خلال الأشهر الماضية تلقيت الكثير من العتاب، وأحيانا الغضب من طرف قرائي الأوفياء، بعضهم اتهمني بأنني استسلمت للسياسة، وآخرون بأنني استسلمت للكسل.. وفي كلتا الحالتين كان غيابي قاسيا علي أنا أيضا. فمهما فعلت في حياتي، فمهما اخترعت من مساحات أخرى للتعبير، تبقى الكتابة هي الحديقة الخلفية التي أبري فيها أفكاري وأسلحتي. عدت، والعود أحمد” كما يقول العرب، لكنني ألاحظ منذ البداية أنني عدت إليكم كما كنت دائما، كاتبا صحفيا مفكرا معكم ومن خلالكم في أحداث ومشاغل الجزائر، وليس ذلك السياسي المغامر في أعالي البحار، وكل ما أعبر عنه، أو اتخذ منه موقفا أو نقدا يخصني أنا شخصيا وليس الحركة السياسية التي شرفني المناضلين بقيادتها. إنني أعرف أنه من الصعب الفصل بين الشخصيتين، خاصة وأن مواثيق الحركة ومناضليها أغلبهم مشبعين بنفس الأفكار الوطنية، وأنا استفدت كثيرا من أفكارهم وملاحظاتهم. لكن الكتابة هي انزواء الإنسان مع قلبه وعقله، بكل ما يحمل القلب من صدق مع النفس ويحمل العقل من رؤية للحياة، وإذا تقاطعت أفكارنا فذلك من فضائل هذا المجال الحيوي المشترك بيننا في السياسية والأفكار وحب هذا الوطن الجميل. كان لابد من توضيح هذا الموقف لأننا مقبلين على أحداث جسيمة في المستقبل القريب، قد تحدد مصير الجزائريين إلى سنوات كثيرة قادمة، وعليّ ككاتب ملتزم بمصير وانشغالات شعبه ووطنه أن يقول رأيه بصراحة، ككاتب وكمواطن، بينما قد ترى قيادة الحركة، وهي محنكة سياسيا، أكثر مني، أن بعض التوازنات تفرض موقفا آخر، أو أن الوقت لم يحن لاتخاذ موقف، أو أن المعلومات المتوفرة لا تسمح بموقف محدد... كل ذلك أتفهمه وأخضع للأغلبية السيدة في السياسة، لكنني ككاتب أغلبيتي في عقلي وفؤادي وذلك هو الإجماع الوحيد الذي يجمعني بقرائي. لقد مرت سنة صعبة على الجزائريين. كسبت السلطة أوراقا خاسرة، وفقد الشعب أوراقا رابحة أخرى. ازدادت حياة الناس صعوبة، وتواصل غلق مجالات العمل والمبادرة، واستشرى الفساد والإرادات غير الخيرة، وتواصل تزوير حياة الجزائريين كما لم يحدث أبدا في تاريخنا المعاصر. ولمرتين على التوالي تخطئ السلطة الحاكمة منعطفات تاريخية حاسمة في حياتنا، بتزويرها للانتخابات التشريعية في ماي 2012 التي كان يمكن أن تكون بابا للتغيير السلمي والايجابي للنظام، وما تلاه من خضوع لامشروط للإملاءات الفرنسية المذلة لهم كنظام حاكم، يفتقد لشرعية شعبية وهو ما يعتبر تنازلا عن القرار السياسي السيادي لصالح طرف أجنبي، وكذا خسارة فرصة الدستور الذي كان من الممكن أن يشكل إجماعا وطنيا غير مسبوق للتغيير السلمي والايجابي لنظام الفشل.. ومع ذلك أنظر بايجابية لهذه السنة الجديدة، التي ستكون دون شك حافلة بالأحداث، وأتمنى أن يكون الخير فيها أكثر من الغير... ومن واجبي ككاتب وكمواطن، أن أصاحب هذه الأحداث والانشغالات لتوسيع مساحة الرأي، والمساهمة الايجابية في بلورة آراء حصيفة، وذلك هو المشترك بيننا، وهو أيضا رأسمال المستقبل.