أن يشتكي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منافسه في الرئاسيات السيد علي بن فليس، لوزير خارجية إسبانيا، فهي سابقة في تاريخ الجزائر، التي كانت دوما تنزعج من أن يتدخل الأجانب في سياساتها الداخلية، فما بالك إن تعلق الأمر بالحراك السياسي الذي له علاقة باستحقاقات رئاسية. ماذا دفع بالقاضي الأول في البلاد إلى هذا السلوك الذي فاجأ الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء، الأمر ليس بالهين وقد يكون نتيجة للحرب الطاحنة في هرم السلطة ساعات قليلة قبل انطلاق عملية الاقتراع لاختيار رئيس الجزائر للخمس سنوات القادمة. كل المؤشرات تدل على أن جماعة الرئيس ليست في وضع مريح، وأن بوتفليقة لا يمسك بكامل خيوط اللعبة، الخيوط التي توزعت هذه المرة على عديد مراكز القرار. بالفعل فإنه منذ أن خرج السيد سعداني، الأمين العام للأفالان، عن الإجماع الذي حكم السيستام منذ الاستقلال، من خلال انتقاده لرئيس المخابرات الجنرال توفيق، أصبح النظام بكل مكوناته على صفيح ساخن، ولا يبتعد عن الانفجار سوى بمسافات قصيرة جدا. الوضع كما هو يرسم صورة الطلاق بين جماعة الرئيس من جهة ومصلحة الدياراس من جهة أخرى، وحتى إن لم تخرج مظاهر التناحر إلى العلن، سوى أن المتتبع للشأن السياسي في البلاد يفهم أن الدياراس تخلت عن الدور السياسي الذي كانت تلعبه فيما سبق بمناسبة الاستحقاقات على مختلف مستوياتها. وبين ليلة وضحاها وجدت رئاسة الجمهورية نفسها أمام وضع معقد لم تعرف كيف تسيره. فلو كان التناغم قائما بين الرئيس والدياراس هل كان ممثلو بوتفليقة في الحملة الانتخابية ”يتبهدلون” بالطريقة التي رأيناها في أغلب ولايات الوطن. بوتفليقة المحنك السياسي يكون قد أدرك هذا الوضع وفهم أن جماعته لا يمكن أن تسير الوضع الجديد بدون الدياراس. فقد رأينا كيف انكسر حاجز الخوف لدى شرائح واسعة من المواطنين، وأضحت الاحتجاجات تنظم في كل مكان وتنفجر في وجه المسؤولين بدون أن يكون لهؤلاء معلومات مسبقة عن الأوضاع في مختلف مناطق الوطن، والسبب في ذلك أن هذه من المهام الأساسية التي كانت موكلة للدياراس، قبل أن تنسحب من الساحة فتعرت جماعة الرئيس وأصبحت تبحر بدون بوصلة. وأمام هذا الوضع يكون رجال بوتفليقة قد أدركوا خطورة الوضع وفهموا أن تزوير الانتخابات القادمة ليس بالعمل الميسر كما كان في الماضي، وحتى الإدارة التي نعرف جميعا دورها في هذه المهمات القذرة سوى أن الأوامر عادة ما تمرر عن طريق رجال العلبة السوداء. المرشح علي بن فليس هو أيضا يريد الاستفادة من هذا الوضع، وربما هذا ما شجعه على الذهاب بعيدا في تهديداته إن تجرأت إدارة بوتفليقة على تزوير الانتخابات، وقد وقعت تحذيراته كالصاعقة على الموالين للرئيس المترشح وهم يدركون جيدا أن الشارع هذه المرة قد لا تخيفه الآلة الردعية للواء الهامل، لأن المهم في مثل هذه الظروف هو قمع العصيان في المهد وهذا ليس دور جهاز الشرطة، لأن هذا الأخير يتمثل دوره فقط في مواجهة الاحتجاجات عندما تقع. زيادة على هذا، فإن الوضع الدولي لا يسمح أبدا بقمع المظاهرات على نطاق واسع، وقد رأينا كيف تعاملت المنظمات غير الحكومية مع الحكومة عندما قامت الأخيرة بقمع المظاهرات المنظمة من قبل حركة بركات. وانطلاقا مما سبق، يمكن فهم إثارة بوتفليقة للوضع الداخلي مع ضيف أجنبي، وكأنه يريد استباق الأحداث وكسب الدعم من الخارج، بما أنه لم يجد هذا الدعم داخليا. وعندما يصل الأمر إلى هذا الوضع من التعفن، فإن الواقع يصبح مفتوحا على كل الاحتمالات.