ذِكرُ اللهِ مِن أجَلِّ العبادات وأعظمها أجراً وثواباً، وأقلّها جهداً ومشقة، بل يكفي فيها حركة اللِّسان أو خفقان القلب أو تدبُّر العقل لحظة من الزمن، إنّه ذِكر الله عزّ وجلّ حيث أمرنا به سبحانه في أكثر من موضع من كتاب الله تعالى: {يا أيُّها الّذين آمنوا اذْكُروا اللهَ ذِكراً كثيراً وسَبِّحوه بُكرَةً وأصِيلاً}. ذِكرٌ كما يليقُ لجلاله وعظيم سلطانه ولفضله وإحسانه، فقد جبل الإنسان على ذِكر وشكر ومدح من أحسن إليه وأسدى إليه معروفاً، فكيف بمَن يتقلب بين نعمه وآلائه تماماً كما يتقَلّب الرّضيع بين أحضان أمّه دون أن يدرك أو يشعر بقيمة ما هو فيه، فتراه وهو الّذي أنعم الله عليه لا تحصى ناسياً ذِكرَ ربّه وفضله عليه، بل قد يستعين بنعمه على معصيته وتلك مصيبة كبرى تنذر بزوال النِّعم وسخط الربّ جلّ وعلى. عبادة لا تُكلّفك جهداً ولا وقتاً ولا تحتاج منك إلى طهارة أو حال معيّن: ‘'الّذين يَذْكُرون اللهَ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السّماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقِنَا عذابَ النّار''، بل إنّ التدبّر في ملك الله كما يفهم من الآية يعتبر ذكراً لله وفي كلّ شيء له آية تدل على أنّه الواحد، إنّه الشعور الدائم بمعية الله والقرب منه والأنس إليه، ذلك الّذي يورثه كثرة الذِّكر والمداومة عليه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ‘'مَن ذَكرني في نفسِه ذكرتُه في نفسي، ومَن ذكَرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منه''، فكلّما ازداد ذِكراً ازداد قُرباَ ومحبّة ‘'أهل ذِكري أهل مجالستي، مَن أراد أن يُجالسني فليذكُرني. أهل طاعتي أهلُ محبّتي''، إنّها عبادة من كثُرت عليه الشّرائع وتعدّدت حوله المذاهب، ففي سنن الترمذي: ‘'أنّ رجلاً قال يا رسول الله، إنّ شرائع الإسلام قد كثُرَت عليّ فأخبرني بشيء أتشبَّثُ به، قال: ‘'لا يزال لسانُك رَطْباً مِن ذِكر الله”.