يعيّن وينحي ولا يشعر بواجب شرح تصرفاته مواصفات رئيس كرّس “حكم العائلة” أطلع عمار سعداني المهتمين بالسياسة وبالإجراءات المتخذة من طرف رئيس الجمهورية، على صعيد التعيينات والإقالات في المدة الأخيرة، بأن بوتفليقة سيحدث تغييرات عميقة في الدولة بعد تعديل الدستور. المثير في الحكاية ليس ما سيفعله بوتفليقة في البلاد (وهو مريض!) بعد إقرار دستوره، وإنما في عدم شعوره بأنه مجبر على تقديم تبريرات لما يفعل. بالوتيرة التي يسير عليها قطار التعيين في مناصب المسؤولية والطرد منها، منذ عودته من رحلة العلاج الثانية، يظهر أن الرئيس مقبل على تأسيس جمهورية جديدة بموظفين جدد يتلقون الأوامر والتعليمات، من أفراد عائلة بوتفليقة دون سواهم. يكفي فقط رؤية ما آلت إليه رئاسة الجمهورية نفسها، التي أفرغها بوتفليقة (إن كان واعيا بالقرارات والإجراءات التي تصدر باسمه)، من كل الكفاءات بعد أن أنهيت مهام الكثير من المستشارين والموظفين الذين اشتغلوا معه عن قرب، وإن كان بعضهم هو من طلب الرحيل. حاليا يمكن عدّ المسؤولين، أصحاب كفاءة ودراية في قصر الرئاسة، على أصابع اليد الواحدة. وكلهم يتلقون أوامره بالوكالة، وبالتحديد من شقيقه السعيد بالدرجة الأولى ومن شقيقه الآخر ناصر بدرجة ثانية. هما الشخصان الوحيدان اللذان يزورانه في إقامته بسيدي فرج بالضاحية الغربية للعاصمة، وهما من يوزعان تعليماته على المسؤولين بالرئاسة. وحتى مدير الديوان أحمد أويحيى لا يراه، ولم يسلمه خلاصة المشاورات السياسية التي أجراها في ماي الماضي حول الدستور. ففي تصريح مقتضب لصحيفة “الوطن”، قال أويحيى إن وثيقة تعديل الدستور موجودة بين يدي الرئيس، وأنه هو من يقرر مصيرها، ولكنه لم يذكر أنه التقاه وشرح له آراء الذين استشارهم. أنهى بوتفليقة مهام طرطاڤ وعدة مسؤولين استخباراتيين في سبتمبر من العام الماضي، وألغى هياكل من الاستخبارات مثل الشرطة القضائية للمصالح العسكرية، وألحقها بقيادة أركان الجيش، ولم يشعر أبدا أنه مطالب بأن يشرح لماذا فعل ذلك. وعيّن قبل أيام طرطاڤ موظفا في الرئاسة وأعاد الشرطة القضائية للاستخبارات، مع فارق جوهري هو حرمانها من التحقيق في قضايا الفساد، ولم يشعر أنه مدعو لشرح لماذا فعل ذلك. بوتفليقة قال ذات يوم إنه يكون مطمئنا على أحوال البلاد وهو في الخارج عندما يكون بن فليس في الداخل، ولم يسمع يوما يفسر سبب مصدر كل هذه الثقة في رئيس حكومته سابقا. ثم أصبح عدوه اللدود بعد أن ارتكب “خطيئة” هي الرغبة في أن يصبح رئيسا. بوتفليقة قرّب بلخادم منه فأصبح كظلّه في بداية حكمه، حتى استقر في الأذهان أنه رجل ثقته بلا منازع، ثم انقلب عليه وعاقبه بعنف منقطع النظير. ولم يعرف أحد سرّ ارتياحه لبلخادم كل ذلك الارتياح، ولا دواعي حقده عليه كل ذلك الحقد. هي هكذا تصرفات “الأمير”، يعتقد أن جميع المسؤولين في الدولة يشتغلون عنده فيحدد مصائرهم كيفما يحلو له. بوتفليقة يتصرف بهذه الطريقة لأنه يعلم جيدا أن البلاد تخلو من رأي عام صارم يحاسبه في المواعيد الانتخابية، وتخلو من أحزاب فاعلة واتحادات مهنية وطلبة وأساتذة جامعات، وصحافيين ومحامين وقضاة يؤدون دور سلطة مضادة حقيقية، قادرة على حشد الشارع ترهب به الحاكم. ومادام هو متأكد من هذه الحقيقة، بإمكانه أن يحقق حلمه الذي يداعبه منذ وفاة بومدين: الموت على كرسي الرئاسة! ثقافة الاستقالة غائبة لدى المسؤولين الجزائريين بوتفليقة يقيل ويعيّن متى شاء وكيفما شاء وضع الرئيس بوتفليقة الجزائريين في حالة ترقب، بلسان الأمين العام للأفالان، عمار سعداني، إزاء المدى الذي سيبلغه في تعيينات الجديدة، وإزاحات لمسؤولي أعلى هرم الدولة، مثلما كشف عنه، من صار ناطقا باسم بوتفليقة، منذ أن اعتلى أمانة الحزب العتيد. وسعداني لما يقول إن الرئيس مقدم على تعيينات جديدة، في الدولة، يعني أن رؤوسا كبيرة وكثيرة وضعت في قائمة الإزاحة، لا يعلمها إلا من عزا بها إلى الرئيس، ثم سعداني بالطبع، هذا الرجل الذي كسر طابو المخابرات وانتفض ضد الجميع، عندما صمت الجميع. وقياسا بمفاجأته الأخيرة حول ما يجول بمخيلة الرئيس ومن يقرر معه، بشأن التعيينات الجديدة التي أعطى بمقتضاها انطباعا أن الرجل الأول في البلاد مقبل على ثورة إقالات، تتجاوز في أهميتها بكثير، الإقالات التي باشرها نهاية شهر أوت وبداية الشهر الجاري، بدءا من مستشاره عبد العزيز بلخادم، وزملائه بالرئاسة، إلى قادة النواحي العسكرية، وقبلها التغييرات التي طالت مناصب عسكرية نوعية من قبيل الجنرالات الذين تم تداول أسمائهم بقوة. وقد تم تداول، في الأسابيع القليلة، أن الرئيس مقبل على تغيير حكومي، سيزيح من خلاله خمسة وزراء، رغم أن الأسماء التي تم تداول رحيلها المرتقب، أكثرها جديدة في الطاقم الحكومي والتحقت به في آخر تعديل، شهر ماي الفارط، لكن الأمر لا يتعلق على ما يبدو بتغيير حكومي، لأن نبرة حديث سعداني أشرت على أن التعيينات الجديدة، المرتقبة، ستمس هياكل الدولة، بما لا علاقة له بتغييرات حكومية، تكاد تكون لا حدث، ولا تستقطب الاهتمام، لكثرتها، وتقارب فترات إجرائها، ثم إجراؤها دون أثر يحدث الفارق في التسيير ميدانيا. بمقتضى نمط إدارة شؤون الدولة، المعروف لدى بوتفليقة، لا يمكن توقع أن التغييرات المرتقبة، مضبوطة بحد معين، أو بمناصب محددة، فشل أصحابها في إدارة مهامهم بها، تماما مثلما لا يمكن ربط التغييرات التي درج عليها الرئيس، بفترة معينة، ففي أوج فضائح الفساد التي هزت الدولة، العام الماضي، وأهمها قضية سوناطراك 2، لم يقل الرئيس أي مسؤول، رغم أن تغييرات طالت جهاز القضاء، لكن لم يسمع الجزائريون أن تلك التغييرات كانت بسبب فضائح الفساد. واللافت هو أسلوب التعيين، الذي طغى على مشهد إدارة الحكم بالبلاد وأصبح ثابتا من ثوابته، على حساب أسلوب الانتخاب، وفي وقت أدار الرئيس ظهره، لمطلب الانتخابات التشريعية المسبقة الذي نادت به أحزاب سياسية منذ عامين، على أن البرلمان الحالي موبوء بالفساد والفشل، فضل سلوك اتجاه آخر، على طريقته الخاصة، وهو أسلوب التغيير عن طريق التعيين والإزاحة، بينما ملفات كثيرة، طغت على المشهد السياسي الموسم الفارط، يتم تجاهلها، وأهمها تعديل الدستور. وخارج ما يطرح كتكهنات حيال الرؤوس المرشحة للإبعاد من هياكل الدولة، فإن تصريح سعداني، أو العملية التي يرتقب أن يجريها بوتفليقة في جسم الدولة، تمثل رهانا لإشغال اهتمامات الطبقة السياسية بملف جديد، على حساب ملف تعديل الدستور. وفي الواقع فإن الرئيس بوتفليقة سيقدم على التغييرات، وفي مخيلته قناعة أنه لو لم يفعل ذلك، مستحيل أن يستلم استقالة من أحدهم، بعد أول وآخر استقالة وضعت على مكتبه من قبل رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور. وفي ظل غياب ثقافة الاستقالة لدى المسؤولين الجزائريين، لا يمكن تصور إلى أي مدى يمكن للرئيس أن يعين ويقيل، كيفما شاء ووقتما شاء. الجزائر: محمد شراق نقاش الناشط السياسي والباحث محند أرزقي فراد ل”الخبر” “نعيش وضعية أسوأ من عهد الأحادية” هل يمكن استخلاص منطق في التعيينات والإقالات، التي يقوم بها الرئيس والذي يمكن على أساسه بناء تحليل عن الأسباب والدوافع التي تحركه في ذلك؟ لكل تصرّف منطقه الخاص. فكل ما يحدث في الكرة الأرضية يخضع لمنطق معيّن. أمّا السياسة فتخضع لمنطقين متنافرين؛ المنطق الديمقراطي الذي يرتكز على السيادة الشعبية كمصدر للسلطة، وقد نصّ على ذلك دستورنا في المادة السادسة التي جعلها حكامنا مجرّد ذر الرماد في العيون، لذا فمن المؤكد أن التعيينات والإقالات التي يقوم بها السيد رئيس الدولة لا تسبح في هذا الفضاء، ولا تخضع لمنطقه. أمّا المنطق الثاني فهو منطق الاستبداد الذي لا يقيم وزنا للسيادة الشعبية ولا للقواعد الديمقراطية، واعتقد جازما أن هذا المنطق هو السائد في الجزائر منذ اغتيال الشرعية الثورية سنة 1962، بدليل أن الحزب الحاصل على الأغلبية في البرلمان لا يحكم، وهذه الوضعية أسوأ من زمن الأحادية السياسية. ومن سلبيات هذا المنطق الاستبدادي، أن الحكام لا يخضعون للرقابة الشعبية ولا للمحاسبة ولا للقانون. وفي ظل هذا المنطق تخضع التعيينات والإقالات للمزاجية والولاء، على حساب الكفاءة والمبادئ والوفاء للوطن. الأمر الذي أدى إلى إفراغ السياسة من محتواها الصحيح، لتتحول إلى وظيفة شبه إدارية تدرّ المنافع على أصحابها. بعد إجرائه تعديلات في كل القطاعات، هل يمكن توقع خطوة قادمة يقوم بها الرئيس؟ لقد أشار أصحاب التجربة والخبرة إلى أن السياسة هي فن الممكن، ولنا في ماضينا القريب ما يرجّح هذا الاحتمال، فقد تجرأ الرئيس الشاذلي بن جديد - رحمه الله - على عزل الرجل القويّ الراحل قاصدي مرباح، ورغم ذلك لم تتغير طبيعة النظام. ولا أدري إن كان التاريخ سيعيد نفسه. وعلى أي حال فإن صلاحيات الرئيس تخوّل له التعيين والإقالة على جميع مستويات الدولة، ولا غضاضة في هذا الأمر. غير أن ما يخيف الجزائريين هو أن يكون شعار”تمدين الدولة”، مجرّد حصان طروادة لترسيخ نظام شمولي بشكل خطير، يهدد ما تبقى من مصداقية الدولة ومؤسساتها، ويدفع بالأوضاع نحو مصير مجهول. هل ما زالت أمام الرئيس خطوط حمراء، لا يمكن تجاوزها في مسائل التعيين والإقالة؟ رغم ظهور مؤشرات دالة على استحواذ رئيس الدولة على كل السلطات، فإنني مقتنع أن التوازن لم يختل بين مؤسسات الدولة. ولا يساورني الشك في أن الرئيس يدرك ذلك، فله من التجربة - باعتباره رقما في معادلة النظام الحالي منذ الاستقلال - ما يجعله يحافظ على شعرة معاوية مع مؤسسات الدولة القوية، التي كان لها الفضل في إنقاذ الجزائر من الانهيار في سنوات الجحيم. لذا فمن المرجح أنه لا يقطع أمرا حتى يشهدون. الجزائر: حاوره محمد سيدمو الناشط الحقوقي والقانوني بوجمعة غشير ل”الخبر” “لا خطوط حمراء أمام الرئيس بوتفليقة” يعتقد الناشط الحقوقي والقانوني، بوجمعة غشير، أن الرئيس بوتفليقة حاليا، مسيطر على الاستعلامات، وأركان الجيش، وله خلفية سياسية، منبثقة من جبهة التحرير وأحزاب الموالاة، وهو بذلك يريد أن يؤكد للجميع أنه هو الرئيس، ولا شريك له في الحكم. ما هو المنطق المعتمد في التعيينات والإقالات التي يقوم بها الرئيس، وهل هناك أسباب ودوافع تحركه في ذلك؟ التعيينات والإقالات التي قام بها الرئيس، يمكن تصنيفها إلى صنفين، الصنف الأول يتعلق بترسيخ وتقوية سلطته وهذه تتمثل في: أولا التغييرات على مستوى مديرية الاستعلامات، التي كانت تمثل في المخيال الشعبي الجزائري وحتى في ذهن النخبة الجهاز الحاكم الذي يصنع الحكام، والرئيس حسب شخصيته التي لا تقبل أن يكون ثلاثة أرباع رئيس، أراد أن يؤكد للجميع أنه هو الرئيس، ولا شريك له في الحكم، وحتى الاستعلامات التي تعتبر أقوى سلاح في منظومة الحكم، لم تبق محتكرة من هذه المديرية، والآن الرئيس له مستشار قادم من هذه المديرية، قد يمنح بعض الصلاحيات تجعل الرئيس في غنى تام عن هذه المديرية. وثانيا إبرازه لهيئة الأركان في الجيش، كسند لحكمه. وثالثا ظهوره كرئيس فعلي لحزب جبهة التحرير الوطني. أي أن الرئيس الآن، مسيطر على الاستعلامات، وأركان الجيش، وله خلفية سياسية، منبثقة من جبهة التحرير وأحزاب الموالاة. أما الصنف الثاني فيتعلق بمجرد أشخاص يقومون بإنجاز الأعمال اليومية تحت إشراف الجهاز الإداري للرئاسة، لا تأثير سياسي لهم. ما هي الخطوة التي يمكن توقع أن يقوم بها الرئيس بعد إجرائه تعديلات في كل القطاعات؟ أعتقد أن الرئيس بعد أن وطد أركان حكمه بالتغييرات والتعيينات التي سبق شرحها، لم تبق أمامه سوى الخطوة الأخيرة وهي إيجاد السند الدستوري الذي يمنحه حق تحويل بعض صلاحياته للوزير الأول، وهذا يتأتى له بعد المصادقة على التعديلات المقترحة على الدستور. ثم تكليف الحكومة بالعمل على إبراز حصيلة سنوات حكمه كإنجاز عظيم، والعمل على التقليص من حرية التعبير عن طريق الضغط على وسائل الإعلام المستقلة والجمعيات والمعارضة ذات المصداقية، حتى لا يقع تشويش على ما تروج له الحكومة. هل ما زالت مناصب في مؤسسات الدولة يستعصي على الرئيس تغيير أصحابها؟ الخطوط الحمراء في حقيقة الأمر، هي خطوط وهمية، وموجودة في الأذهان بناء على بعض الممارسات ومرتبطة بشخصية الرئيس، والرئيس بوتفليقة لا أظن أنه من النوع الذي يتقيد بأي خط أحمر، والدليل على ذلك أنه لم يلتزم يوما بمقتضيات الدستور ولا بالقوانين، والجهة التي كانت في أذهان الناس أنها تتقاسم معه الحكم قلّم أظافرها وحول جزءا منها تحت إشرافه المباشر. الجزائر: حاوره محمد سيدمو