تسعى باريس لإعادة إحياء النقاش بخصوص الاتفاقية الجزائرية الفرنسية المبرمة سنة 1968، المتعلقة بالهجرة وحركة تنقل الأشخاص في البلدين، بما يناسبها من ”تحيين” تطالب به منذ فترة، من أجل تقليص هامش ”الأفضلية” التي يتمتع بها الجزائريون مقارنة مع الجاليات الأخرى في فرنسا. نظم، نهاية الأسبوع، ملتقى بباريس، تحت إشراف اللجنة القانونية الدولية باريس - الجزائر، وخصصت لمناقشة الاتفاقية المبرمة بين البلدين في ديسمبر 1968، والمتعلقة بتنقل الأشخاص، وشارك في اللقاء محامون ومسؤولون في هيئات رسمية فرنسية. وقد أجمعت تدخلات المعنيين على التطبيق الصارم لهذه الاتفاقية، في محاولة لتأكيد أن الجانب الفرنسي لم يخل بالالتزامات المدونة في الاتفاقية التي تعطي أفضلية للجزائريين في فرنسا، كرد فعل حيال فشل السلطات الفرنسية في إرغام الجانب الجزائري على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ل ”تحيين” الاتفاقية، وبدا واضحا أن الاتفاقية شكلت حجر عثرة أمام مباشرة باريس سياسة الهجرة الجديدة التي شرع فيها خلال فترة حكم الرئيس نيكولا ساركوزي، وتعثرت بموجب التوجه الجديد الذي جاء به الرئيس فرانسوا هولاند، وإن كانت باريس أبقت على نيتها في مراجعة بنود الاتفاقية. وأثار المحامي عبد الرزاق بوجلطي، خلال اللقاء، إشكالية التأويلات المختلفة للإدارة في فرنسا لنص الاتفاقية، وقال: ”لا يمكن أن تشكل محل تأويل خاطئ من قبل إدارة مكلفة بتطبيقها في حين أنها تسعى إلى تجريدها من محتواها”..بينما أكد رئيس اللجنة الدولية باريس – الجزائر، الأستاذ شمس الدين حفيز، على ”الغاية” المرجوة من هذه الاتفاقية، متسائلا عما إذا كان الأمر يتعلق بمحاولة التقليل من أهمية الهجرة الجزائرية لصالح مهاجرين أجانب مقيمين بفرنسا، أم أن الأمر يتمثل، عكس ذلك، في محاولة لتعزيز الوضع المتميز للرعايا الجزائريين. تساؤل المعني وجد له إجابة لدى المسؤولة بوزارة الداخلية الفرنسية، نادية ماروت، قائلة إنه يتم على مستوى مكتبها الرد على الطلبات التي تقدمها البلديات حتى يكون هناك ”انسجام” في القرارات القائمة على التطبيق الصارم لهذا الاتفاق الثنائي. وفي ذلك تفنيد لرؤية البعض من أن الإدارة الفرنسية تضيق في تطبيق الاتفاقية، حتى وإن كان التوجه العام للحكومة الفرنسية يدفع إلى مفاوضات لإعادة النظر في بنود الاتفاقية على نحو ينهي الامتيازات التي يتمتع بها الجزائريون في التنقل والحصول على شهادة الإقامة، على غرار الإجراء المتخذ في السابق في حق رجال الأعمال الجزائريين الذين أجبروا على تقديم تعهد بعدم تقديم طلب الإقامة أو الحصول على رعاية طبية بفرنسا، بينما كانت الحكومة الجزائرية وصفت تلك التدابير ب ”التمييزية”. وقد عبرت الجزائر عن موقفها المبدئي الرافض لمراجعة الاتفاقية، باعتبارها مكسبا لفائدة الجالية الجزائرية في التنقل والعمل والإقامة وحقوق المتقاعدين والمرضى، ”بينما ترغب باريس في خفض مستوى الأفضلية إلى معاملة الجزائريين بصفة عادية”، رغم قولها إن التشريع الجديد الذي تنوي تبنيه يعطي امتيازات أفضل مما هو عليه. وتتحاشى الجزائر تضييع الامتيازات الواردة في اتفاقية تعتبرها ذات بعد إستراتيجي بالنسبة للبلدين، كما أنها تلبي حاجيات الجالية الجزائرية الأكبر من حيث العدد، لتضمن حقوقا أكبر وعدالة أكثر للجزائريين المقيمين في فرنسا بصفة دائمة.