كنت لا أحب أن أعلّق على زيارة كيري وأمير قطر للجزائر في هذه الأيام، وفي هذه الظروف الخاصة التي تمر بها الجزائر، لأننا لا أريد أن أدخل في منطق لويزة حنون، وأعلّق كل مشاكل بلدي على مشجب الخارج.. والحال أن الأزمة الحادة التي تمر بها البلاد هي من صنع أبناء الجزائر؛ وأبناء الجزائر وحدهم، حتى ولو كان للأمر امتدادات خارجية لها علاقة لمصالح هذه الدول في بلادنا. كل الناس أعابوا على كيري زيارة الجزائر في هذا الوقت، وربطوا الزيارة بمسألة ”الدوباج” السياسي للرئيس المريض من قِبل أمريكا، وقالوا إن الرئيس المترشح استقوى على خصومه بالأمريكان، من خلال هذه الزيارة، كما ستقوى عليهم سنة 2004 بالأمريكان أيضا. والحقيقة أن كيري الأمريكي زار هذه البلاد في هذا الوقت لتحقيق مصلحة أمريكية غير مسبوقة ولا تحلم بها أمريكا؛ فكيري استقوى على الجزائر بأزمتها السياسية الحادة، لتمرير مصالح استراتيجية أمريكية ما كانت لتتحقق لو كانت الجزائر في كامل صحتها العقلية والجسمية! نعم الوقت غير مناسب لزيارة كيري للجزائر بالنسبة للجزائر ومصلحة الجزائر، لكن الوقت مناسبا جدا بالنسبة لأمريكا لتمرير ما تريده من الجزائر من اتفاقات استراتيجية، ما كانت لتحصل عليها أمريكا من الجزائر لو كانت الجزائر في غير هذه الحالة التي يعي فيها الآن. ليس هناك أفضل وقت وأفضل فرصة لأمريكا لتمرير ما تريده من الجزائر، استراتيجيا، أكثر من هذا الوقت والحالة التي فيها الجزائر الآن.. فأمريكا تحدث وزير خارجيتها عن ملفات استراتيجية ستناقش خلال هذه الزيارة، ولهذا فضّل المبيت في الجزائر على غير عادة زيارات وزراء الخارجية الأمريكان في السنوات الأخيرة، من أولبرايت التي كوندوليزا رايس إلى مدام كلينتون؛ إذن فالوقت مناسب جدا للأمريكان للتحاور مع رئيس مقعد ومرشح، ورجاله يُرمَون بالحجارة كالشياطين. وعندما يتحاور وزير خارجية أعظم دولة في العالم مع أضعف رئيس عرفته الجزائر، في أضعف حكم، فذاك يعني أن الأمر يتعلق بإملاء مطالب أمريكا لدى الجزائر، وليس مفاوضات حول مسائل استراتيجية، قال كيري إنه سيدرسها مع رئيس منتهي الصلاحية، ومصيره في شفاه ما يقوله كيري عنه وعن شرعيته لعهدة رابعة.. وما أجمل أن تتحاور مع أضعف نظام في مسائل حساسة؟! المسائل الاستراتيجية تتعلّق بأن أمريكا تريد تحرير الاتحاد الأوروبي من هيمنة الغاز الروسي، والجزائروقطر هما اللذان يدفعان ثمن ما تريده أمريكا لأوروبا، ولهذا جمع كيري بين بوتفليقة وأمير قطر في الجزائر كما تُجمع الأختان؟! ستُدفع الجزائر بما ادخرته من أموال البترول والغاز إلى إعادة استثمارها في مضاعفة إنتاج الغاز والبترول من الجزائر لتغطية حاجة أوروبا، دون أن تدفع أمريكا وأوروبا مليما واحد.. هذه هي المسائل الاستراتيجية. وبالمقابل تقلب الجزائر ظهر المجن للروس، بترولا وغازا وعسكرا، وتتجه نحو أمريكا، لتدفع ثمن التحول العسكري في السلاح والتدريب.. كل ذلك لأجل عيون العهدة الرابعة وجماعة العهدة الرابعة وقوم شكيب خليل. الأمر خطير ولا يتعلق فقط بتسويق سياسي للعهدة الرابعة لدى الأمريكان، بل يتعلق باستعمال المصالح الجزائرية في الضغط أمريكيا على المعارضة الفعلية للعهدة الرابعة (D.R.S).. هذا هو الخطر؟!