القارئ بحة من الجزائر طالبني بأن لا أكتفي بتشخيص المشاكل التي أتناولها في عمودي هذا، بل عليّ أن أقترح الحلول.! وطالبني بأن أصف له العلاج لمسائل الفساد والاستبداد والرداءة التي تحكم البلاد! وأقول لهذا القارئ: إذا كان وضعنا كشعب الآن في علاقتنا بالسلطة القائمة، يشبه علاقة الشعب الجزائري في 1954 بالسلطة الاستعمارية، فإن العلاج لما نحن فيه لن يكون بطريقة مصالي الحاج في 1954 ولا بطريقة فرحات عباس ولا بطريقة ابن باديس في الثلاثينيات، بل العلاج الحقيقي يكون بطريقة بن بوالعيد وبوضياف وجماعة 22 وجماعة الستة وجماعة التسعة.! لا يمكن أن نكوّن أحزابا سياسية موصلة للتغيير الحقيقي الذي يقضي على الفساد والاستبداد والرداءة في تسيير البلاد، بواسطة الحصول على وصل من وزارة الداخلية! لأنه لا يعقل أن نطلب من جهة هي أداة رعاية الفساد والاستبداد والرداءة أن تسمح لنا بتغييرها بترخيص منها؟! فالفساد والاستبداد لا يغير نفسه.! على شباب اليوم أن يأخذ بجدية قضية بناء وطنه، كما أخذ جيل نوفمبر بجدية قضية تحرير الوطن سنة .1954 وأن ينظم نفسه بجدية سلمية خارج قوالب ما تضعه وزارة الداخلية من معلبات سياسية. أي أن يخترع الشباب الجزائري طريقة لأخذ مصير وطنه بيده، كما اخترع شباب 1954 ''لوص'' وغير ''لوص''! وكما كان شباب 1954 يعتبر التعامل مع الاستعمار خيانة، ينبغي أن يرفع شباب اليوم شعار التعامل مع الاستبداد والفساد والرداءة خيانة وطنية.! شباب 1954 تعلم الوطنية في السجون، وأعتقد أننا اليوم في حاجة إلى شباب يتعلم الحرية في السجون أيضا. فالمشعل الذي يطالب الشباب بأخذه من الاستبداديين والفاسدين والرديئين لا يمكن أن يسلم لهم إلا عبر السجون.! والحمد للّه البلد شيّدت سجونا، عددها أكبر من عدد الجامعات في البلد.! عندما يصل الشباب الجزائري إلى درجة من الإدراك والوعي بأن مسألة بناء الوطن والعيش فيه بحرية حق وواجب، وأن الاستبداد والفساد والرداءة هي أعداء لهذا الحق وهذا الواجب.. عندها فقط سيصبح التغيير خارج إرادة الاستبداد والفساد والرداءة ممكنا!. والمؤسف أن الاستبداد والفساد والرداءة يعطي نفسه الحق في الدفاع عن نفسه، باسم الدولة والقانون ضد كل من تسوّل له نفسه أن يمس بمصالح هؤلاء، وأن الشباب اليوم مازال يعتقد أن بإمكانه إصلاح حاله عبر العمل ضمن منظومة الفساد والاستبداد والرداءة هذه.! وإلا كيف نفسر وجود التهافت على الرئاسيات بالأرانب، وعلى النيابة بالأحزاب التي تنشئها وزارة الداخلية.. نعم، يا بحة، عندما يكبر عندنا الإحساس بحقنا في بناء وطننا، سنكتشف بالضرورة الطريقة التنظيمية التي توصلنا، وبسرعة، إلى إنهاء حالة الاستبداد والفساد والرداءة التي نعيشها؟! [email protected]