يقبل الجزائريون في سهرات الصيف الحارة على المطاعم لتناول وجبة العشاء وكسر الروتين المنزلي، غير أنهم لا يقاومون إغراء مائدة البيت الرمضانية بحلول الشهر الفضيل، فيعزفون عن المطاعم التي تستقبل زبائن من نوع خاص طيلة الثلاثين يوما، فيما توصد أخرى أبوابها لإعادة تهيئتها. تناول وجبة الإفطار في رمضان خارج البيت تقليد لم يترسّخ بعد لدى الجزائريين، رغم محاولات المطاعم الشرقية والأجنبية التي انتشرت في السنوات الأخيرة توريد هذه العادة “المشرقية” بامتياز، وهو ما وقفنا عليه في جولة قادتنا لبعض المطاعم في العاصمة، لرصد استعداداتها لشهر رمضان أياما قبل حلوله. عزاب وأجانب.. زبائننا بداية جولتنا كانت من مطعم “الدانة” الفلسطيني في دالي إبراهيم، ويشهد المطعم الذي يقدم “بوفيه” مفتوحا إقبالا طيلة أيام السنة، وزبائنه من كافة الفئات، فتجد العائلات والأزواج بالدرجة الأولى، إلى جانب أصحاب المؤسسات والأجانب وموظفي السفارات أيضا، غير أن الزبائن يتغيرون بمجرد حلول الشهر الكريم. وعن حركة الزبائن في الشهر الكريم، يقول محمد أحد ملاك المحل إنها بالتأكيد ليست نفسها في باقي أيام السنة، فالجزائري “لا يتخلى أبدا عن شوربة البيت في رمضان حتى لو كان البديل أشهى المأكولات في المطاعم”، لهذا يقلل القائمون على المطعم من كمية الطعام حتى لا يكون مصيرها سلة المهملات. ويردف محمد قائلا: “نحاول التكييف مع أجواء رمضان، فتجربتنا في السنوات الماضية أكدت لنا أن الجزائري يفضل مائدة البيت في رمضان، وإن حدث وتناوله خارجا فيكون أيضا في البيت تلبية للدعوات العائلية”. فزبائن المطعم في رمضان، حسب محمد، في الغالب من العزاب والأجانب من الجالية العربية العاملين في الجزائر، إلى جانب موظفي السفارات “ونادرا ما تكون العائلات من بين هؤلاء، وإن حدث فهي تعد على أصابع اليد الواحدة طيلة الشهر، وتبدأ في التردد علينا في الأيام الأخيرة من رمضان”. وتتغير قائمة الوجبات في المطعم في الشهر الكريم، فلا تختلف عن المائدة الرمضانية في أي بيت جزائري، وعنها يقول محمد: “شوربة الفريك تكون حاضرة في رمضان إلى جانب المثوم وجل الأطباق التي تزين المائدة الجزائرية في رمضان، فهي مطلوبة من قبل زبائننا حتى وإن لم يكونوا جزائريين”. ويقدم المطعم أجرة مضاعفة للموظفين الذين يبدون استعدادا للعمل في شهر رمضان: “فنحن نقدر أن الإفطار بين أفراد العائلة في رمضان لا يقدر بثمن”. الأكل الهندي مطلوب لكن في البيت لم يختلف المشهد كثيرا في مطعم تاج محل الهندي الذي يشهد هو الآخر إقبالا كبيرا من الزبائن طيلة أيام السنة، غير أن الأمر لا يكون كذلك في رمضان، وهو ما برر اختيار القائمين على المطعم القيام بأشغال إعادة التهيئة والركون للراحة في رمضان هذه السنة بخلاف السنوات السابقة. يقول عبد الرحمن أحد مسؤولي المطعم في حديث إلينا: “إقبال الزبائن يكون محتشما على المطعم في رمضان، فبخلاف المشارقة الجزائريون لم يتعودوا بعد على عادة تناول وجبة الإفطار بعيدا عن البيت العائلي، وهو ما وقفنا عليه في السنوات الماضية”. ويواصل عبد الرحمان يقول إن أغلب من يقصدون المطعم في رمضان يفضلون حجز طلبية لأخذها إلى البيت وتناولها في جو عائلي، أما الزبائن الذين يتناولون الطعام هنا فهم من الأجانب غالبا، وهؤلاء يتصلون لحجز أماكن، حتى أن “الشيف” يقوم بتحضير الطعام وفق عدد الحجوزات. ولأن الإقبال يكون محتشما تعلم الهنود من تجارب السنوات السابقة، وحذوا حذو نظرائهم الجزائريين لتخصيص رمضان لإعادة تهيئة المطعم، وهو حال مطعم “البشائر” الفلسطيني في بئر مراد رايس، الذي يفضل صاحبه هشام أن يوصد أبوابه في رمضان ويحيل موظفيه على الراحة، ليكون شهر رمضان أيضا مناسبة لإعادة تهيئة المطعم. واصلنا جولتنا في العاصمة، غير أن كل المطاعم التي توقفنا عندها اتفقت على إجابة واحدة “لا عمل في رمضان.. وموعدنا بعد العيد”. س. ح