تنظم وزارة الصحة، بعد يومين، ملتقى دوليا حول سياسات الصحة، تمهيدا للجلسات الوطنية للصحة، في وقت يزداد فيه وضع الصحة في الجزائر بؤسا بسبب سوء التسيير والإهمال، رغم تطمينات الوافد الجديد على وزارة الصحة. مستشفيات تعاني الإهمال وسوء التسيير غرف جراحة موصدة وتكوين الأطباء مطعون فيه يكشف استطلاع قامت به “الخبر”، مدى حالة التسيب في قطاع الصحة، من ذلك غلق أبواب غرف جراحة في عدد من المستشفيات عبر الوطن، احتكار المعرفة في يد نخبة، وضع لا يدفع ثمنه فقط المرضى، بل أيضا طلبة الطب، وفي مقدمتهم الأطباء المقيمون الذين يمرون مرور الكرام على تكوين هام بسبب سوء التسيير. ما نتجاهله أن غلق مصالح استشفائية، وفي مقدمتها غرف الجراحة، لا يمس فقط المرضى، بل أيضا الأطباء الذين يجدون أنفسهم أمام تكوين منقوص، حتى لا نقول شبه منعدم. ومن خلال القائمة التي سنكشف عنها عن المصالح الاستشفائية والغرف الجراحية الموصدة الأبواب، سنقف على مدى معاناة المرضى من جهة ونقص التكوين الذي يواجهه الأطباء المقيمون، فضلا عن احتكار “شلة” من الجراحين للمعرفة في بعض الاختصاصات الهامة، من بينها جراحة القلب. غرفة جراحة واحدة لثلاثة اختصاصات قبل الحديث عن قاعات الجراحة المغلقة، يجب التفريق بين العمليات المبرمجة والعمليات المستعجلة، فالعمليات المبرمجة يتم برمجتها بعد كشف المرض لدى المريض، وغالبا ما يتم استغراق وقت طويل قبل برمجة العملية. أما العمليات المستعجلة، فهي إصابة المعني بمرض مفاجئ يستدعي الجراحة مثلا الزائدة الدودية، وغالبا ما يتم تحويل هؤلاء المصابين إلى مستشفيات أخرى لانعدام الأماكن أو إلى العيادات الخاصة. عمليا، بمستشفى محمد لمين دباغين، مايو سابقا، تتداول ثلاثة اختصاصات جراحية على غرفة جراحة واحدة بسبب غلق باقي القاعات الموجودة في أشغال صيانة تدوم منذ فترة طويلة وطويلة جدا. هذه الاختصاصات هي، جراحة البطن والأمعاء، وجراحة المسالك البولية والجراحة الصدرية. وكل اختصاص له الحق في استغلال غرفة الجراحة يوم في الأسبوع أو مرتين على أقصى تقدير، والنتيجة أن عدد العمليات التي يجريها كل اختصاص بسبب انعدام غرف الجراحة قليلة وقليلة جدا، ما يسفر عن تقديم مواعيد خرافية تصل 6 أشهر أو أكثر لإجراء العمليات المبرمجة، أما الاستعجالية فتحوّل إلى المستشفيات الأخرى أو إلى العيادات الخاصة. والمحنة تزيد عندما يتعلق الأمر باختصاص جراحة المسالك البولية، وهو اختصاص لا يتوفر إلا في مستشفى مايو ومستشفى مصطفى باشا، يستقبلان طبعا ليس فقط مرضى منطقة الوسط، بل من كل جهات الوطن. وحسب مصدر استشفائي، فإن هذا الوضع يطرح ليس فقط مشكل التكفل بالمرضى الذي يبقى الأهم، بل أيضا تكوين الأطباء المقيمين في الجراحة، فيضيف مصدرنا “لنقم بعملية حسابية بسيطة، فمثلا اختصاص جراحة المسالك البولية بمايو يستطيع أن يجري عمليتين في الأسبوع، ويمكن أن يحضر العملية الواحدة طبيبان مقيمان فقط، وعدد الأطباء المقيمين إن كان مثلا 20 طبيبا مقيما، كم سيحضر كل واحد منهم لمختلف العمليات التي في كل مرة لها بروتوكول جراحي مختلف؟ هنا نكشف أن الوضع كارثي بالنسبة لنوعية التكوين الذي يتحصل عليه هؤلاء”. 4 سنوات لأشغال ترميم الوضع ليس مختلفا كثيرا بمستشفى مصطفى باشا. فإن كانت الغرف الجراحية مثلا لمصلحة أمراض الكلى والمسالك البولية تعمل بكامل طاقتها، فإن المصلحة لا يمكنها استقبال مرضى بكامل طاقة استيعابها بسبب أشغال تهيئة تدوم منذ 4 سنوات ولم تنته كلية بعد. والظفر بمكان في “عنبر” الرجال، كما يقال، والمعني بالأشغال “المستديمة”، لا يمكن أن يكون إلا عبر معارف “صحيحة” و«صحيحة” جدا. وفي نفس المستشفى، كشفت مصادرنا أن مصلحة الأمراض الصدرية عرفت منذ أكثر من ثلاثة أشهر “اقتحام” المياه القذرة للمصلحة، ما تسبب في تراجع أدائها ولم تعد للعمل إلا منذ أسبوع بنصف طاقتها. أشغال التهيئة أصبحت بحكم هذا هاجسا حقيقيا بسبب استغراقها فترات خالية وغير مقبولة لما يتعلق الأمر بصحة المواطنين، ما جعل بعض رؤساء المصالح يرفضون إجراء عمليات التهيئة، مثلما ما فعل رئيس مصلحة جراحة البطن والأمعاء بمستشفى بني مسوس، الذي رفض أن يتم مباشرة أشغال تهيئة بمصلحته لعلمه أنها ستستغرق وقتا يتجاوز الحد المقبول. .. رغم تعليمات الوزير سبق ل«الخبر” وأن تطرقت عدة مرات لتعطل أشغال بناء غرف جراحية جديدة بمستشفى الرويبة، وهذا منذ 4 سنوات، ما كان يؤدي إلى احتجاج الإدارة في كل مرة، غير أن الأشغال لم تتحرك. والغريب في الأمر، أنها انتهت بنسبة 90 بالمائة ولم تبق إلا بعض “الرتوشات” الخفيفة، لكن لأسباب مجهولة تبقى تراوح مكانها. وكان الوزير الجديد للصحة، عبد المالك بوضياف، وعلى ما يبدو بعد مطالعة أحد مقالات “الخبر”، تنقل للمستشفى أياما بعد تعيينه شهر سبتمبر وطالب الإدارة بإنهاء الأشغال في أجل لا يتعدى العشرة أيام، غير أنه مرت شهور ولا تزال دار لقمان على حالها. وحتى إن تم فتح المصلحة في القريب العاجل، فإنه يجب انتظار تحرير الميزانية لاقتناء التجهيزات، وهذا يمكن أن يستغرق مسلسلا آخر. ميزانية تنتظر الاستغلال بمستشفى الأخضرية، فإن الأمر مغاير، فوضع غرفة الجراحة يحتاج فعلا إلى إعادة تهيئة، فنقل مرضى وأطباء أنه أحيانا تقوم جرذان بزيارات فجائية بالقرب من قسم الإنعاش، فضلا عن قدم التجهيزات الجراحية، ما أدى إلى احتجاج الأطباء، تم على إثره تخصيص ميزانية منذ فترة طويلة، غير أن الأشغال لم تنطلق بعد، فهذه الأشغال أصبحت طامة حقيقية، حيث يستغرق وقتا طويلا لتنطلق، وإن شرع فيها فإنها لا تنتهي. وفي ظل هذه، يبقى مثال مستشفى ڤوراية المثال المضحك المبكي، فهو مستشفى تم تجهيزه بكل التجهيزات الحديثة، غير أن غياب الأطباء المخدرين يحول دون إجراء العمليات الجراحية، ويضطر الأطباء الأخصائيون إجراء مناوباتهم بمستشفى سيدي غيلاس الذي يحوّل إليه أغلب مرضى مستشفى ڤوراية. لم تحتكر جراحة القلب في سياق متصل، كشفت مصادر أخرى عن ظاهرة استفحلت في السنوات الأخيرة، بطلها جراحو أمراض القلب الذين يحتكرون المعرفة، فأفادت مصادر مؤكدة أنه حتى الأساتذة المساعدين لا يتقنون أشياء كبيرة في هذه العمليات الجراحية، بسبب احتكار الدكاترة لها، لأن أرخص عملية في القطاع الخاص تكون مقابل 60 مليون سنتيم، ليجد الجزائري نفسه رهينة الأطباء الأجانب في هذا الاختصاص، حيث يعد الاختصاص الوحيد تقريبا الذي تلجأ فيه الجزائر لجلب جراحين أجانب لإجراء عمليات جراحية للمرضى. مشاكل أخرى... الوضع الكارثي للقطاع، والذي سيكون محل نقاش الجلسات الوطنية قريبا، لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعداه إلى ما يعانيه الأطباء الأخصائيون الذين يؤدون الخدمة العمومية. ففي جانت مثلا، قالت مصادر مطلعة، إن الأطباء الأخصائيين الذين تم تحويلهم لهذه المنطقة يعيشون منذ أكثر من 6 أشهر في الفندق، لغياب السكنات الوظيفية، وهو ما يؤثر على أدائهم، حتى أن البعض منهم هددوا بعدم العودة بالنظر لظروف الإيواء الكارثية. 5 ملايير دولار في ميزانية 2014 أين تذهب أموال قطاع الصحة؟ قرابة الخمسة ملايير دولار لقطاع، الرقم بكل تأكيد ضخم، لكن أين تذهب أموال ميزانية القطاع طالما أن وضع المستشفيات ونوعية العلاج تزداد تدهورا سنة بعد أخرى، دون أن يستطيع أحد إيقاف النزيف. جاء قطاع الصحة في المرتبة الرابعة من خلال الاعتمادات المالية في ميزانية 2014، بعد كل من وزارة الدفاع طبعا، التربية والداخلية. جزء هام من هذه الميزانية يذهب لتسديد الفاتورة الضخمة للأدوية، غير أن هذه الأدوية لا تصل للمرضى، فيضطر بعضهم لجلب حتى خيط الجراحة. ومنذ سنوات، كانت وزارة الصحة منعت جلب المرضى للأفرشة وحتى الغذاء، لكن من يشاهد نوعية الأفرشة وحتى الأسرّة يصاب بصدمة. الوجه “اللاإنساني” لقطاع الصحة في الجزائر سنة ونصف مرّت وأدوية “المورفين” لم تصل مرضى السرطان سقطت كل التدابير التي قررها مجلس الوزراء المنعقد نهاية 2012 لإيجاد حلول عملية لداء السرطان في الماء، حيث بعد مرور قرابة سنة ونصف لم تنجح الحكومة في تنفيذ قرارها بتوفير أدوية “المورفين” المسكنة للألم في الصيدليات. بالرغم من الخطوة غير المسبوقة التي بادر إليها الوزير الأول عبد المالك سلال، بعقد مجلس وزاري مشترك خاص لدراسة ملف داء السرطان وانتشاره في الجزائر غضون الثلاثي الأخير من السنة ما قبل الماضية، إلا أن كل التدابير التي تمخضت عن هذا اللقاء لم تجد طريقها إلى التجسيد لحد الساعة، حيث عجزت الحكومة عن تنفيذ التزامها بتوفير الأدوية المسكنة للألم، وبعض الأدوية الجافة الخاصة بمرض السرطان في الصيدليات، مع تعويضها من قبل مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأمر الذي زاد من خيبة أمل آلاف المصابين بهذا الداء الخطير، في ضوء المتاعب الكبيرة التي يواجهونها في الحصول على الأدوية الكفيلة بتخفيف آلامهم. وفي هذا السياق، أكد السيد فيصل عابد رئيس النقابة الوطنية للصيادلة في اتصال مع “الخبر”، أمس، بأن مشروع بيع أدوية “المورفين” في الصيدليات مجمد بصفة رسمية إلى أجل غير مسمى، وذلك إلى حين إيجاد صيغ عملية لتنفيذ القرار، مضيفا بأن وزير الصحة في لقائه مع النقابة بحر الأسبوع الجاري وعد بفتح نقاش واسع مع كل الشركاء لتجاوز النقاط الخلافية، لاسيما وأن “السنابو” اعترضت في وقت سابق على الطريقة التي اعتمدتها الوزارة في تنفيذ القرار. وأوعز السيد بلعروسي الهواري، عضو المكتب الوطني للنقابة، هذا الفشل في تنفيذ الإجراء الحكومي لفائدة شريحة المصابين بالسرطان إلى جملة من الأسباب، أهمها الخطأ الذي تورطت فيه الوزارة الوصية باختيارها قائمة للمنتدبين لمهمة تسويق أدوية “المورفين” دون استشارة الشركاء المعنيين، باعتبار أن “بعض الصيدليين الواردة أسماؤهم في القائمة اعترضوا على إقحامهم في هذه العملية دون أخذ موافقتهم. في حين اعترض المقصون على تهميشهم من هذا الحق دون معايير ومقاييس واضحة. بينما يتمثل السبب الرئيسي في الإجراءات الأمنية الصارمة التي يستلزمها تسويق مثل هذه الأدوية والتي يتحرج منها السواد الأعظم من أهل المهنة”. رئيس عمادة الأطباء ل “الخبر” ”يجب إنقاذ القطاع وليس إصلاحه فقط” قال محمد بقاط بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، إن الشيء المطلوب الآن هو إنقاذ قطاع الصحة وليس إصلاحه بالنظر إلى الوضعية السيئة التي يتواجد فيها، وطالب المتحدث الوزير بالاستماع إلى كل الأطراف وعدم الاحتكام فقط للتقارير الصادرة عن الإدارة، والتي غالبا ما تكون “مغلوطة”. تأسف رئيس عمادة الأطباء، من الدعوة المتأخرة التي تلقتها العمادة لحضور الملتقى الدولي لسياسات الصحة، الذي سينعقد يومي 18 و19 جانفي الجاري، وهو ما سيحول دون التحضير جيدا لهذا اللقاء الهام. وعن سؤال ما يجب فعله للنهوض بالقطاع؟ قال المتحدث “وصلنا لوضع يجب الحديث فيه عن إنقاذ القطاع وليس إصلاحه، بالنظر للوضعية التي يتواجد فيها حاليا، والبداية تكون بتشخيص الوضع بصفة موضوعية وبإشراك كل الفاعلين”، وهنا أشار الدكتور بقاط بركاني “يجب على الوزير أن لا يكتفي بالتقارير التي تصله من الإدارة، من بينها لجان التحقيق التي أوفدها، فبعضها مغلوطة، فيجب الاستماع إلى الجميع، نقابات، جمعيات المرضى، أطباء ومنه الانطلاق في تحويل وجه القطاع”. وفي نفس السياق، قال رئيس العمادة إنه يجب أن نعرف من يقوم وبماذا على مستوى التسيير الذي يجب أن يعرف هو الآخر ثورة حقيقية، وأيضا عصرنة القوانين منها قانون الصحة وأيضا فتح نقاش حول القانون التكميلي، الذي تطالب عدة جهات بإلغائه. وأضاف المتحدث “في الجزائر 60 ألف طبيب، 50 بالمائة منهم يشتغلون في القطاع الخاص، وهذا أمر غير طبيعي لحد ما، والتفسير أن القطاع العام لم يعد جذابا بالنسبة للأطباء بالنظر لظروف العمل ووسائل العمل القديمة، وللأسف الآن صار طموح الأطباء هو مغادرة البلاد بعد أن تم تكوينهم في الجامعات الجزائرية وبأموال الجزائريين، ففي فرنسا وحدها هناك 6 آلاف طبيب جزائري”.