التوانسة يرجمون رموز الثورة في ذكرى الثورة، وفي المكان الذي انطلقت منه الثورة ''سيدي بوزيد''، مسألة ملفتة للانتباه، ومثيرة للتأمّل. نعم، ما يحدث في تونس هو شأن داخلي، ولا شأن لنا، نحن في الجزائر، بما يحدث بين الشعب التونسي وحكّامه، لكننا نلاحظ ما يأتي: أولا: الشعب التونسي بلغ من النضج السياسي ما يجعله يحاسب حكّامه على ممارسة الحكم، بالطريقة التي يراها الشعب مناسبة للحساب، سواء رجم حكّامه بالحجارة، أو قذفهم بالورود في ذكرى الثورة. ثانيا: ما حدث للمرزوفي، ورفاقه في الحكم، في سيدي بوزيد، هو نتيجة لما يعتبره الشعب التونسي سوء الأداء السياسي لحكّام المرحلة الانتقالية التي تقودها النهضة.. فقد أخطأت النهضة وأخطأ المرزوفي التقدير السياسي، عندما جعلا المرحلة الانتقالية تمتد إلى سنتين كاملتين، فليس من المعقول أن تبقى دولة صغيرة مثل تونس رهينة مرحلة انتقالية تدوم عامين، لأجل كتابة دستور قد لا يحتاج أكثر من أسابيع لكتابته، لو كانت النية حسنة. ثالثا: حسابات النهضة والمرزوفي كانت مبنية على تمديد المرحلة الانتقالية، إلى حين ترتيب الأوضاع السياسية والاقتصادية في تونس، بما يؤدّي إلى تحويل المؤقّت إلى دائم.. لكن الذي حصل أن الشعب التونسي الناضج حاسب الانتقاليون على سوء إدارة المرحلة الانتقالية، فما بالك بأن يسمح بأن يتحوّل المؤقت إلى دائم. ولو باغتت النهضة والمرزوفي الشعب التونسي، خلال المرحلة الانتقالية، بعملية الانتقال السريع، من المؤقّت إلى الدائم، لكانت الأمور سارت على غير ما هو حاصل الآن. رابعا: بعض المعتوهين السياسيين في النهضة وتوابعها راحوا يكرّرون ما كان يقوله بن علي عن الشعب التونسي عندما انتفض ضده، من أن رجم الحكّام بالحجارة في سيدي بوزيد هو من فعل فئة مأجورة للخارج! بل وذهب بعضهم إلى اتّهام الجزائر بأنها لا تريد لتونس أن تستقر تحت حكم النهضة، حتى لا تتأثّر الجزائر بالتجربة التونسية! خامسا: الجزائر يهمّها استقرار تونس الشقيقة، سواء تحت حكم النهضة أو غيرها، والجزائر ليست الدولة التي يصدّر لها الغنوشي ثورته أو المرزوفي ديمقراطيته، فالأمر التونسي داخلي، وليس للجزائر أي علاقة بنجاح أو فشل التجربة التونسية. لذلك من الأفضل للأشقاء في تونس أن يكفّوا عن ربط الأمور التي تحدث في بلدهم بحكاية الأيادي الأجنبية.. لأن الشعب التونسي لا يريد أن تبقى أموره تدار بالمؤقّت.. هذا هو السبب وما عداه مجرّد تسبيب في غير محلّه!