ولد ونشأ الفتى عروة حماد (14 سنة) في عائلة أميركية من أصل فلسطيني تقيم في مدينة نيو أورليانز في ولاية لويزيانا الأميركية، ووفرت له عائلته كل ما يحتاجه، لكنه ترك كل ذلك وراءه ورافق أبناء جيله من الفلسطينيين في قريته سلواد، شرق مدينة رام الله، إلى المواجهات الأسبوعية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلى أن سقط برصاصهم مساء أول من أمس الجمعة. «وفرت لعروة كل ما يريده، أحضرت له مدرباً خاصاً للسباحة، ومدرباً خاصاً لركوب الخيل، ومدرباً للدراجة النارية. لكنه، مثل غيره من الأولاد الفلسطينيين، تأثر بصورة أكبر في الاحتلال وممارساته، فصار يخرج إلى التظاهرات، واستشهد» قالت والدته إخلاص حماد وهي تنتظر أمام غرفة الموتى في مستشفى رام الله لرؤية جثمان ابنها. وكانت عائلة حماد أحضرت أبناءها الستة، ثلاث بنات وثلاثة أولاد، من أميركا التي يحملون جنسيتها، إلى قرية العائلة سلواد قرب رام الله للحصول على تعليم وتربية في الوطن. وفي الإجازات الصيفية يغادر أبناء العائلة إلى الولاياتالمتحدة حيث يعيش رب العائلة الذي يدير معرضاً للسيارات. وقالت الوالدة: «نحن عائلة متدينة محافظة، أردنا لأبنائنا أن يحصلوا على تربية إسلامية ووطنية. لذلك عدنا بهم إلى الوطن». وأضافت: «لقد وفرت لأبنائي كل الرعاية التي يحتاجون إليها، وجميعهم متفوقون في المدارس، لكن طالما هنالك احتلال سيكون هناك أطفال يخرجون لإلقاء الحجارة». واستدركت الوالدة: «لكن هذه جريمة قتل بدم بارد. فأي خطر يشكله صبي في الرابعة عشرة من عمره على جنود مدججين بالسلاح؟ كان بإمكان الجنود أن يفرقوا المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، أو بالقنابل الصوتية، أو بالرصاص المطاطي. كان بإمكانهم أن يعتقلوا عروة، وأن يطلقوا النار على ساقه. لكنهم قتلوه وهو صبي صغير لا يشكل أي خطر عليهم». واعتقل الجيش الإسرائيلي مطلع هذا العام شقيق عروة الأكبر، محمد (16 سنة)، بتهمة رشق الحجارة، وحكم عليه بالسجن ثمانية شهور، أنهاها قبل شهر. وفي قرية سلواد تجمع أمس عشرات الفتية للتظاهر احتجاجاً على قتل عروة. وكان بين المتظاهرين شاب في التاسعة عشرة من عمره أصيب في اليوم السابق بعيار ناري في الساق. وقال الشاب: «أنا لا أخاف الموت، هناك ما هو أغلى من حياتنا، وطننا». وأضاف: «القدس أغلى من حياتي، سأظل أتظاهر من أجلها». وقال أحد أصدقاء عروة إن «عروة شهيد، وأنا أريد أن أكون مثله، شهيداً». وأضاف: «الموت واحد. سواء اليوم أو بعد مئة عام. والأفضل أن يموت الإنسان دفاعاً عن وطنه». وأمام بيت عروة تجمع عدد من أصدقائه حيث ملأت صوره الجدران. وقال أحد أصدقائه: «أنا حزين جداً على عروة، كان يجب أن يعيش لا أن يموت». وأضاف: «عروة كان من أفضل طلاب المدرسة، كان متفوقاً، وكان لاعباً في فريق كرة القدم في المدرسة، سنفتقده كثيراً». وقال آخر: «الأولاد يذهبون إلى مدخل القرية من أجل التسلية، هم يعرفون أن الحجر لا يحرر فلسطين، لكنهم يريدون أن يقولوا شيئاً فيأتي الجنود ويقتلونهم». وقتل الجنود الأسبوع الماضي فتى في الثالثة عشرة من عمره (بهاء بدر) في بلدة بيت لقيا القريبة. وفي الحالتين ادعى الجنود أن الفتيين كانا يلقيان زجاجات حارقة عليهم. وتقول منظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية إن الجنود الإسرائيليين يتعرضون للأطفال والفتية الفلسطينيين بالرصاص القاتل والاعتقال والاحتجاز من دون أن يشكلوا أي خطر جدي على حياتهم، وفق ما تنص عليه التعليمات الرسمية المعلنة لإطلاق النار في الجيش الإسرائيلي. وتقدمت عائلتا فتيين من رام الله قبل عدة شهور بشكوى رسمية ضد الجيش الإسرائيلي بعد أن أظهرت كاميرا منزلية أن الجيش قتلهما بدم بارد أثناء قطعهما الشارع تباعاً عقب مواجهات جرت في بلدة بيتونيا غرب المدينة. وقالت عائلتا محمد أبو ظاهر (16 سنة) ونديم نواره (17 سنة) إن الهدف من القضية المرفوعة أمام القضاء الإسرائيلي هو، أولاً الكشف عن القاتل، وثانياً محاولة حماية غيرهما من الفلسطينيين مستقبلاً. وقتل الجيش الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة على غزة أكثر من 2150 فلسطينياً. وتقول تقارير الأممالمتحدة إن بين القتلى أكثر من 500 طفل. وأظهر تقرير أخير أعدته وزارة الإعلام الفلسطينية أن الجيش الإسرائيلي اعتقل خلال النصف الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري 21 طفلاً وفتى في الضفة الغربية.