راجع عمار سعداني أمين عام جبهة التحرير الوطني مفهومه للدولة المدنية بتحويلها من الاتجاه المضاد لدولة العسكر والمخابرات، وهو ما برز في هجومه الشديد على مدير دائرة الاستعلام والأمن “توفيق”، إلى الاتجاه المعادي للدولة المدنية. ووضع هذا المفهوم الجديد في قلب مقترحات الحزب تحسبا للاستشارة حول وثيقة تعديل الدستور. ذكر مصدر من لجنة صياغة اقتراحات الأفالان التي أنشأها سعداني بشأن الدستور المرتقب ل “الخبر”، أن “الدولة المدنية” التي يرافع سعداني من أجلها منذ توليه قيادة الحزب موجودة ضمن المقترحات التي ستسلم لأحمد أويحيى عندما يلتقي مع الأمين العام الشهر المقبل. وأوضح أن “المقصود أن الجزائر لا يمكن أن تكون جمهورية ثيوقراطية”. وحصل إجماع بين أعضاء اللجنة ال10 على أن تصبح صياغة هذا المقترح الذي يريده الأفالان مادة صريحة في الدستور كما يلي “الجزائر دولة مدنية ديمقراطية واجتماعية”. وأشار المصدر إلى أن دستور تونس يتضمن شيئا اسمه “دولة مدنية”، يقصد بأن الجزائر لن تبتكر شيئا لو اعتمدت هذا المفهوم. وتفيد مقترحات الأفالان في هذا الجانب بأن الدستور الجديد ينبغي أن يحدد بدقة دور ومهام كل مؤسسة في الدولة، دون أن يذكر أيا منها بالاسم، حسب نفس المصدر. وإذا انتهت الوثيقة النهائية لمقترحات الحزب الواحد سابقا إلى هذه الصياغة للدولة المدنية، يكون سعداني قد أعاد النظر بصفة جذرية في المعنى الأصلي للطرح عندما تحدث عنه في فيفري الماضي، في سياق الاتهامات الخطيرة وغير المسبوقة التي وجهها لمدير المخابرات العسكرية في مقابلته المثيرة مع الجريدة الإلكترونية “كل شيء عن الجزائر”. فما الذي جعل سعداني يغير موقفه من الدعوة لتمدين الحكم إلى إبعاد الدين عن شؤون الحكم؟ هل تعرض لضغوط يفهم منها أنه تجاوز الخطوط الحمراء عندما حمل “توفيق” وجهاز المخابرات الداخلي مسؤولية كل المشاكل التي عرفتها الأحزاب السياسية؟ وما الدافع أصلا إلى طرح تمدين الحكم مادام رئيس الجمهورية رسميا ودستوريا ونظاميا شخصا مدنيا تخضع له مؤسسة الجيش بذراعها الأمني؟ هل كان طرح “الدولة المدنية” إلى ساحة التداول عنصرا ضمن الحرب المفترضة التي دارت بين الرئاسة والجيش (أو جزء منه) على خلفية رغبة بوتفليقة الترشح لعهدة رابعة؟ وأفاد مصدر الأفالان بشأن المقترحات التي ستكون حسبه جاهزة في الأسبوع الأول من جوان المقبل، أن أعضاء اللجنة تداولوا طرحين حول المجلس الدستوري كمرجعية للإخطار في دستورية القوانين. فبعضهم فضل اقتراح تعويضه بمحكمة دستورية، والبعض الآخر يفضل الاحتفاظ بالتسمية وبطريقة انتخاب وتعيين أعضاء المجلس الدستوري الذي تأسس في 1989 أسوة بنفس المنظومة الجاري العمل بها في فرنسا، مع الفارق في درجة الاستقلالية عن السلطة التنفيذية وولاء الأعضاء للقانون وليس للحاكم، وتوسيع جهة الإخطار إلى المواطن العادي. أما عن تنظيم السلطات، فيقترح الحزب نظاما شبه رئاسي بصلاحيات محددة للرئيس وللوزير الأول وتوسيع صلاحيات البرلمان. ولا يعني ذلك حسب المصدر تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يملك سلطة الملوك في الدستور الحالي، وإنما إحداث توازن بين السلطات الثلاث على حد تعبير نفس المصدر. ويقترح الحزب أيضا في ديباجة الدستور الجديد تحديد المصالحة التي يريد بوتفليقة دسترتها في الزمن، وسبب هذا الانشغال لدى الأفالان، حسب المصدر، هو الحيلولة دون استعمالها من طرف الحركى. وتضمنت المقترحات تعزيز اللغة العربية ومكانتها في المجتمع ومؤسسات الدولة، وأن يتناول الدستور في ديباجته صراحة بأن جبهة التحرير الوطني يعود لها الفضل في تفجير الثورة يوم 1 نوفمبر 1954 وفي استرجاع السيادة.