الحكومة ماتزال ماثلة للعيان. مشكلتنا السياسية في الجزائر أننا لا نملك أحزابا سياسية بها مناضلون منضبطون، وفي نفس الوقت لهم القدرة على محاسبة القيادة على الأخطاء.. وينسحب هذا على كل الأحزاب، بلا استثناء.. ولهذا، نلاحظ أن السلطة تتحكم في تسيير قيادات الأحزاب ومنتخبيها أكثر مما يتحكم المناضلون في تسيير هؤلاء.! ثمة مسألة أخرى لابد من ملاحظتها.. وهي أن السلطة نجحت في إعادة توزيع الاستفادة من الانتخابات على الأحزاب بطريقة ملفتة للنظر، وقد استخدمت السلطة قضية التزوير بالقانون في إعادة ترتيب الساحة السياسية، لكن هذا الواقع سيكون له ما بعد.. لأنه هش للغاية، ويصبّ في إعادة تأزيم الوضع بشكل مخيف. إن ما جرى في التشريعيات والمحليات من مهازل لا يؤشر بأن الرئاسيات القادمة ستكون هادئة وسلسة.. وترتيب الساحة السياسية، على هذا النحو المخيف، لا يحل أشكال الرئاسيات الذي يطرح بحدّة كل مرة، حيث تأتي الرئاسيات لتزيد البلاد أزمة على ما تعيشه من أزمات.. البلاد فعلا مقبلة على مخاطر جدية. إن لا مسؤولية السلطة لا تساويها في البؤس سوى لا مسؤولية الأحزاب، أو شبه الأحزاب القائمة والعائمة في الفساد مع السلطة.