يتقاسم مواطنو ولاية غرداية القاطنون بالعاصمة، وأغلبية مدن شمال البلاد، حالة الخوف والقلق التي يعيشها أهاليهم منذ انطلاق شرارة الأحداث في منطقة الڤرارة، وعاصمة الولاية، إثر الصراع الطائفي بين السكان العرب المنتمين إلى المذهب المالكي والسكان الأمازيغ المنتمين إلى المذهب الإباضي، ويرون أن المشكل هو امتداد للأحداث التي اندلعت قبل 6 سنوات في منطقة بريان، وسيظل قائما ما لم تضع سلطاتنا حدا لهذه الفتنة، دون أن ”تغش” في تعاملها مع الأوضاع. لم يكن من السهل علينا التقرب من ”بني ميزاب” القاطنين بالعاصمة، للحديث عن الأوضاع في ولايتهم، فأغلبهم فضل عدم الخوض في الموضوع لحساسيته، أو تحدثوا بتحفظ شديد، شريطة عدم إدراج أسمائهم، فيما أسهب بعضهم في التطرق إلى تاريخ المنطقة ومشايخها أمثال الشيخ العلامة بيوض الذي ينتمي لمنطقة الڤرارة، والشيخ بكلي، والمؤرخ محمد علي دبوز وغيرهم، وقصور جوهرة الجنوب الجزائري، على غرار بريان، بني يزڤن، مليكة، بونورة والعطف. وجهتنا كانت حي الحميز التابع لبلدية الدار البيضاء بالعاصمة، الذي يعرف نشاطا كبيرا لبني ميزاب ”العاشقين” للتجارة، والمحافظين على أصالتهم وتقاليدهم، وهي السمات التي لمسناها ونحن ندخل محل عمي سليمان شيخي لبيع الأقمشة، الذي رغم تقدمه في السن، إذ يبلغ من العمر 73 سنة، إلا أن خفة روحه جعلته في سن العشرين، فقد استقبلنا بابتسامة عريضة، كان يرتدي لباسا يعكس تمسكه بتقاليد الولاية، وبالتحديد منطقة الڤرارة التي ينتمي إليها، وهو عبارة عن السروال الفضفاض المعروف. وبلهجة عاصمية بادرنا عمي سليمان بالقول: ”مارانيش مليح”، ”فالأوضاع الأخيرة التي عرفتها الولاية جعلتني وأفراد عائلتي نعيش على الأعصاب، نحن متوترون جدا، نستيقظ وننام على ما يحدث في منطقة بني ميزاب التي غادرتها منذ حوالي 20 سنة، ولكنني أحن إليها كثيرا”، نقاطعه لنسأله إن كان قد زار الولاية وهي في غمرة الأحداث، فيرد قائلا: ”لا أخفي عليكم أن ما تعرفه ولايتي أبكاني، وحال تدهور الأوضاع الأمنية هناك دون زيارته، ملاذي الوحيد في هذه الأيام الجرائد اليومية التي أحرص على قراءتها لمعرفة كل جديد عن الأوضاع، بينما يبقى الهاتف النقال وسيلتي للاطمئنان على أهلي هناك، يجب أن تعرف الدولة أن المواطن في غرداية غير مطمئن، وعلى عاتقها مسؤولية توفير الأمن”. وإن كانت الأوضاع الأمنية بالولاية قد حرمت الشيخ شيخي من زيارة أهله، فإن الشاب حاج عاشور محمد، صاحب محل ليبيع الأواني بنفس الحي، يأبى أن يترك أهله في هذه الظروف الصعبة. فبحماس شديد قال: ”لم تمنعني أحداث منطقة الڤرارة وغرداية من زيارة أهلي عند نهاية الأسبوع، أصابني الأرق جراء ما يحدث هناك، أنا من بني ميزاب، ولا أرى أن هناك فرقا بيني وبين عربي، ما نبحث عنه اليوم العيش في ”الهناء”، والطمأنينة لا غير”. ودعنا حاج عاشور بالدعاء لأهل المنطقة، طالبا منهم التعقل والتحلي بالصبر في انتظار عودة الأمور إلى ما كانت عليه، لنقصد محلا مجاورا له، مختصا في بيع مواد الترصيص والبناء، صاحبه يدعى بكلي عبد الرحمن، بدت على وجهه ملامح الإحباط عندما طرحنا عليه الموضوع، إذ قال: ”أنا قلق كثيرا على أهلي هناك، وما يحدث في غرداية لا أتمنى أن يتكرر في أية ولاية أخرى، فنحن الجزائريون موحدون، وفرنسا هي من تركت ثقافة هذا عربي، وهذا ميزابي”، حسب رأيي هذه فتنة، وعلى الدولة توفير الأمن بالمنطقة، فالتجار هناك تكبدوا خسائر جسيمة، وهي عصب سكان منطقة بني ميزاب، فثروتهم يجمعونها بالاقتصاد والتقشف، وهو الأسلوب الذي يلقنه الأب لابنه، ويسير عليه الأحفاد فيما بعد”. ذكريات بريان والمعروف عن سكان منطقة وادي ميزاب ليس التجارة فحسب، وإنما تماسكهم الاجتماعي، وحبهم لمظاهر اللباس، وأسلوب الحياة، وهو ما لمسناه في شابين طموحين التقينا بهما بأحد مقاهي حي الحميز، لهما تكوين في إدارة الأعمال، أحدهما يدعى صالح، والآخر قاسم، وقد بديا متأثرين جدا لما يحدث في ولايتهما. يقول الشاب قاسم، المنحدر من منطقة بريان، والذي عاد منذ أيام قليلة من دولة أوروبية حيث كان يدرس إدارة الأعمال: ”غادرت الجزائر في 2010 على أحداث بريان، وها أنا أعود إليها على أحداث الڤرارة، إنني أتألم جدا لما يحدث، وأتساءل عن مدى صحة الأخبار التي نقلتها مختلف وسائل الإعلام”. اندلاع الأحداث في منطقة الڤرارة ومدينة غرداية أعادت إلى ذهن قاسم ذكريات أحداث بريان السيئة، إذ يستطرد قائلا: ”(راني مديڤوتي).. لا أريد أن أتذكر تلك الأيام التي دفعتني لأهجر البلاد، وحسب رأيي فإن المشكل سيظل قائما، أريد من الدولة أن تكون عادلة فمن يخطئ يعاقب، ولكن لا تغش في التعامل مع ما يحدث”. ويشاطره الرأي صديقه صالح الذي بدا هادئا طوال الحديث، لكنه سرعان ما ثار غاضبا: ”أنا من بين ضحايا أحداث بريان التي دامت سنتين كاملتين، لأنني ضيعت اجتياز شهادة البكالوريا، واضطررت لإكمال دراستي بمالي الخاص، حيث تحصلت على شهادة مهندس دولة في إدارة الأعمال”. صالح أكد في الأخير أنه سيزور غرداية بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف مهما كانت الظروف، وهو قلق على أهله بسبب تدهور الوضع الأمني بالولاية.