قدوته في الصغر كان اللاعب زين الدين زيدان، وكان يحب كثيرا الرقصة التقليدية “الطكوكة” المعروفة في الجنوب الجزائري.. متدّين، يحب شرب “التاي”، وأكل “المردود” و”شكشوكة” المنيعة بولاية غرداية، ويحب التمر من نوع “الغرس”، الذي كان الغذاء الوحيد لأجداده وأسلافه.. إنه ياسين ابراهيمي، الطفل الذي ولد فعليا يوم انتصار الجزائري الأصل زين الدين زيدان في نهائي كأس العالم، لكنه قرر حمل ألوان بلده الجزائر.. هو مدلل عشاق المنتخب الوطني لكرة القدم، وكل الجزائريين، بل حتى متتبعي عالم الكرة المستديرة الساحرة. في الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2013، وفي قاعة واسعة بالمنزل العائلي لأسرة ابراهيمي حضر “الطلبة”، وهم حلقة حفظة القرآن في الجامع العتيق التاريخي بمدينة المنيعة في ولاية غرداية، بدأوا في ترديد “بردة” مديح النبي، صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخرجوا زجاجة عطر كبيرة وطبق بخور تقليدي وألبسوا العريس “الڤندورة” التقليدية والبرنوس والعقال.. لقد جاءوا لتتويج عريس غير عادي.. إنه اللاعب الدولي الجزائري ياسين ابراهيمي، الذي أصرّ بعد عدة أشهر من عقد قرانه في فرنسا، في حفل عائلي، على “التتويج” وفقا للطريقة التقليدية المتبعة في مدينة المنيعة وفي الجنوب الجزائري عموما. تاريخ الميلاد في شهر جويلية 1998! في مدينة المنيعة، الجميع هنا يشجع فريق “بورتو” البرتغالي، لا أحد هنا بات يتحدث عن ريال مدريد وبرشلونة.. يعتقد بعض زوار مدينة المنيعة أن الفريق الرسمي للمدينة هو فريق “آف سي بورتو” لشدة اهتمام أبناء المدينة بأخبار هذا النادي البرتغالي، وبعد الثلاثية التاريخية التي سجلها ابن مدينة المنيعة يعتقد الكثير من الشباب هنا أن ياسين ابراهيمي سيقود فريقه لأدوار متقدمة في كأس رابطة أبطال أوروبا. ولكن قبل 16 سنة كان الطفل ياسين يشاهد المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم، التي جمعت بين المنتخبين الفرنسي والبرازيلي في جويلية 1998. ويروي أحد أبناء عمومته، نقلا عن والده، أن ياسين وُلد في هذا اليوم، حيث شاهد اللاعب الفرانكو جزائري زين الدين زيدان وهو يخرج فرنسا عن بكرة أبيها، بعد أن سجل هدفين في المقابلة النهائية لكأس العالم، ومنذ ذلك اليوم قرر ياسين أن يكون لاعب كرة قدم. وبعد أشهر من تلك الحادثة كان ياسين على موعد مع أقاربه في المنيعة، وبدأ يروي لهم قصة الفوز الكبير الذي حققه زين الدين زيدان لفرنسا، لدرجة أن ما حدث في باريس، بمناسبة احتفال الفرنسيين من أصول جزائرية بفوز الفريق الفرنسي بالمقابلة النهائية لكأس العالم، كان في عمقه تعبيرا عن فوز جزائري في تجربة إثبات وجوده في مجتمع فرنسي يعتقد أن العرق الأبيض هو السيد. الجذور بثّت قناة “تي في 5” الفرنسية قبل أشهر قليلة تحقيقا حول خبير في مجال النفط والغاز ينحدر من مدينة المنيعة، 870 كلم جنوبي الجزائر العاصمة، وأشارت وأسهبت في الحديث عن عبقرية الرجل الذي ساهم بخبرته كمهندس في مجال النفط في إطفاء عدة حرائق آبار نفط وغاز. ويملك الرجل، واسمه ابراهيمي، وصفة خاصة لإطفاء حرائق آبار النفط، أشاد بها خبراء من شركة “بريتيش بتروليوم” البريطانية. هذا الرجل لم يكن سوى عمّ اللاعب الدولي الجزائري ياسين ابراهيمي، رجل لم يحصل على التكريم اللازم إلا عندما التحق ابن شقيقه بصفوف الفريق الوطني لكرة القدم. ويبدو أن عائلة ابراهيمي الكبيرة تصرّ منذ عقود على إدخال مدينة المنيعة المنسية في صحراء الجزائر التاريخ من أوسع أبوابه. وقد تمكّن الشاب اليافع الذي وُلد في العاصمة الفرنسية، باريس، من إنجاز ما عجز عنه عمه الطبيب ووالده المهندس، وكذا عمه المهندس الذي حظي بمرافقة الرئيس الراحل هواري بومدين أثناء جولاته في الصحراء. وأثناء بحثنا عن تاريخ عائلة ابراهيمي فوجئنا بحالة فريدة، هي لأستاذة لغة فرنسية من أقارب اللاعب ياسين، وقد تمكنت الفتاة الطموحة من تأسيس أول فريق كرة يد نسائية في الجنوب الجزائري. حب الكرة يسري في عروق ابن الصحراء ياسين ابراهيمي بن محمد بن الخير، وُلد في باريس في فرنسا، بتاريخ 8 فيفري 1990. هو الابن الأكبر لوالده المهندس، الذي قرر الهجرة إلى فرنسا بعد سنوات قليلة من هجرة عمه الطبيب. وقد درس ياسين ابراهيمي، الذي ينتمي لقبيلة زانته العربية، والتي تعدّ إحدى القبائل المؤسسة لمدينة المنيعة، في متوسطة متخصصة في تكوين لاعبي كرة القدم، وخضع لدورات تدريبية متخصصة في “كلير فونتان”، ثم خضع لتكوين متخصص في مركز “كلير فونتان”، ثم لعب لناشئي النادي العاصمي باريس سان جيرمان، ولعب أيضا لنادي “رين”، كما تدرج في كل الفئات العمرية للمنتخب الوطني الفرنسي لأقل من 16 سنة، ثم أقل من 17 سنة، ثم أقل من 18 سنة ثم منتخب الآمال، إلا أنه قرر الالتحاق بالفريق الوطني الجزائري. يحب قضاء عيد الأضحى والمولد النبوي في المنيعة ويقول قريبه وصديقه منير: “هذا ال”ياسين” غريب عن ياسين الذي يحب كثيرا قضاء عيد الأضحى بين أقاربه في مدينة المنيعة، كما يعشق الساحر على البساط الأخضر الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف في المنيعة”، ورغم أنه لا يتقن الكلام بالعربية، حسب الآنسة ابراهيمي حاجة، قريبته، إلا أنه يفهم اللغة العربية جيدا ويتكلم بجمل قصيرة، ويقول قريبه منير: “ياسين إنسان خلوق ويحفظ العديد من سور القرآن الكريم، ويحب الاستماع لتلاوة القرآن كثيرا”. يعشق زيدان.. يحب “الطكوكة” و”الشكشوكة” و”المردود” في عام 2002 تنقّلت أسرة ياسين إلى المنيعة لقضاء إجازته، والتقى، كما العادة، بقريبه البعيد منير الذي يعمل حاليا في شركة نفط في مدينة حاسي الرمل، يقول صديق طفولة ياسين: “قضينا عدة أيام نلعب معا في عطلة الصيف، كنا أبناء ال12 سنة، ولم يكن حديث ياسين يخلو من الإشادة باللاعب الأسطورة زين الدين زيدان، حتى إنه كان يحمل صورة له في جيبه، وقال لي إن حلمه هو أن يكرر الإنجاز الذي حققه زين الدين زيدان في ملاعب كرة القدم”. من جهتها، تقول الآنسة حاجة: “ياسين يحب كثيرا أكلة الكسكسي أو الطعام، ويحب معها طبق “المردود”، وهو “العيش” أو “البركوكس”، كما يحب كثيرا “الشكشوكة” المنيعية، وهي طبق يعدّ بالباذنجان والفلفل”. ويقول قريبه وصديق طفولته منير: “كنا صغارا عندما كان ياسين يأتي لقضاء العطلة في المنيعة، وكان يهوى كثيرا مشاهدة فرق “الزرنة” المنيعية ورقصة “الطكوكة”، وهي رقصة تقليدية معروفة في الجنوب الجزائري، يؤديها الرجال في صفوف”. إنشاء مدرسة لكرة القدم في المنيعة.. حلم “معشوق الجزائريين” يقول جيران عائلة ابراهيمي في شارع العقيد عميروش بالمنيعة إن ياسين يحس بأنه مدين لمنطقة الجنوب الجزائري ولسكان المنيعة بالكثير، ويجب عليه الوفاء بهذا الدين. ومن هذا المنطلق قرر ياسين تمويل عدة مشاريع خيرية لصالح سكان مدينته، التي تعاني من تخلف تنموي رهيب، وكان أول قرار اتخذه ياسين هو بناء مدرسة حديثة لكرة القدم لصالح أبناء مدينته وأبناء الجنوب الذين لم يسعفهم الحظ في الحصول على تكوين متخصص في كرة القدم. كما قرر دفع مساعدات مادية للأسر الفقيرة، ومساعدات أخرى لصالح فريق رائد شباب المنيعة الذي يمثل مسقط رأس والد ياسين في بطولة الجهوي الثاني لكرة القدم، وخاض ياسين مقابلة ودية مع شباب المنيعة في ملعب المدينة في ديسمبر 2013.