يلاحظ أن المناورات زادت في الأيام الأخيرة. ومن هذه المناورات، أحاديث بل ودعوات ملحّة لتغيير يستهدف فردا واحدا. طبعا لا تغيير ممكن من دون تغيير الأفراد والنخبة ولكن ينبغي أن ننتبه أن التغيير غير مضمون مع تغيير الأفراد. إننا نرى بعض الأطراف تدفع للتركيز على مسائل وقضايا بعينها ومنها تغيير فرد واحد. إن في ذلك احتمالا لخلط الأوراق من أجل إعطاء أي مطالبة بالتغيير صفة معارضة شخص، بل والدفع إلى تصور أن الأمور لا تتجاوز ''الخصومات'' السياسوية وتصفية الحسابات وأن الأمر ليس اختلاف رؤى من أجل المصلحة العامة. هذا أمر لا بد من توضيحه. مهما كان اسم المسؤول اليوم، فإن حال النظام السياسي وما بلغته من تدهور أخلاقي ومن رداءة في الكثير من جوانب ممارسة المسؤولية ومن جوانب وضع البرامج وقيادتها وتنفيذها وترقية أداء المؤسسات واستعادة مصداقية كل الفاعلين في الساحتين السياسية والاجتماعية، إدارات وأحزاب ونقابات وتنظيمات المجتمع المدني ووسائل إعلام عامة وخاصة، قلت مهما كان اسم المسؤول أو المسؤولين، فالأمر في حاجة لتغيير عاجل. إن تغيير الشخص من دون تغيير آليات العمل ومن دون المسارعة العاجلة إلى تفضيل الفعل المؤسساتي على أي شكل آخر للإدارة، حتى وإن كان يوهم بأنه ضمان للاسقرار، لا يضمن التغيير الحقيقي الفاعل والمجدي، ولا يضمن الاستقرار على الأمد البعيد. الإشكالية بسيطة وموضوعية، فالذين تعوّدوا على أنماط عمل وعلى التبعية لتصورات عن ماهية الدولة وعن ماهية السلطة وعن المسؤولية وممارستها، بل وحتى عن التغيير وآلياته وغاياته، يعتقدون أن ما عدا الأساليب القائمة ستحل الكارثة. المثل يقول ''الناس أعداء ما جهلوا''، فقوة المؤسسات وقوة القانون وإن كان أمرا مخيفا للذين تعوّدوا على النفوذ والذين تعوّدوا أن ينتزعوا ما أرادوا ولو كان معاكسا للمصلحة العامة وضدها في الكثير من الأحيان، فإنه لا يخدم حتى مصلحتهم على الأمدين المتوسط والبعيد. إن التصور في ثقافة سياسية معينة، خاصة ثقافة الأحادية، هي أن العجز دائما في الشخص وليس في النظام ذاته. ذلك عشناه بعد أحداث أكتوبر 1988، وهو يأتي اليوم على لسان البعض ويتكرر تقريبا بالأشكال نفسها. الأمر صحيح فقط إذا أخذ، كما سبقت الإشارة، من زاوية أن تغيير النخب ضرورة وسنة، لأن ذلك شرط تغيير منطق ممارسة المسؤولية وتغيير مناخ إدارة شؤون الدولة وإدارة العلاقة بين المؤسسات فيما بينها وبين الأجهزة والمؤسسات ثم بين قمة الهرم وقاعدته بين السلطة والناس. لهذا، فإن محاولة نشر فكرة أن الشخص هو المشكلة الوحيدة، اليوم، يلتقي مع تصور قائم عند أطراف هامة في النخبة، أنه ليس بالإمكان أحسن مما كان، وتلتقي الفكرتان لتشكلا معطيات معطلة وهي في حاجة للتغيير. لهذا، فإن التركيز على وضع وثيقة دستورية قائمة على الحداثة السياسية وعلى التوافق الوطني وعلى فعالية عالية للمؤسسات وعلى ضمانات أكثر قوة ووضوح لاستقلال القضاء وللعدالة والحريات، هو الأهم اليوم. فالتيه في الأسماء ومن يخلف فلانا أو علانا، وفي الغالب من دون حتى تبين هوية الشخص السياسية وما يمكنه فعلا تقديمه من بديل، أمر يبعد البلاد عن صميم الإشكالية، وهو يستهدف تبسيطها بل والزجّ بها في متاهات الفتن السلطوية والفتن السياسية التافهة. فالزعامة والفرد المنقذ تجاوزها الزمن. الزمن اليوم زمن دولة المؤسسات. ولكن ينبغي أن نعترف أن للفرد دورا في صناعة التاريخ. لكن الفرد يمكن أن يكون أداؤه أكثر فعالية وأكثر منفعة للدولة، إن كان محميا من مغريات السلطة ومن سطوة الأجهزة والإدارات وما يعشش فيها من شبكات ومن عصب وجماعات. لهذا، فاجتماع دولة المؤسسات مع تغيير النخبة والشخصية، يعني بالأساس تغيير البرنامج ويعني قيام القدوة والقدرة على التجنيد، وهذا أمر مازال معوّلا عليه لتسهيل الوصول إلى التغيير والإصلاح. ولهذا نقول: ينبغي أن نقلب المعادلة اليوم، علينا أن نسبق الفكرة البرنامج على الفرد. ينبغي أن نمايز بين الشخصيات بالبرنامج وبدائل الحلول المقترحة والقدرة على تقديم الحلول السياسية والاقتصادية في هذا العالم الذي يزداد تعقيدا، وليس بالاسم والمنطقة فقط.