ليلة ليست مثل باقي الليالي، تلك التي قضاها أنصار “الخضر” في مدينتي ساو باولو وكومبوريو مقر إقامتهم. كان ملعب كوريتيبا يعج بهم، وسط دهشة وفرحة الأنصار البرازيليين الذي جاؤوا ليكتشفوا فريقا عشقوه بفضل ما شاهدوا كل هذا الحب الذي منحوه للاعبين حققوا الحلم. من المدرجات، كانت المباراة أشبه بالقتال الضروس.. وحيد حاليلوزيتش يطلب من الأنصار الوقوف والغناء، ردا على أمواج “الأولا” التي كان الأنصار الروس يثيرونها.. من جانبه كان وحيد يقترب من مربع مدرجات الأنصار ويستمع لطلباتهم، منهم من يقترح إقحام غولام، وآخر ينادي باسم سوداني، وإخراج بلكالام المدافع... كانت لحظات صعبة مر بها الأنصار هنا. وسط هؤلاء، جلس شاب برازيلي يدعى “جواو”، كان يحمل العلم البرازيلي، ويردد شعار الخضرا الخالد “وان تو ثري فيفا لالجيري”، ويصيح بأعلى صوته به. كان جواو بمثابة مايسترو الأنصار، يطلب منهم التشجيع وعدم التوقف عن ذلك أو الجلوس، رغم عائق اللغة الذي صادفه الجزائريون في هذا البلد.. لكن إيماءاته وحركاته كانت كافية للتدليل على ما يريد قوله.. كان جواو، فعلا، رجل المباراة عند الأنصار. وفي نهاية المباراة، أراد الأنصار تكريمه، فطلب منهم قميص الخضر، الذي صار الأكثر طلبا من طرف شبان مدينة كوريتيبا “المربوحة علينا” على رأي الكثير من المناصرين. كانت مشاهدة المباراة من المدرجات صعبة للغاية.. الشرطة البرازيلية وعناصر الأمن الوطني وجدوا صعوبة كبيرة في تأطير بعض الأنصار المهووسين بالخضر.. خاصة بعد إطلاق الحكم التركي صافرة نهاية المباراة بالتعادل 1/1، مخافة أن يغزو هؤلاء أرضية الميدان. الهدف يدور... بعد الشوط الأول، وهدف الروس القاتل، شعر الأنصار بالخوف الشديد.. خاصة وأن الكثير من اللاعبين لم يكونوا في يومهم، بعبارة أبسط كانوا خائفين هم أيضا.. لاحظنا ذلك في عيون بلكالام وماندي وحليش الذين كانت أبصارهم لا تفارق حاليلوزيتش وحركاته.. رغم وقوف مساعد المدرب قريشي في عدة مرات لتهدئته والإشارة إلى اللاعبين بمواصلة اللعب وتضييق الخناق على مهاجمي روسيا. ومع ذلك كان “الهدف يدور” مثلما كان يقول مناصر تونسي كان ضمن الأنصار الذين جاؤوا من الجزائر العاصمة، إذ مع كل مخالفة يحصل عليها عبد المومن جابو أو ركنية يفتكها فيغولي وسليماني، كان الأنصار يقفون ويرددون: “ها هو جاي.. ها هو جاي”، إلى أن جاء الهدف الذي فجر المدرجات وأحيا حناجر أكثر من ثلاثة آلاف جزائري. لقد أبكى هدف سليماني هؤلاء الأنصار من دون أن يعلموا أنهم يبكون، واحتلت الفرحة صدورهم إلى غاية نهاية المباراة، التي شكلت بداية احتفالات عانت الشرطة البرازيلية كثيرا لتقصير عمرها، خوفا من انتشارها إلى داخل مدينة كوريتيبا، وظل عناصرها يؤطرون الأنصار إلى غاية ركوب الحافلات ومرافقتها إلى خارج المدينة. ومع ذلك، فقد استمرت الاحتفالات طيلة مسافة الطريق إلى مدينة كومبوريو جنوبا، واستمر ترديد الأغاني إلى غاية بوابات الفنادق التي وصلوا إليها بعد ثلاث ساعات كاملة. جمعة مباركة وكان يوم أمس بالنسبة للمئات من الأنصار، يوما مباركا، فقد استيقظوا باكرا وتناولوا فطور الصباح وخرجوا بحثا عن أقرب مسجد لأداء صلاة الجمعة.. هنا في مدينة كومبوريو، توجد جالية عربية معتبرة، مثل مدينة بورتو أليغري، يمثل الفلسطينيون واللبنانيون حصة الأسد منها.. هؤلاء، مثل شادي الذي يقيم في كومبوريو منذ أربع سنوات، ويعمل بوكالة عقارية، يشتغلون في التجارة، والمطاعم الشرقية التي يجد فيها الأنصار مستقرا لهم فيها هروبا من وجبات الفنادق التي لا تخرج عن نطاق المقبلات /السلطات/ والأرز والسمك.. ورغم الجو الماطر في كومبوريو، إلا أن الحركة دبت في شوارعها باكرا، وعاد اللون الأخضر ليحتلها مجددا بعد غيابه عنها طيلة نهار يوم الخميس بسبب المباراة ضد روسيا، وأكثر من ذلك، عمد تجار المدينة إلى تطبيق تخفيضات جديدة على بضائعهم، وخصصوا هدايا للأنصار في شكل علاقات المفاتيح والقبعات والشالات.. تمديد إقامة الأنصار في غضون ذلك، شكل قرار تمديد إقامة الأنصار إلى ما بعد مباراة الدور الثاني ضد ألمانيا، بردا وسلاما عليهم، ومنهم من فكر في الاتفاق مع المطاعم العربية لترتيب موائد الإفطار في أول أيام رمضان. أنشر على