بومدين زار المنطقة التي كان زبيري مختبئا فيها عطايلية أمر بربطي بالسلاسل ثم ضربني حتى خارت قواه نقلت زبيري من مكان إلى آخر حتى لا يتم اكتشافه يكشف المجاهد صالح عبد اللاوي، لأول مرة، عن تفاصيل عملية تهريبه للعقيد الطاهر زبيري في الأوراس، بعد فشل العملية العسكرية التي قادها العقيد زبيري ضد العقيد بومدين في العفرون في 14 ديسمبر 1967، وما تلاها من اعتقالات ومطاردات لإلقاء القبض عليه. ويدقق صالح عبد اللاوي، في هذا الحوار الذي خص به ''الخبر''، في بعض التفاصيل التي وردت في مذكرات العقيد الطاهر زبيري في جزئها الثاني، خاصة ما تعلق ببعض أسماء الأعلام والأماكن والأحداث.
متى التحقت بالثورة؟ في 1955 كنت مناضلا في جبهة التحرير الوطني وألقي علي القبض في 1955 في الولجة واعتقلت مرتين. وفي 1956 التحقت بجيش التحرير في المنطقة الثانية من الولاية الأولى الأوراس، والتي كانت مركز قيادة الولاية في غابة بني يملول وغابة البراجة ومستشفى الولاية. انكشفت القضية في العاصمة، بسبب الرسالة التي بعث بها العقيد زبيري إلى الرائد عمار ملاح عبر عمار العتروس سائق مفلاتي، والذي أعطاها لشخص آخر، وهذا الأخير سلمها لسائق حافلة على أساس أن يسلمها لامرأة مقرّبة من عمار ملاح، ولكنها وقعت في أيدي الأمن العسكري من كان مسؤولا عنك في 1955؟ كنت مع عبد الحفيظ السوفي الذي أعدم مع عباس لغرور في 1956 في تونس، وكنت حينها نائب مسؤول فوج، وعند الاستقلال كنت برتبة ضابط ومساعد قاضي المنطقة الثانية بالولاية الأولى التي كانت تضم جزءا من ولاية باتنة وولاية خنشلة وجزءا من ولاية أم البواقي وجزءا من ولاية بسكرة. كيف تم تسريحك من الجيش بعد الاستقلال؟ في 1962 أرسلوني إلى قسمة الرميلة بخنشلة كمسؤول بلدية، لتأطير عملية الاستفتاء على تقرير المصير. وبعد الاستقلال أعطوني رخصة بأنني خرجت من الجيش برغبة مني، فمزقت الرخصة، وبعدها التحقت بمنظمة المجاهدين. لقد سرحونا من الجيش بغير رغبة منا، وتم تحويل إطارات الثورة إلى قسمات الحزب، وأعتبر ما حدث حينها من تسريح هذه الإطارات خيانة لنا، وسذاجة من قائد الولاية الأولى العقيد الطاهر زبيري. مرت مدة طويلة على سي الطاهر لم يستحم فيها، فقررنا التوجه به إلى حمام الصالحين تحت حماية مجاهدين بأسلحتهم على متن سيارتين، وقلت لهم نلتقي في قايس (20 كلم عن خنشلة) على أن نذهب إلى حمام الصالحين (5 كلم عن خنشلة) هل كان لك اتصال مع العقيد زبيري قبل أزمة 14 ديسمبر 1967؟ كان آخر اتصال لي بالعقيد سي الطاهر زبيري في فيلا كبيرة بباتنة تدعى ''دار جنرال''، وسألته حينها عن لجنة خاصة بسطيف للتكفل بعلاج معطوبي حرب التحرير وقد أصبت بشظايا رصاص متفجر مازالت في جسدي إلى اليوم، فقال لي العقيد زبيري ''هذه دعاية حرب''. هل كنت على علم بالخلاف بين العقيد زبيري والعقيد بومدين؟ هذا لم يكن سرا بل كان 90 بالمائة من المجاهدين يعرفون حقيقة الاختلاف بين زبيري وبومدين، وأفراد الجيش كانوا هم أيضا على علم بهذا الخلاف، وما كنا نسمعه في الأوراس أن العقيد زبيري على صواب لأنه طالب بومدين بتنفيذ وثيقة 19 جوان 1965 والتي تؤكد أنه بعد عام من تسلم مجلس الثورة للحكم، تكون هناك انتخابات ديمقراطية، لكن بومدين لم يلتزم بنص الوثيقة، فضلا عن كون العديد من إطارات وضباط جيش التحرير كانوا يدفعون العقيد زبيري إلى مواجهة بومدين ليس بشكل مباشر ولكن من خلال الشكاوى التي كان مجاهدو الولايات الثالثة والرابعة والأولى يتقدمون بها لزبيري، خاصة ضد ''ضباط فرنسا'' الذين كانوا يترقون في الرتب العسكرية مقارنة ببقية الضباط خاصة المتخرجين من كليات عسكرية في الشرق، وهذه الشكاوى كانت تدفع بالعقيد زبيري للاصطدام ببومدين. أطلق عليدركي أسمر البشرة حينها كلبا مدربا راح ينهش ساقي دون أن يوقفه الدركي، وبفضل الله وقوته ودون شعور انقضضت على الكلب وأمسكت فكّيه بقوة وكأني أريد خلعهما وبقيت كذلك برهة من الزمن، وعندما أطلقت الكلب امتنع بشكل نهائي عن مهاجمتي هل كان العقيد بومدين يملك شعبية جارفة في الأوراس في 1967 أم أن ولاء إطارات الثورة كان لزعيم آخر؟ صراحة كان بومدين منبوذا في الأوراس، لأن إطارات المنطقة كانوا يصفونه بالديكتاتوري وأنه هو الذي ترأس المجالس العسكرية التي قضت بإعدام عباس لغرور (أحد أبطال وقادة الأوراس) وعبد الحفيظ السوفي وحوحا بلعيد وتيجاني عثماني وغيرهم في الفترة ما بين 1957 و.1958 أما الرئيس أحمد بن بله، فكان محبوب الشعب وكان الناس في الأوراس ينشدون عليه الأغاني والأشعار هو والزعماء الخمسة (بن بلة، بوضياف، خيضر، آيت أحمد، بيطاط). كيف كانت علاقتك بالعقيد زبيري قبل العملية العسكرية التي قادها ضد بومدين؟ كنت عاتبا على العقيد الطاهر زبيري بسبب مشاركته في الانقلاب على الرئيس أحمد بن بلة في 19 جوان 1965 لأنه كان يمثل الشرعية، ومما يدل على انقطاع الصلة بيننا أنه جاء إلى عرس عبد العزيز زرداني بقايس وكنت بالقرب منه وتفاديت ملاقاته وذكرت له هذه الواقعة بعد ذلك في وادي الأزرق عندما كان هاربا، فعاتبني على ذلك وفكرت في أن أصارحه، لكنني سمعته يتكلم دائما عن مشاركته في انقلاب 19 جوان 1965 وكأني به يتأسف على ذلك، ومن جهة يحاول أن يبيّن بأنه يقف دائما في وجه الديكتاتورية. وضع عطايلية خريطة أمامه وسألني: ''أخبرني عن مكان تواجد صاحبك''. وفي هذه اللحظة أدخل الجنود السائق عمار العتروس ولونه أزرق من التعذيب، بغية ترويعي لأعرف المصير الذي ينتظرني كيف التقيت الطاهر زبيري بعد انهزامه في معركة العفرون؟ في الأيام الأولى لأحداث 14 ديسمبر 1967 قابلت أحد المجاهدين يدعى حمنة بورصاص المدعو ''القاهرة''، لتسوية وضعية عائلة الشهيد علي التارزي الذي كان مع الشهيد عزوز العمراني، وبعد هذا اختليت به، ودون سابق تفكير أو حسن تدبير قلت له ''العقيد الطاهر زبيري يعرف منزلكم الكائن بقابل لفجوج وسيأتي لا محالة للاختباء هناك''، وطلبت منه أن يحتاط للأمر ويأخذ حذره ويتصل بي عند الضرورة. لقد جاءني حمنة بورصاص إلى بيتي في قايس بعد أن دعوته إلى وجبة غداء وكان معي السعيد سعيدي، وطلب مني بورصاص على عجل الذهاب معه إلى المحبوبي (حارس غابات) على متن سيارة ابن عم المحبوبي ويدعى الحاج علي، ثم طلب من السائق أن يمضي بسرعة، والتفت إلي قائلا ''إن الكلام الذي قلته لي في عين البيضاء قد حدث''، وكان رده بمثابة الزلزال. سلكنا الطريق نحو دار بورصاص في ''قابل لفجوج'' ببلدية عين الزيتون بولاية أم البواقي، حيث وجدت سي الطاهر مع عائلة بورصاص مرتاحا وهادئا للغاية، رغم أنه كان في وضع لا يحسد عليه، وهذه كانت طبيعته منذ زمن الثورة، الجحيم يحاصره من كل جانب وهو لا يبالي. متى كان هذا اللقاء؟ كان في شهر جانفي 1968 بالتقدير، لأن الثلوج كانت كثيفة وعلى ارتفاع متر، وأخذنا سي الطاهر ورفيقه محمد شبيلة معنا في السيارة في منتصف تلك الليلة خشية انقطاع السبل بنا بسبب كثافة الثلوج، واتجهنا جهة قايس مبتعدين عن الدرك الوطني. اقترح المحبوبي أن نذهب إلى شخص معيّن فتحفظت عليه، ثم اقترح آخر فرفضته، فقال له سي الطاهر ''اترك سي صالح يذهب بنا أينما يشاء''، فلم أجد من مكان أفضل من بيتي، حيث وجدت هناك السعيد بن السعيدي مع شقيقي محمد. وفي الصباح توجهت إلى خنشلة، حيث قمت كالعادة بفتح مقر منظمة المجاهدين حتى أبعد كل الشبهات عني، وبقي سي الطاهر في بيتي عدة أيام، حيث كان يزوره عدد من المجاهدين. طيلة مدة اختفاء العقيد زبيري في الأوراس، من كان مسؤولا عن تحركات وتمويل عملية فراره ورفيقه؟ عندما مكث سي الطاهر في بيتي في قايس، اتصل به عدة مجاهدين ومسؤولين في حزب جبهة التحرير وموظفين كبار في الدولة، لكن لم يفكر أي من هؤلاء في إيجاد حل أو تقديم اقتراح للخروج من هذه الأزمة. وتبعا لهذه الأوضاع، وجدتني أحمل لغما قد ينفجر علي في أية لحظة، وأدركت أن حماية سي الطاهر صارت مسؤوليتي، وأصبح لا بد علي أن أتحمل هذه المسؤولية الكبيرة والشاقة التي تستوجب مني الصبر والثبات والبقاء وفيا للعهد الذي قطعته على نفسي والأمان الذي منحته لسي الطاهر ورفيقه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. من كان يزوره حينها؟ محمد الصغير شوشان، مبارك السعدودي، سي المسعود بن زرارة، عبد الله غبروري الحوسين بوعلي وغيرهم، ثم اتفقت مع ابن سعيدي أن يستضيف سي الطاهر في بيته بضعة أيام بالوادي الأزرق في بوحمامة بخنشلة، نظرا للموقع الآمن والهادئ الذي يحتله منزله بالبادية واتساع المسكن، وكان في الأيام الأولى لاندلاع الثورة مركزا للثورة. كان بورصاص دائم الاتصال من عين البيضاء وبقيت أنا مكلفا بالاتصال والاستعلامات وآتيه بالجرائد. ومرة قال لنا مفتش شرطة إن من يساعد على إلقاء القبض على الطاهر زبيري سنعطيه 20 مليونا، وعندما التقيت زبيري قلت له ساخرا ''أنا آخذ 5 ملايين ونشري مرسيداس''، وسي الطاهر يضحك. وبعد ذلك وحتى لا ينكشف أمره بالمكوث في مكان واحد، اتفقت مع الماكودي على تحويل زبيري ورفيقه إلى منزل الأخ عبد الله وناسي القاطن بلمصارة وله منزل بعين الصفصاف، تتوفر فيه كل شروط الأمن والراحة بعيدا عين أعين الناس، وبقي هناك إلى عشية عيد الأضحى في فيفري .1968 هل كان العقيد زبيري حاقدا على العقيد بومدين ويسعى لإشعال ثورة في الأوراس ضده؟ سي الطاهر لم يكن حاقدا على بومدين، وأشهد أنه كان رافضا لفكرة إشعال ثورة في الأوراس أو سقوط مزيد من القتلى في صفوف الشعب الذي أنهك خلال ثورة التحرير، وسي الطاهر كان يقول أكيد أن بومدين يبحث عن التفاهم معي. زبيري تحدث في مذكراته بأنه ذهب إلى الاستحمام في حمام الصالحين تحت إشرافك، كيف أفلت زبيري من قبضة الأمن حينها؟ مرت مدة طويلة على سي الطاهر لم يستحم فيها، فقررنا التوجه به إلى حمام الصالحين تحت حماية مجاهدين بأسلحتهم على متن سيارتين، وقلت لهم نلتقي في قايس (20 كلم عن خنشلة) على أن نذهب إلى حمام الصالحين (5 كلم عن خنشلة). انطلقت المجموعة الأولى في سيارة، أما أنا وسي الطاهر وشبيلة فركبنا في السيارة الثانية، وتوجهنا إلى الحمام الذي كنت أعرفه جيدا إذ به غرف وأحواض استحمام، والأهم من ذلك أن به غرفتين خارج الغرف الرئيسية للاستحمام، وهناك استحم سي الطاهر وشبيلة، بينما كنت رفقة بقية المجاهدين نحرس المكان بلباس مدني والأسلحة مخبأة في السيارتين. وجدت بعض الأشخاص من الأمن العسكري بلباس مدني داخل الحمام، ولكن لم يهمهم الأمر لأنهم لم ينتبهوا لنا، وعدنا بسلام وفي الغد ذبحنا كبش العيد في بيتي. كان بومدين منبوذا في الأوراس، لأن إطارات المنطقة كانوا يصفونه بالديكتاتوري وأنه هو الذي ترأس المجالس العسكرية التي قضت بإعدام عباس لغرور (أحد أبطال وقادة الأوراس) وعبد الحفيظ السوفي وحوحا بلعيد وتيجاني عثماني وغيرهم في الفترة ما بين 1957 و1958 هل زار الرئيس هواري بومدين أيا من مدن الأوراس خلال احتماء العقيد زبيري بها؟ مرّ بومدين على مدينة قايس بخنشلة وتوقف بها، وفي الوقت نفسه كان سي الطاهر مختبئا في بيتي، أما أنا فرحبت ببومدين وكنت في الصف الأول عندما ألقى خطابه على سكان قايس، ومما قاله ''سنحصد أمطرت أم لم تمطر''، وكان يقصد الآبار التي تم حفرها لسقي الأراضي، لكنه لم يتحدث عن موضوع سي الطاهر. أين خبأت زبيري بعد ذلك؟ درست الوضع ووجدت أن المصارة مكان بعيد وموقع جيد، فاتفقت مع الأخوين الماكودي والسعيد على الذهاب بسي الطاهر ومحمد شبيلة إلى هناك، وبعد مدة أخذناه إلى الوادي الأزرق، وهناك طلب مني شبيلة أن أتصل بصهره اعمر مفلاتي شقيق الطاهر مفلاتي أغنى رجل في المنطقة، من أجل إحضار ابنه الذي اشتاق إليه كثيرا، فاتصلت به. وكان للطاهر مفلاتي ابن خال يدعى عمار العتروس يعمل سائقا لديه، فأرسل ابن شبيلة معه في سيارة والذي لم يتجاوز سنه أربع سنوات، أما المرة الثانية فجاء عمار العتروس بحلاق إلى قايس لحلق ذقن سي الطاهر وشبيلة. في 1962 أرسلوني إلى قسمة الرميلة بخنشلة كمسؤول بلدية، لتأطير عملية الاستفتاء على تقرير المصير. وبعد الاستقلال أعطوني رخصة بأنني خرجت من الجيش برغبة مني، فمزقت الرخصة، وبعدها التحقت بمنظمة المجاهدين. لقد سرحونا من الجيش بغير رغبة منا، وتم تحويل إطارات الثورة إلى قسمات الحزب كيف عرف العقيد زبيري أن ضابط المخابرات بوشارب يلاحقه؟ الطاهر مفلاتي طلب مني ترتيب لقاء له مع العقيد زبيري، فقلت له إنه بعيد في بوحمامة (ولاية خنشلة)، وأعطيته موعدا هناك، فجاءني بعد ذلك في سيارة مرسيدس إلى بوحمامة، في حين جئت في سيارة صغيرة رفقة السعيدي، فتركنا المارسيدس ومشينا إلى الوادي الأزرق، حيث قابل مفلاتي سي الطاهر وقال له ''بوشارب جاء للبحث عنك''. زبيري في مذكراته تحدث بإسهاب عن اختبائه في كوخ شيخ فقير يدعى بوخرشوفة وزوجته عائشة، لكنك لم تتحدث عنه؟ لم أسمع بهذا الاسم من قبل ولا أدري من يقصد زبيري بالشيخ بوخرشوفة، لكني نقلت زبيري ورفيقه إلى بيت الشيخ محمد الشريف الجلالي الواقع في الولجة (ولاية خنشلة) والتي تبعد بنحو 170 كلم عن الوادي الأزرق، وهذا الشيخ أصله من سكيكدة وهو والد الضابط شريف جلالي الذي استشهد مع علي سويعي (قائد الولاية الأولى الأوراس بالنيابة)، وكان هذا الرجل غنيا وليس فقيرا، إذ كانت له دار وسط الغابات في الجبال، وأخذت التموين لهذا الشيخ الذي لم يكن يزوره الناس إلا فيما ندر، وبقي زبيري ورفيقه عنده مدة من الزمن. وفي أواخر أفريل، ارتفعت درجة الحرارة واتفقت مع الماكودي على نقل زبيري ورفيقه إلى مكان يدعى الركنية في بولفرايس بولاية باتنة وبقي مدة هناك. كيف تمكن رجال العقيد بومدين من اكتشاف دورك في تهريب زبيري؟ انكشفت القضية في العاصمة، بسبب الرسالة التي بعث بها العقيد زبيري إلى الرائد عمار ملاح عبر عمار العتروس سائق مفلاتي، والذي أعطاها لشخص آخر، وهذا الأخير سلمها لسائق حافلة على أساس أن يسلمها لامرأة مقرّبة من عمار ملاح، ولكنها وقعت بين أيدي الأمن العسكري، وانكشفت الرسالة، وتتبع الأمن خيوط الرسالة إلى أن وصل إلى السائق عمار العتروس. وأثناء التعذيب والاستنطاق، قال عمار ''أعرف صالح عبد اللاوي في قايس''. في الأيام الأولى لأحداث 14 ديسمبر 1967 قابلت أحد المجاهدين يدعى حمنة بورصاص المدعو ''القاهرة''، لتسوية وضعية عائلة الشهيد علي التارزي الذي كان مع الشهيد عزوز العمراني، وبعد هذا اختليت به، ودون سابق تفكير أو حسن تدبير قلت له ''العقيد الطاهر زبيري يعرف منزلكم أين ومتى تم توقيفك؟ طلب مني المجاهد مبارك سعدودي ومن الحاج عمار شايبي، مرافقته إلى الولجة في مسألة اجتماعية وكان هذا في 3 ماي 1968، فسافرنا في آخر الليل وقبل الفجر من قايس إلى الولجة. كنت في ذلك اليوم جد مضطرب لدرجة لا تطاق وكأني كنت أشعر بالمصير المحتوم الذي ينتظرني، لذلك سلمت إلى الأخ عمار شايبي ألف دينار وهي نصف ما كنت أحمله معي وقلت له: ''سلمها لأبي''، وذلك عند وصولنا إلى الولجة وقراري البقاء لمدة في حين غادر عمار شايبي، وهناك التقيت بالسائق الحاج علي الذي كان يعرف سرّنا ولأول مرة أبوح له بما يدور في خلدي وقلت له ''إذا علمت أنني محل بحث من طرف مصالح الأمن فسوف أتجه من هنا عن طريق الجبل إلى المصارة وشلية، وأصدقك القول إنني فكرت حتى في المستودع لإخفاء سيارتك إذا تم اكتشاف أمرنا وأردت الذهاب معنا''، فسكت صاحبي ولم يرد بكلمة، لكني كنت متأكدا أن العقيد زبيري لم يكن يريد إعلان الثورة ضد النظام وأعلمني بذلك، ولو قرر زبيري الثورة فكنت سأقف إلى جانبه. انطلقت مع الحاج علي عائدين إلى قايس، وبعد قطع نحو كيلومترين، صادفنا سيارة في الطريق فأسرع مسؤول الدرك الوطني في خنشلة وهمس في أذني ''إنهم يبحثون عنكم''، وفي هذه اللحظة شاهدت مجموعة من أفراد الجيش يطوّقون السيارة في الولجة، فأوقفوني وتوجهوا بي نحو خنقة سيدي ناجي، حيث كانت تتواجد هناك وحدة عسكرية ثم توجهوا بي إلى ثكنة للدرك الوطني بخنشلة. من قام باستنطاقك؟ وجدت سي عطايلية في الثكنة، فأمر بتفتيشي فوجدوا رسالة ودية من الدكتور أحمد الرفاعي شرفي الذي كان مدرسا في موريتانيا، والثانية عبارة عن شهادة طبية من المجاهد محمود عثامنة تثبت إصابتي بجروح خلال الثورة في المعركة التي استشهد فيها علي النمر (قاد الأوراس لفترة قصيرة)، بالإضافة إلى قائمة بأسماء عائلات الشهداء التي لم تأخذ مستحقاتها. ووضع عطايلية خريطة أمامه وسألني: ''أخبرني عن مكان تواجد صاحبك''. وفي هذه اللحظة أدخل الجنود السائق عمار العتروس ولونه أزرق من التعذيب، بغية ترويعي لأعرف المصير الذي ينتظرني. وخلال عملية الاستنطاق، ذكرت لهم أنني التقيت الطاهر زبيري في ''قابل لفجوج''، وهو المكان الذي التقيت به سي الطاهر أول مرة منذ أربعة أشهر، فتوجهوا بي نحو المكان المذكور، حيث يقيم بورصاص ولكن لحسن الحظ لم نجده في البيت. هل تعرضت للتعذيب خلال اعتقالك؟ دركي أسمر البشرة أطلق علي حينها كلبا مدربا راح ينهش ساقي دون أن يوقفه الدركي، وبفضل الله وقوته ودون شعور انقضضت على الكلب وأمسكت فكّيه بقوة وكأني أريد خلعهما وبقيت كذلك برهة من الزمن، وعندما أطلقت الكلب امتنع بشكل نهائي عن مهاجمتي رغم المحاولات البائسة لذلك الدركي. ثم أخذوني إلى دار جينرال في باتنة لاستنطاقي وكنت في حالة يرثى لها، لكني لم أتعرض للتعذيب، فقد جاءني دركي وطلب مني مالا فأعطيته فتركني أنام على الأرض. اتهم زبيري في مذكراته السائق الحاج علي بوشايته، فهل تؤكد أو تنفي هذه الاتهامات؟ الحاج علي كان من المفروض عندما ألقي القبض علي في الولجة وليس في بيتي كما ذكر زبيري أن يتجه مباشرة إلى زبيري أو الماكودي لتحذيرهما، ولكنه لم يفعل، وعندما ألقي القبض على بورصاص قال لهم إن زبيري أخذه عبد اللاوي والحاج علي، وربما استدعي الحاج علي لذلك وألقي عليه القبض. عندما ذهب سي الماكودي بالصدفة إلى السوق، رأى الحاج علي يدخل إلى مركز الدرك الوطني، وفهم بأن الحاج علي يريد التبليغ عن زبيري، لذلك أخذ سيارة أجرة ثم أكمل طريقه ركضا إلى أن وصل إلى مكان اختباء زبيري وصاحبه في الوادي الأزرق وطلب منه المغادرة فورا، وأخذه إلى غابة البراجة عند شخص يدعى الصغير نور الدين، أما الحاج علي فحققوا معه واعترف بأن زبيري مختبئ في الوادي الأزرق، فأخذوني إلى البيت الذي كان زبيري مختبئا فيه في الوادي الأزرق ببولفرايس دون التحقيق معي فلم نجد أي أثر للعقيد زبيري ولا لصاحبه، وهناك أمر عطايلية الجنود بربط يدي بسلسلة حديدية (وليس أسلاك شائكة كما جاء في مذكرات زبيري) معدة لربط الحيوانات وتعليقها إلى سقف المنزل، ثم قام عطايلية بضربي برجليه حتى أرهق وأصبح لا يقوى على رفعهما. أما الحاج علي الذي مازال على قيد الحياة، فسمعت أنه أراد الرد على اتهامات زبيري له في مذكراته بالوشاية عليه، لكني شخصيا لا أستطيع اتهامه أو تبرئته في هذه القضية. ما هو الحكم الذي صدر بحقك؟ حكموا علي بثلاث سنوات سجنا في قضية 14 ديسمبر 1967، وثلاث سنوات أخرى في قضية محاولة اغتيال العقيد بومدين، رغم أنه لم تكن لي أي علاقة بمحاولة الاغتيال، وتم إطلاق سراحي في 3 ماي 1971، ومع ذلك بقيت تحت الرقابة القضائية لسنوات.