المتتبع لنشاطنا الأدبي يلحظ عديد القضايا وتشابك الأفكار وتداخل أولويات الطرح في العملية الإبداعية، إذ كل منا يدلي بدلوه، ومن منطلقات كثيرة حدّ التناقض. وليس عيبا في ذلك إذا ما لاحظناه في مدونتنا، باعتبار العملية مفتوحة على طبيعة الطرح والاعتقاد والجدل الإيجابي. عندما نطرق إشكال الرواية، والرواية الجزائرية على وجه الخصوص، تحضرنا جملة من التساؤلات حول العملية الإبداعية، عندما نستعرض حوارية باختين، الذي وجد في دوستويفسكي النموذج الأقوى لدلالة حواريته، التي لم يهضمها كثير من النقاد العرب الأكاديميين، وغيرهم من الباحثين الذين حاولوا استشعار مكوّنات النّص السردي برؤى فلسفية عقيمة المعنى، هشّة البنية ركيكة اللغة، وأحيانا تشوّه الخطاب النقدي عند طرحه، لأنّها اكتفت بقشور الموضوع، عندما استعسر عليها إدراك جوهر الفكرة، فنتج عن ذلك صورة مشوهة لحقيقة الموضوع الأصلي، لا هو بالتقليدي ولا بالأصيل. هي عملية إدراك سطحي للقضية ومحاكاة ساذجة لمعيار فلسفي معقّد وإسقاط صلب لتقويم نّص، بنظريات أو رؤى قابلة للانصهار في الأصل، وإنّما أصابها التشويه بسبب القراءة اللاواعية. وقد نظّر للقراءة المختصون من النقاد والأكاديميين والمتذوقين بحرفية للإنتاج الإبداعي، ووضعوا شروطا، ولو نسبية، كمحدّدات موضوعية فاعلة، وربّما العملية التفات غير متزن لتناصات جيرار جينات مثلا أو كريستيفا ومشكلة العتبات ومتعاليات النّص، أو موت المؤلف لدى بارت وإشكال النّص والذّات. يحدث ذلك دون النظر في ما حولنا من أدباء ونتاجهم النقدي والإبداعي المثمر. طبعا لسنا ضد أولئك ومع هؤلاء، بقدر ما تقتضي العملية منا نوعا من التوازن في التقدير والإسناد من هذا أو ذاك، لكنّا نخشى أن نغيّب شطرا مهما من مجمل العمليات النقدية الجادة لدينا، ونبقى مشدوهين لبعض المصطلحات والهرطقات المنقولة مشوهة، من هنا وهناك، بقصد أو بغير قصد. وكثير من التقديرات النقدية المتعالية والفهوم الواعية لجنس الرواية، وإن اختلفت رؤاهم فكرا وثقافة، وهم الأقرب إلى الأخذ بأفكارهم والاستعانة بتجاربهم، إذا لم نهتم بها نكون قد يسّرنا الأمر، أيضا، على بعض الكتابات التي لا ترقى إلى ميزان النقد منهجا ولغة وجمالا، وأحيانا تحاول التفريق بين غاية النّص اللغوية والخطابية وبين العلاقة الإجرائية للمشروع نفسه، وتتيه وسط ما قاله فلان وما قيل عنه، بعيدا عن هذه الحقيقة الأدبية والمسؤولية الفنية والمهارة التعبيرية الراقية وغياب الحس التاريخي الفاعل، وربّما تسعى فئة لإحداث الفوضى لتنتعش وتقتات على موائد الأدب والأدباء. ونحن ندرك ما تعجّ به الساحة من دكاترة وأساتذة جزائريين.. نغفل ما لديهم من قدرة على تحليل مبدع للنّص الروائي، تستحق منّا الوقوف بتأن على منجزهم المستمر واهتمامهم بالأدب الجزائري، الذي أملته الضرورة الأدبية والإنسانية، بعيدا عن سطحية القراءة والمعلومة المبتورة والفكرة الفجّة، كما حدث في موضوع الرواية الجزائرية مؤخرا، واتضحت كثير من العيوب في طريقة القراءة، ويكاد بعضها تشمله فوضى الألفاظ وسطحية الطرح. إنّنا بحاجة إلى هؤلاء، وأمثالهم، ونحن نتابعهم في كلّ ما ينجزون ونترقب جديدهم باهتمام، ونطالبهم بإصرار على الحضور الفعلي ضمن المدونة النقدية الفاعلة المنتظمة التي لا تكرّس شغور الأماكن وفراغ الكراسي لكلّ من هبّ ودبّ. إنّنا نسعى للتّعامل مع العملية الإبداعية الجزائرية بموضوعية، والنظر في الرواية بمرجعية متكاملة، وإن تعدّد أطرافها واختلفت رؤاهم. لكن الأكيد أنّ في هذه العملية تقاطعات كثيرة، من شأنها تقريب وجهات النظر بإيجابية، وعلى جميع المستويات، لكي تكون عملية التأطير عن وعي ودراية شاملة، باعتبار الخوض فيها من باب المسؤولية الجماعية التاريخية والحضور النقدي، الأدبي واللغوي بجد. هي الحقيقة التي يجب أن نعلمها ونتعلّمها في ظرفنا الحالي، ندعو كلّ الأكاديميين والباحثين المخلصين للنّص الروائي خاصة، والمنشغلين بالأدب الجزائري، حتى تسير العملية الإبداعية على وتيرة محترمة. لا نقول ممتازة ولكن بخطى متّزنة، محسوبة بذهنية المثقف الجزائري الممنهج، الذي يبحث في المدونة النقدية كغاية معنوية وبوعي علمي- إبداعي لقاموس المصطلحات الأدبية والنقدية، سواء كانت من إنشائنا أو من نتاج غيرنا، ومن ثمّ ننزل الأشخاص والمساهمين منازلهم، التي يستحقون، وبشكل يرقى إلى مصاف مدونات غيرنا، وهي تحمل وسما شخصيا للرواية الجزائرية، تعكس لغة راقية عند الطرح، بدلا من النبش في مستويات دونية مخلة بحرمة الأدب والأدباء، وتكون ذريعة للدونيين أيضا، لأنّ أمنيتهم الظهور فقط، وليس لديهم فكرة عن مخاطر التأسيس.