ما أن علّق روماريو حذاءه واعتزل اللعب بقدميه حتّى أطلق العنان للسانه، منتقدًا كلّ شيء، فبدأ بالملك بيليه الذي خاطبه مرّة قائلا “اخرس.. وضع فردة حذاء في فمك” لمجرّد أن الجوهرة السّوداء نصحه بالاعتزال وعدم المجازفة باللعب فوق الأربعين.. ثمّ أطلق النّار على ميسي ومارادونا وبلاتر وروسيف.. وانتبه إلى أنّ أفضل وسيلة لممارسة النقد والضّرب تحت الحزام هي الالتحاق بالبرلمان، وهو ما تحقّق له، وجعل منه منبرًا لإعلان الحرب على الحكومة الفاسدة، مطالبًا بعد تنظيم المونديال في بلد يعيش ثلاثة أرباع سكّانه تحت خطّ الفقر، ولا يمرّ يومٌ إلاّ وينضمّ إلى روماريو أتباعٌ، ما ولّد حالة من الاحتجاج التي تهدّدت بتنظيم المونديال الذي سعا إليه الرئيس السّابق لولا دا سيلفا واستمرّت على نهجه خلفه الرئيسة ديلما روسيف، وكادت البرازيل تخسر مونديالها الذي انتظرته 64 عامًا، لأنّ صوت الشّارع يزيد مع العدّ العكسي، وضغط الفيفا بسبب عد استلام الملاعب في آجالها.. ومع هذا، فإنّ روماريو خسر معركته، وشهد العالم انطلاق الطبعة العشرين تحت إيقاعات فاتنة الأضواء جنيفر لوبيز، وتنبؤات كورتانا التكنولوجية والجمل شاهين الإماراتي والنسر أتيلا المكسيكي والسلحفاة كابياكو والباندا الصينيّة وعشرات العرافات والمشعوذين.. وبداية قويّة لسحرة السّامبا بقيادة المدلّل نيمار.. ونهاية أقوى للماكنات التي حصدت اللقب من حقل ماراكانا الذي تنفّس طويلاً.. عين الصّقر كاشفة الأهداف.. قال المناوئون لاستخدام التكنولوجيا في مباريات كرة القدم “إنّ هذا بدعة.. فالخطأ جزء من اللعبة” ولكن زادت شكاوى المنتخبات والأنديّة من ظلم الحكّام وعدم احتساب الأهداف، وخاصّة الحاسمة، كما في كأس العالم منذ 1966. ووجد بلاتر في مطلب التحقّق من سلامة الهدف ورقة ظلّ يلوّح بها ضدّ منافسيه إلى أن خرج بسلاح تكنولوجيّ فتّاك في مونديال البرازيل، هو “عين الصّقر” التي نجحت شركة ألمانيّة في جعلها أداة مساعدة للحكم، وحدّت من شكوك التواطؤ أو المحاباة، ووجد الجمهور فيها قيمة مضافة لتطوير كرة القدم، وحلاّ لأزمة خطّ المرمى، وكان الامتحان ناجحًا في أكثر من مباراة، ليسجّل بلاتر نقطة لصالحه في حربه ضد بلاتيني وأتباعه.. وبذلك يكون فيفا حقّق انتصارًا على التشكيك في سلامة الأهداف، في انتظار إيجاد صيغة لكيفية التأكّد من صحّة ضربات الجزاء.. وحينها يمكن للحكم الدّولي الفرنسي السّابق أن يتراجع عن كلمته الشهيرة “للحكم الحقّ في الخطأ” ويقول “عاشت التكنولوجيا”.. أرقام ودلالات.. اتسمت الطبعة العشرون من المونديال بتسجيل أرقام عديدة، تحمل دلالات وعبرًا، يمكن لخبراء الإحصاء أن يقفوا عندها، فيقرأون التطوّر الذي أصبحت عليه الكرة، وأساليب اللعب التي تميّزها. وآخر ما تمّ توثيقه رقميّا بعد 64 مباراة، تسجيل 171 هدفًا، من بينها 12 ضربة جزاء، وذلك بمعدّل 2,67 هدفًا في المباراة الواحدة، وإن أخذت مباراة ألمانيا والبرازيل حصّة الأسد في التهديف، وجاءت ألمانيا برصيد 18 هدفًا متبوعة بهولندا 15 هدفًا، وحلّ منتخب الجزائر سابعًا بسبعة أهداف، وحصل الكولمبي جيمس رودريغز على هداف الدّورة بستة أهداف. وبلغ عدد التسديدات نحو المرمى 1.698 بينها 588 داخل إطار المرمى، حيث نجح اللاعبون في تسجيل 19 هدفًا من خارج منطقة ال18 متر. أمّا عدد التمريرات البينيّة، فبلغ 53.583 تمريرة، و668 ركنية، وفيما يتعلّق بالأخطاء التي أعلنها الحكّام فبلغ عددها 1.917 نتج عنها 181 بطاقة صفراء و10 حمراء، ولم تُسجّل أخطاء كبيرة على الحكّام، باستثناء حكم مباراة الافتتاح الياباني نيشيمورا الذي لم يوفّق في تقدير ضربة جزاء وهميّة للبرازيل، وأمّا الحكم الجزائري جمال حيمودي، فتألّق في أدائه رغم تحفّظ كلينسمان عليه، وحُرم من النهائي الأكبر لأنّ ألمانيا أحد طرفيه، وكانت خصمًا للجزائر في الثمن النهائي، واكتفى بإدارة النهائي الأصغر بين البرازيل وهولندا، ويرى خبراء التحكيم أنّه احتسب رمية جزاء لروبين من خطإ خارج منطقة ال18 وهو ما جعل صحيفة آس الإسبانية تنعته بأسوإ النعوت.. نيشيمورا يرى بعين برازيليّة.. كأيّ مباراة افتتاح، يكون العالم شاخصًا بعينيه ليتأكّد من أنّ البلد المضيف لا يحظى بتسهيلات من الفيفا، وهكذا لم يتردّد مسؤولو الكرة الكرواتيّة في القول “امنحوا الكأس للبرازيل واتركونا نعود إلى ديارنا لنستكمل ما بقي من عطلة..” وذلك عقب منح الحكم الياباني نيشيمورا ضربة جزاء خياليّة، بسبب تمويه من فريد، مما رجّح تلقائيا فوز البرازيل، وأعطى انطباعًا أنّ أصحاب الأرض عليهم أن يفوزوا بالطول والعرض.. وخرج الكاسب الأوّل من المباراة أيقونة السّامبا نيمار بهدفين، وبإمكانيّة الذّهاب بعيدا في المونديال، بينما اختفت صورة نيشيمورا، وصار خارج التغطيّة طيلة أيّام المونديال، وصار مسخرة في مواقع التواصل الاجتماعي.. وفجأة ظهر نيشيمورا حكمًا رابعًا في مباراة الترتيب بين البرازيل وهولندا، ضاحكًا كالعادة، ولكن هذه المرّة خرجت البرازيل محمّلة بثلاثيّة، وكأنّها تردّ للحكم الياباني ما أخذته بما قيل إنه غشّ.. وأجمع العالم كلّه على أنّ البرازيل تستحقّ الرتبة الثالثة والثلاثين في المونديال لأدائها السيّء، وفشلها الذريع في الدّفاع عن سمعة الكرة البرازيلية وإنجازاتها التّاريخيّة، إذ من غير المعقول أن تتلقى شباك جوليو سيزار أربعة عشر هدفًا خلال هذه الدّورة في عقر داره.. فقد كان السّحرة “مسخًا” حقيقيا، وكأنّهم هواة، لم يسبق لهم أن لعبوا الكرة، أو كأنّهم غرباء عن الملاعب. عقدوا كلّ آمالهم على نيمار العمود الفقري للفريق، ولما أصيب في عموده الفقري.. سقط بالسبعة ثم الثلاثة، وكان على اللاعبين أن يغادروا ملعب ماني غارينشا ويختفوا في إحدى غابات الأمازون حتّى لا يجرحوا مشاعر الملايين التي انتظرت منهم إنجازًا يحفظ ماء الوجه لكنّهم اختفوا وراء إصابة نيمار.. واستمرّ سكولاري في اعتماد سياسة التنويم المغناطيسي. لاروخا تتحوّل إلى طحين.. كان الإسبان مرشّحين للحفاظ على اللقب، لكنّ ما عاشه كاسياس ورفاقه أبطال العالم 2010 يتجاوز الكابوس إلى الكارثة، إذ أنّ الطواحين الهولنديّة دخلت بنيّة الثأر من مونديال جنوب إفريقيا حين حرم هدف إنييستا المنتخب البرتقالي الحصول على أوّل كأس بعد إخفاقات متواصلة، ومرّ فان بيرسي ورفاقه كجرّافة في أرض بور، وسجّلوا خمسة أهداف كاملة ومتقنة، لم تستطع معها لاروخا الردّ، واستسلمت تمامًا، وفهم دي لبوسكي أنّ منتخبه شاخ وداخ، وتأكّد له هذا في مبراة الشّيلي التي أبان فيها الإسبان عن عجز كامل، فحزموا أمتعتهم، وعادوا إلى الديّار بعد أن حقّقوا فوزًا معنويّا على الأستراليين الذين قدّموا أداءً قويّا أمام هولندا لكنّ خبرة روبين حسمت الأمر، وغادروا في صمت.. الماكنات تبدأ حصادها.. كلّ النقاد والخبراء كانوا يرشّحون الماكنات الألمانيّة، لما تتميّز به من استقرار وتركيبة بشريّة ذات فاعليّة كبرى، وتأكّد ذلك مع أوّل مباراة ضدّ البرتغال المدعومة بنجمها رونالدو الذي تعرّض لإصابة قبل المونديال، ولهجمة مشعوذين من غانا أثناء المنافسة (..) وانتهت المواجهة برباعيّة ألمانيّة ساحقة، صار معها الأمل في بلوغ الدّور الثّاني أشبه بمعجزة. فيما نجحت نجوم غانا السّود في اختطاف تعادل أمام الألمان دون أن يشفع لها ذلك في تجاوز الدّور الأوّل، وفي مباراة اعتقد الجمهور أنّها مطبوخة سلفًا مع الأمريكان بقيادة المدرب الألماني كلينسمان، لولا هدف مولر المباغت الذي أبقى على حالة الترقّب للمتأهلين حتّى اللقاء الأخير، وانتظر نوير ورفاقه بشغف كبير مباراة الجزائر في دور الثمانيّة، واعتقدوا أنّ الأمر يكون سهلا، لكنّ محاربي الصّحراء عبثوا بمزاج الماكنات طيلة مائة وعشرين دقيقة، قبل أن ينهاروا واقفين.. ليقابل يواكيم لوف ديكة ديشان في موقعة عادت فيها الكلمة الفصل للألمان الذين أينما ولّوا وجوههم كان الثّأر في عيونهم، وأخرجوا بن زيمة ورفاقه من السّباق، لتزداد شهيّتهم للفوز أكثر، وتعبيد الطريق نحو اللقب، وكانت الضّربة القاصمة حين عبثوا بالبرازيليين، وأخرجوهم من التّاريخ بعد أن أوقعوا بهم هزيمة تاريخيّة لا يمكن محوها إلاّ في العام 3014.. وأبانوا عن أخلاق عاليّة حين كشفوا سرّ ما جرى بين الشّوطين، واتفاقهم على أن يحفظوا لأمّة الكرة كرامتها، وهم ضيوفٌ في بيتها.. ورغم الضغط الذي مورس عليهم، فإنّ الألمان جاؤوا وفي نيتهم العودة بالكأس مع السيّدة ميركل ومقاسمتها عيد ميلادها الستين بعد يومين، ولم يفشلوا في ذلك، حيث أنقذ لوف مشواره مع المانشافت بعد ثماني سنوات عجاف، إذ أنّهم واجهوا خصمًا أرجنتينيا عنيدًا، وحساباته الثّأريّة مع الألمان لا يختلف حولها اثنان، ونجح “الطفل” ماريو غوتزه في كسر الجرّة على رأس ميسي لآخر مرّة.. البرغوث يستيقظ متأخّرا.. اعتقد الأرجنتينيون أنّ وجود ميسي وحده كفيل بقلب الطاولة على الجميع، لكنّ الأمر لم يكن كذلك، حتّى أنّ هناك من رأى أنّ الخروج المبكّر لكتيبة سابيلا لن يفاجئ أحدًا، إلاّ أنّ المنقذ ميسي يأتي دائمًا متأخّرا ويمنح رفاقه الفوز، وإن كان الأداء فجّا وباهتًا، فأطاح راقصو التانغو منتخب البوسنة الوافد الجديد على نادي الموندياليين الذين عادوا بفوز يحفظ ماء الوجه أمام إيران الخائبة الغائبة التي تلقت هدفًا يتيمًا من ميسي في الدقائق الأخيرة، قبل أن يحتفظ البرغوث لنفسه بحق التوقيع في شباك الخصوم، وهو ما قام به في مباراة نيجيريا التي تداول فيها ميسي وموسى على الشباك قبل أن يأتي الفوز بضربة حظ من روخو، ليجد الأرجنتين نفسه في مواجهة شياطين بلجيكا الحمر الذين جاءوا بهدف العودة بالكأس ولا شيء غير.. اليأس، وشعر مينوتي ومارادونا وباساريلا أنّ حلم الأرجنتينيين سيتوقف عند الصخرة البلجيكيّة بقيادة ويلموتس، إلاّ أنّ المنقذ يأتي كعادته متأخّرا ويمرّر كرة مقشّرة لدي ماريا، فيرحل البلاجكة يلعنون القرعة التي قادتهم إلى منتخب يفوز دون أن يلعب.. ويفوز أيضًا عندما يلعب ولا يسجّل، ويسجّل عندما يصدّ حارسه روميرو رميتي فلار وشنايدر، وإذا به في النهائي مع الألمان، بعد مشوار تميّز بالاقتصاد في اللعب والأهداف، واعتبره كثيرون “القوّة الهادئة” في المونديال.. إلاّ أنّ خاتمة المسك، لم تحقق حلم ميسي ورفاقه وابتسم الحظ للصغير، المنبوذ في ألمانيا، ماريو غوتزه بهدف تاريخي، أبقى الأرجنتين بنجمتين، بينما صار للألمان أربع نجمات. ومبروك للماكنات التي نجحت لأوّل مرّة في اختطاف كأس العالم من أمريكاالجنوبيّة، وكانت منطقة محظورة على منتخبات القارة العجوز.. محاربو الصّحراء بدون عقدة.. لم يكن الجزائريون يدركون أنّ ما كانوا يُطالبون به منتخبهم في التأهل للدّور الثاني سيكون رهينة خطّة لم تثمر خلال التسعين دقيقة سوى هدف في مرمى العملاق كورتوا وثلاث تسديدات يتيمة، أمّا بقية زمن المباراة فانتشار في الدفاع ووسط الميدان إلى أن جاء ردّ فعل الشياطين عنيفًا بفيلايني وميرتنس أمام حسرة كلّ الذين اعتقدوا أن محاربي الصحراء سيخرجون على الأقل بتعادل، لأنّهم يمتلكون المهارات اللازمة لبلوغ ذلك، ولأنّ الحكمة تقول “ربّ ضارة نافعة” فإنّ ردّ الفعل كان قاسيا على الكوريين الجنوبيين حين واجهوا هجومًا جزائريًا كاسحًا، وسيلاً من الأهداف الجميلة التي كشفت عن معدن آخر لهذا المنتخب، فارتفعت المعنويات، وصار مطلب الدّور الثّاني مشروعًا، لأنّ نقطة واحدة من فم الدبّ الرّوسي تكفي، وهو ما تحقّق في مباراة مثيرة، وهدف لسليماني أكثر إثارة، لينتقل حليلوزيتش إلى مصاف الستة عشر الكبار، بينما يستقيل المدرب الكوري ويُحال كابيللو على البرلمان الرّوسي لسماع أقواله في الخروج المشين على يد المحاربين.. فلا يجد الإيطالي المحنّك سوى القول “هذا شأن من يخالط.. العرب”. ونجح منتخب الجزائر في كسب اعتراف العالم بأدائه وروحه القتاليّة، والتفّ حوله العالم العربي كونه الممثّل الوحيد لهم في هذا المحفل، وانتظروه في مواجهة ألمانيا التي تأتي تحت إيقاع ثأري، فالجزائريون لم يمزّقوا صفحة المؤامرة الجرمانيّة الشهيرة بين ألمانيا والنمسا على كتيبة خالف الخضراء عام 1982 وحرمانهم من التأهّل في أوّل مشاركة موندياليّة للجزائر، بينما يبني الألمان منطقهم على الهزيمة التي تلقوها آنذاك بهدفي ماجر وبلومي، وكان اللقاء الموعود بين الماكنات والمحاربين حافلا بالفرجة والأداء البطولي، وتبيّن للألمان أنّ لحم الجزائريين مرّ، فانتظروا مائة وعشرين دقيقة، ليفصلوا في المواجهة بضربة حظ، وبعد أن أسال لهم مبولحي العرق البارد برودة أعصابه، فقد اعترف لاعبو المانشافت أنّهم واجهوا منتخبًا شرسًا، وأنّ الشّك ساورهم في إمكانيّة الفوز.. وهي المباراة التي رفعت قيمة المنتخب الجزائري في بورصة المونديال، واعتبرها الفيفا واحدة من أقوى المباريات، وأثنى عليها كبار الخبراء في مقدّمتهم مورينيو الذي استخفّ برفاق فيغولي قبل المونديال ثمّ صفّق لهم طويلا بعد الذي شاهده منهم، ومن يومها ارتفعت قيمة اللاعبين في بورصة الانتقالات، بينما فضّل وحيد حليلوزيتش الوجهة التركيّة، قريبًا من أهله بالبوسنة، ليدرّب طرابازون سبور. ولا غرابة أن ينصح مارادونا منتخب بلاده باللعب بخطة وروح منتخب الجزائر أمام ألمانيا، وهو ما فعلته، وكادت تعود بالكأس لولا الحظ الذي أدار ظهره لهيغوايين وبالاسيو.. وابتسم لغوتزه الألماني. نيمار ما بين الجنّة والنّار.. أثيرت حوله منذ خمس سنوات هالة من الإعجاب، وقال البرازيليون إنّه أملنا في اعتلاء قمّة الكرة العالميّة، وإزاحة ميسي ورونالدو، وانتظروا إلى أن تأكّد استقامة عوده وعلوّ كعبه، ثمّ أُلقيَ به في ملاعب أوروبّا ليتمرّس أكثر بأسلوب اللعب المختلف عمّا هو عليه في أمريكا اللاتينيّة، ورأوا أنّ فرصة بروزه الكبرى هي مونديال 2014، ولكنّ ركبة زونيغا أبعدته عن الملاعب، وكادت تُلقي به على كرسيّ متحرّك. وكانت دموعه - وهو يروي الكابوس الذي عاشه- كافيّة ليلتفّ حوله الملايين في العالم، فهذا الشّاب الحالم، كان يحمل حلم أمّة عاشقة للكرة، لكنّ سكولاري الذي منحها لقبًا قبل أحد عشر عامًا ودخل تاريخ الأبطال من أوسع الأبواب، وجد نفسه يخرج من أضيق النوافذ، ويُحمّل مسؤوليّة إلقاء كلّ العبء على كاهل نيمار الذي مهما بلغت موهبته وعبقريّته وفاعليته فلن يكرّر تجربة بيلي في 1958 ولا مارادونا في 1986.. إذا كان عدد ممارسي كرة القدم في البرازيل يفوق ثلاثين مليون لاعب، وثمانمائة فريق محترف باستثمار يفوق العشرين مليون دولار، فكيف يعجز الاتحاد عن العثور على أحد عشر لاعبًا، ويُختزل المنتخب في لاعب واحد اسمه نيمار، غاب عن الفريق مباراتين فكانت النتيجة تلقي هزيمتين وعشرة أهداف كاملة.. ومسكينٌ هذا اللاعب الذي انتقل من جنّة التألّق في أربع مباريات إلى جحيم الإبعاد إكراهًا.. إفريقيا تتأخّر خطوتين إلى الأمام.. اعتقد عيسى حياتو أنّ نضاله من أجل مقعد سادس لقارة إفريقيا سيفكّ مع نجاح منتخبين (الجزائر ونيجيريا) من بين الخمسة الممثلين للقارة في الصّعود إلى الدّور الثّاني، ولكنّ أداء المحاربين والنّسور قابله أداء غير مقنع لفيلة كوت ديفوار التي كانت ظلّ لنفسها، ونجوم غانا السّود التي انطفأت قبل أن تلمع، وأسود الكاميرون التي تبيّن أنّها بأنياب مهترئة، ففضلاً عن الهزائم أمام منتخبات في متناولها كشفت عجزًا في الاستقرار والبنية البشريّة الملتزمة بالدفاع عن ألوان بلدها، فإنّ الفضائح التي صاحبت ذلك، أضرّت بصورة الكرة الإفريقيّة، وبنجومها الكبار أمثار مونتاري وسونغ ويايا توري.. فمن مطالب ماليّة تعجيزيّة لليّ ذراع الاتحادات والحكومات، إلى التصرفات التي كشفت عنها العدسات السريّة للأيدي الخفيّة.. وفي كلّ ذلك لا يجد حياتو وأعوانه إلاّ أن يتباهوا بإنجاز الجزائر المثير للإعجاب، وكذا نيجيريا التي لم تسقط إلاّ بصعوبة أمام فرنسا.. فعلى حياتو أن ينتظر مونديالاً آخر، ربّما يكون الوضع أفضل.. منتخبات آسيا خارج التغطيّة.. لم يكن دأب اليابان وكوريا الجنوبيّةوإيرانوأستراليا لعب دور الكومبارس في المونديال، ووصلت إلى حدّ نصف النهائي، غير أنّها في مونديال البرازيل اكتفت بالمشاركة والعودة سريعًا إلى ديارها بهزائم كثيرة وأقلّها تعادلات مخيّبة لا يمكن الوصول بها إلى الدّور الثّاني، فاليابان بنجومها هوندا وكاغاوا اعتقدت أنّ مع زاكيروني والمدرسة الإيطاليّة المنضبطة يمكنها أن تحقّق إنجازًا أفضل من مونديال جنوب إفريقيا، ولكنّ الرحلة البرازيليّة لم تدم أكثر من عشرة أيّام بهزيمتين أمام كولومبيا وكوت ديفوار وتعادل سلبي أمام الإغريق، عادت بعدها طائرة البوكيمون أدراجها مع خيبة كبيرة، ولم تجد الجماهير اليابانيّة حيلة لبقائها في البرازيل سوى تشجيع ما تبقّى من منتخبات منافسة على اللقب. أما كوريا الجنوبيّة فأدركت أنّ انهيارها أمام الجزائر أخرجها من حسابات البقاء، وحدث لها ما حدث للجارة اليابان، إذ عادت بهزيمتين وتعادل، أمّا إيران فلم تنجح تمامًا في ترك بصمتها كما فعلت في مونديال 1998، وخرجت من السّباق بثلاث هزائم وهدف يتيم، مما يفتح السؤال كبيرًا عن مستقبل المنتخب، ومدى قدرة إيران في إعادة بناء فريق أكثر تنافسيّة. وحاولت أستراليا إنقاذ ماء الوجه، لكنّها انهزمت في لقاءاتها الثلاث، واستقبلت في كلّ مباراة ثلاثة أهداف، وقدّمت مع ذلك جهدًا محمودًا ضد هولندا في مباراة قويّة عرفت تألق نجمها كاهيل الذي سجّل واحدًا من أجمل أهداف البطولة.. فماذا سيفعل رئيس الاتحاد الآسيوي الشيخ سلمان بن ابراهيم بعد الحصاد المرّ لمنتخبات القارّة؟ سواريز جاهزٌ للعضّ.. فيما كانت عدسات كاميرات العالم تبرز مهارات لويس سواريز، خاصّة بعد عودته من كرسيّ متحرّك وعمليّة جراحيّة اعتقد الجميع أنّها ستحرمه مثل فالكاو من لعب المونديال، نجح الثعلب الأورغواياني في هزّ الشباك الإنجليزيّة مرتين ليضع منتخب بلاده الخارج من هزيمة كوستاريكا مصدومًا، على سكّة التأهل للدور الثّاني، بعد أن أطاح بالطاليان في موقعة تاريخيّة لا تختلف كثيرًا عمّا عاشته إيطاليا في نهائي مونديال 2006، إذ أنّ لويس لم يجد بدّا أمام عجزه في هزّ شباك بوفون، فقام بعضّ كتف المدافع كيليني، لتنتهي مغامرة الطفل الذهبي لأوروغواي، ورغم إنكاره أوّل الأمر، ووقوف شعبه ورئيس دولته الذي شتم الفيفا وبلاتر وأعوانه ووصفهم بأحقر النعوت، فإنّ النجم الجديد لبرشلونة اعتذر عمّا قام به، بعد أن انتشرت صورته في الفيس بوك، وتصريحات خبراء علم النفس الذين قالوا إنّه سيكرّرها مرّات أخرى، تلك طبيعته ولا يمكنه أن يتحكّم في انفعالاته، وكذلك جدّته التي شهدت بذلك، فلم يبق أمامه إلاّ أن يلتمس تخفيف العقوبة من المحكمة الرياضيّة لعلّ وعسى يرأف به القضاة، ويتركونه وشأنه.. الإنجليز يعودون بخفي.. سواريز لم ينجح منتخب الأسود الثلاثة في تجاوز الدّور الأوّل، لأنّهم لا يسجّلون أهدافًا، ويستقبلون أهدافًا، وبالتّالي فإنّ أقصر طريق للخروج هو العقم في التهديف، وتلك مشكلة الإنجليز منذ حوالي خمسين عامًا، لا يتجاوزن دور الأربعة، ولكن في السنوات الأخيرة اكتشف النّاس أنّ في الدوري الإنجليزي توجد أنديّة قويّة، لكن انجلترا فشلت في بناء منتخب قويّ، رغم وجود هارت وروني وجيرارد. وفي مونديال البرازيل، اعتقد النقاد أنّ منتخب هودسون سيفاجئ الجميع، إنّما فاجأهم بهزيمتين أمام إيطاليا، وهي عجوز مثله، والأوروغواي بهدفي سواريز، وتعادل أمام كوستاريكا، فلم يرفع لها القبّعة أحد. ولأنّ اليأس بلغ مستوى لم تنفع معه الترقيعات التي تمارس على المنتخب، في ظل انتقاد شديد من خبراء الكرة الإنجليز وفي العالم، فإنّ الحلّ هو جلب مدرّب كفء، وانتظار عشر سنوات للحصول على منتخب كفيل بالتمثيل الجيّد للملكة إليزابيث. وعليهم أن يستفيدوا من الدّرس الألماني الذي لم يعرف فيه المانشافت سوى عشرة مدربين خلال مائة سنة.. فالاستقرار هو الذي يقود إلى الانتصار. الطليان يخسرون الرّهان.. في البدء ظهر برانديللي وكأنّه المنقذ بعد فشل المشاركة في مونديال 2010، وبدت النتائج التي حقّقها رفاق بيرلو في التصفيات واللقاءات الوديّة تحمل مؤشّرات لعب الأدوار الأولى في المونديال، وأعطت الانطباع بأن السّكوادرا لم تأت للاستجمام على شواطئ كوباكبانا ولكن بصفتها مرشّحة للكأس. ويدرك الجميع أنّ لاعبي إيطاليا من العواجيز الذين انتهت صلاحيتهم في الملاعب، إلاّ ما يسمّى خبرة، وهو لا ينفع مع جيل من لاعبين أشدّاء كما في كوستاريكا التي مرّت على الجميع مرور الإسكندر المقدوني بجيوشه على جبال وسهول آسيا.. وراهن أكلة السباغيتي على نجمهم بالوتيللي الذي تبيّن أنّه لا يفيد المنتخب في شيء، لما له من طباع تضرّ بصورة الإيطاليين، وليس أدلّ على ذلك من رغبة بيرلسكوني في بيعه والتخلص منه، وفي تهديده بالسلاح لمن يعتقد أنّهم يتلصّصون عليه في عطلته بأمريكا.. عاد المنتخب الأزرق مبكّرًا، وكانت ردّ الفعل واضحًا، إذ تجاهلته الصحافة الإيطاليّة تمامًا، وهو أقصى عقاب له، بينما وجد برانديللي قرب باب بيته شخصًا يدعوه إلى استكمال عطلته بإسطنبول ضيفًا على غالاتاسراي.. وفي اليوم الأخير يتمّ التوقيع ليخلف مانشيني الذي أخفق في مهمة نيل اللقب الأوروبي. كوستاريكا “قاتلة” الكبار.. إذا أردت أن تتعلّم معنى أن تكون صغيرًا وتكبر في أعوام قليلة، فخذ الوصفة من المدرب خوزي بينتو الذي نجح في الذّهاب بمنتخب كوستاريكا إلى رّبع النهائي بعد أن أطاح في طريقه عددًا هائلا من منتخبات الصفّ الأوّل، إيطاليا وإنجلتر والأوروغواي واليونان قبل أن تهزمها ركلات الترجيح.. وأثار المشوار الكوستاريكي إعجاب العالم، لأنّ منتخبًا دون نجوم، كان نجم المونديال بامتياز، وأنّ لاعبين من بلد صغير آمنوا بقدرتهم في تمثيل شعبهم بما يجعله أكثر اعتزازًا بذلك، نجحوا في امتحان لا يقدر عليه إلاّ الأقوياء.. وهم من أقوياء هذه الطبعة. وبرز في المنتخب حارس المرمى العنكبوت نافاس، الذي كان سدّا في وجه الطواحين لولا لعنة الركلات المذمومة. أمّا أداء الجيران، الإكواتور وكوستاريكا فلم يكن على قدر ما تمنته جماهيرهم. إبهار منتخبات الأنكا والأزتيك.. حقّقت منتخبات المكسيك والشيلي وكولومبيا حضورًا متميّزًا أهّلها إلى جانب البرازيل والأرجنتين إلى أن تدخل المنافسة على اللقب، وقال خبراء الكرة إنّها تطوّرت بشكل مذهل، وأنّها أزاحت البرازيل من سدّة الكرة في أمريكا اللاتينيّة، فالمكسيك بقيادة دوس سانتوس فضحت مستوى البرازيل، والشيلي بقيادة سانشيز دفعتها إلى ركلات الترجيح، وكولومبيا بقيادة هداف المونديال النجم الصّاعد جيمس رودريغز خسرت أمامها بصعوبة كبيرة. ولا يتردّد النقاد في القول إنّ كوبّا أمريكا القادمة لن تفلت من واحد من هذه المنتخبات، وأكثر من هذا، فإنّ مونديال روسيا سيشهد انتفاضة حقيقيّة للشيلي وكولومبيا وكذلك المكسيك، بالنظر لتراجع البرازيل والأرجنتين على صعيد الفعاليّة والتأثير. مونديال الحرّاس بامتياز.. نجح الحرّاس في فرض حضورهم خلال هذه الطبعة، لما أبدوه من استماتة غير مألوفة في كأس العالم أو حتّى البطولات القاريّة، وإذا تمّ اختيار ناطحة السّحاب الألمانيّة مانويل نوير كأفضل حرّاس المونديال من جانب الفيفا، فإنّ عددًا كبيرًا من الحرّاس أبدعوا وتألّقوا، ومنعوا المهاجمين من اختراق شباكهم، ومن بينهم الأمريكي تيم هوارد الذي كان جدارًا في وجه الشياطين الحمر البلاجكة، مما دفع الرئيس أوباما إلى مهاتفته والثناء عليه ودعوته لحصد لحيته، وهناك حارس مرمى المحاربين رايس مبولحي الذي صدّ هجمات الألمان وقبلهم الرّوس، ما جعل مصوّتي صحيفة ليكيب يختارونه الأوّل بين حرّاس المونديال، واعتبر أوشوا المكسيكي ونافاس الكوستاريكي وبرافو الشيلي وإينياما النيجيري من أقوى الحرّاس في العالم، وبرز الحارس الأرجنتيني روميرو بشكل لافت في مباراة هولندا حين صدّ قذيفتي فلار وشنايدر. وبدا مستوى حارس البرازيل جوليو سيزار متذبذبًا، فبعد أن نجح في الانتقال بالبرازيل إلى الدّور الربع نهائي بدوره في صدّ رميات الترجيح الشيليّة، كان شارعًا مفتوحًا أمام الألمان والهولنديين، ووضعه لا يختلف عن كاسياس الذي يجعل مشاركته في مونديال البرازيل في سلّة المهملات.. نجوم نجحوا في الهجوم.. إذا استثنيت أسماء قليلة، كان يُنتظر بروزها في المونديال، فإنّ أهمّ الأسماء المشاركة، تركت بصمتها واضحة بتسجيل أهداف مصيريّة، فميسي الذي تمّ اختياره أفضل لاعب في الدّورة، وإن بدا ذلك فيه شيء من المجاملة إذا ما قيس بأداء روبين الهولندي، فإنّ الاثنين سجّلا أهدافًا حاسمة، وبرز أيضًا كلاعبين فاعلين وهدّافين كلٌّ من شاكيري السويسري، ودوس سانتوس المكسيكي وجيمس الكولومبي ونيمار البرازيلي وسانشيز الشيلي ورويس الكوستاريكي، وسليماني وجابو الجزائريان، ودزيكو البوسني وديمبسي الأمريكي، وكاهيل الأسترالي، وسامراس اليوناني، وهوندا الياباني، وبن زيمة الفرنسي، وموسى النيجيري، ورضا الإيراني، وجيان الغاني، ورونالدو البرتغالي.. فكلّ من كانت حرفتهم التهديف لم يتأخّروا عن ذلك، وبذلك يمكن أن يصف بمونديال النجوم والهجوم بامتياز، بالرّغم من الأداء القويّ للحرّاس الذين حرموا كثيرًا من الهدّافين من الاقتراب إلى شباكهم. ولعلّ اللغط الذي دار حول اختيار ميسي أفضل لاعب في الدّورة، رغم محدوديّة مستواه في المباريات الثلاث الأخيرة، لخّصه مارادونا بقوله “إنّه مجرّد تسويق تجاري وإعلامي” خاصّة وأنّ نجم الشيلي السّابق زامورانو حمّل ميسي أسباب الخسارة لسلبيّته، حتّى أنّ الإحصاءات أشارت إلى توفّق نوير على ميسي في عدد التمريرات رغم أنّه ليس لاعب ميدان.. فيما رأى النقاد أنّ الأولى باللقب هو آرين روبين الذي تسعى أطراف إعلاميّة إلى جعله من نجوم الصّف الثّاني ولو جاء بكأس العالم.. مسألة أمزجة وماركيتينغ. شاكير وشاكيري وشاكيرا.. من الأشياء التي ميّزت مونديال البرازيل، فضلاً عن أجواء السياحة وجاذبيّة كوباكبانا، هي أنّ التشابه في الأسماء يبدو طرفًا كما هو الشأن بالنسبة للحكم التركي المتميّز شاكير وصانع ألعاب سويسرا ذي القامة القصيرة شاكيري، وكذا نجمة حفل اختتام المونديال الكولومبيّة شاكيرا، ثمّ إنّ كلمة شكرًا، هي الأكثر تداولا بين الجمهور العربي الذي تابع أطوار المونديال دعمًا للجزائر، ثم لمنتخبات أقرب إلى القلب.. ولو كانت في حجم البرازيل المخيّب للآمال. والآن بعد أن أغلقت البرازيل أبوابها، تنفتح أبواب روسيا التي قال زعيمها بوتين “ستدخلونها دون تأشيرة” فهل هو التحدّي الرّوسي في زمن يرفع فيه أبو بكر البغدادي عقيرته مهدّدا بضرب كلّ ما يتحرّك في خلافته الافتراضيّة.. وموعدنا بعد 1500 يوم بتوقيت الفيفا..