نتائج الانتخابات البرلمانية من شأنها إحداث زلزال سياسي كبير سيخلط أوراق المترشحين للانتخابات الرئاسية المقررة يوم 23 نوفمبر المقبل، وأول ارتدادات هذا الزلزال السياسي إعلان زعيم تيار المحبة الدكتور الهاشمي الحامدي انسحابه من سباق الرئاسيات التي تقدم لها 27 مترشحا، بعد أن لم يحصل سوى على مقعدين، بالرغم من أنه أحدث مفاجأة في انتخابات 2011 عندما حل ثالثا ب26 مقعدا، حصد معظمها في مسقط رأسه بولاية سيدي بوزيد، ولكنه لم يحصل سوى على مقعد واحد هذه المرة في مهد الثورة التونسية، والمفارقة أن “نداء تونس” الذي يوصف بأنه امتداد لحزب بن علي، هو الذي فاز بأغلبية مقاعد الولاية. “نداء تونس” فاز في الساحل و”النهضة” في الجنوب كشفت نتائج الانتخابات في تونس سيطرة حركة النهضة على معظم الولايات في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، وعلى رأسها مدنين وتيطاوين وتوزر وقابس وقبلي، وهي ولايات فقيرة وذات كثافة سكانية قليلة مقارنة بالولايات الساحلية. كما فازت حركة النهضة في ولاية صفاقس، عاصمة الجنوب التونسي، والتي تقع على ساحل خليج قابس وتعد ثاني أكبر مدينة بعد العاصمة تونس، حيث يقطنها نحو مليون نسمة، ونظمت بها حركة النهضة أحد أضخم تجمعاتها الشعبية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. أما حزب “نداء تونس” فأظهرت نتائج الانتخابات أن معاقله الرئيسية تتركز في ولايات الساحل الشمالي والشرقي المطلة على البحر المتوسط، مثل بنزرت ومنزل بورقيبة والمنستير وسوسة، وهي أغلبها مدن سياحية، بالإضافة إلى مدن وسط البلاد مثل سيدي بوزيد التي تعتبر من أفقر الولايات. أما العاصمة تونس والتي قسمت إلى دائرتين انتخابيتين، فتوزعت مقاعدها على الحزبين الرئيسيين وأحزاب أخرى. المال والرياضة يهزمان أكبر الأحزاب حقق “الاتحاد الوطني الحر” مفاجأة من العيار الثقيل عندما هزم أحزابا من العيار الثقيل، بل تفوّق على تكتلات حزبية على غرار الجبهة الشعبية التي تضم 10 أحزاب، وحل ثالثا ب17 مقعدا خلف كل من “نداء تونس” و”النهضة”، بالرغم من أن هذا الحزب تأسس حديثا في 2011. و”إذا عرف السبب بطل العجب”، كما يقول المثل، حيث يقود الحزب رجل الأعمال سليم الرياحي (42 سنة)، الذي لديه ثروة في مجالات الطاقة والعقارات، كما يترأس أيضا فريق “النادي الإفريقي” بالعاصمة تونس، ذي التاريخ الكبير والشعبية الواسعة. ويصنف حزب الاتحاد الوطني الحر ضمن الأحزاب اللبيرالية، لكن عدة أحزاب وهيئات مستقلة تتهمه بضخ أموال كبيرة خلال الحملة الانتخابية، وشراء الأصوات. النهضة خسرت الحكومة وضيّعت الرئاسة الصدمة كانت كبيرة في صفوف حركة النهضة (الإسلامية) التي كانت واثقة من فوزها في الانتخابات البرلمانية، ورئاستها لحكومة ائتلافية، إلى درجة أنها زهدت في الانتخابات الرئاسية ولم تقدم مرشحا عنها لهذه الانتخابات، بحجة أنها لا تريد احتكار المشهد السياسي في تونس. غير أن نتائج الانتخابات البرلمانية تكشف أن “نداء تونس” يتجه قدما نحو احتكاره المشهد السياسي التونسي، فالحزب مدعو لتشكيل حكومة ائتلافية برئاسته، وبعد أقل من شهر سيدخل زعيمه الباجي قائد السبسي (87 عاما) الرئاسيات بدون منافس حقيقي، لأن القطب الوحيد القادر على منافسته هو حركة النهضة التي لم تقدم مرشحا عنها، أما الرئيس الحالي منصف المرزوقي فظهر هزيلا بعدما حل حزبه سادسا بأربعة مقاعد فقط بفارق يقارب 80 مقعدا عن حزب السبسي، أما مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، فكشفت الانتخابات أن حزبه بوزن الريشة، ولم يعد شيئا يذكر، أما المرشح اليساري حمه الهمامي، زعيم الجبهة الشعبية (اليسارية) وإن كان يملك بعض الكاريزما، إلا أن تكتل الأحزاب المتحالفة معه مازالت تفصل بينها وبين نداء تونس عشرات المقاعد ومئات الآلاف من الأصوات. فحركة النهضة التونسية أمام خيارين الرئيسيين، إما التحالف مع “نداء تونس” وتشكيل حكومة ائتلافية، وقد يستمر التحالف إلى دعم السبسي في الرئاسيات المقبلة مقابل تنازله عن رئاسة الحكومة مثلا، وهذا الخيار الأقرب إلى التحقيق بالنظر إلى تصريحات زعيم الحركة راشد الغنوشي الذي هنأ أمس قائد السبسي بتقدم حزبه في الانتخابات، في حين تحدثت مصادر من نداء تونس عن إمكانية التحالف مع حركة النهضة، أما الخيار الثاني فهو تموقع حركة النهضة في المعارضة مع كتلة برلمانية تقارب ثلث المقاعد، ومراقبة الحكومة طيلة خمس سنوات دون أن تضطر لتحمّل أعباء قيادة بلد في أوضاع سياسية واقتصادية وإقليمية صعبة، مع دعم أحد مرشحي “الثورة” لمقارعة قائد السبسي في الرئاسيات، وفي هذه الحالة يكفي نداء تونس التحالف مع حزب سليم الرياحي والجبهة الشعبية لتشكيل حكومة ائتلافية لكن بأغلبية ضعيفة. روابط حماية الثورة تحمّل السلفيين والنهضة المسؤولية وجهت روابط حماية الثورة، التي تشكلت عقب سقوط نظام بن علي، انتقادات شديدة اللهجة في شبكات التواصل الاجتماعي ضد كل من حزب التحرير والأحزاب السلفية التي قاطعت الانتخابات البرلمانية، متهمة إياها بالسلبية، وحذرتها أن أول شيء سيفعله الباجي قائد السبسي بعد استلامه السلطة هو حل “حزب التحرير” الإسلامي. كما وجهت روابط حماية الثورة، التي سبق وأن طالب السبسي بحلها، سهام الانتقاد إلى حركة النهضة لرفضها إقرار قانون العزل السياسي الذي يمنع رموز النظام السابق، وعلى رأسهم قائد السبسي، من الترشح لأي انتخابات، معتبرة فوز نداء تونس انقلابا على “الثورة التونسية” التي أطاحت بنظام بن علي. جدير بالذكر أن الانتخابات البرلمانية في تونس شهدت مشاركة كثيفة للناخبين بلغت نحو 60 بالمئة، كما جرت في ظروف أمنية هادئة. نداء تونس يتزعمه الباجي قائد السبسي (87 سنة) والذي شغل منصب وزير الدفاع والداخلية في عهد الرئيس الراحل لحبيب بورقيبة، ورئيسا للبرلمان في عهد الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، وتأسس حزب نداء تونس في 2012، واستطاع توحيد خمسة أحزاب خرجت من رحم التجمع الدستوري “المحل”، وضم كذلك يساريين ونقابيين، وهذا الموزاييك الذي جمع بين تيارات متناقضة في حزب واحد أدت إلى وقوع عدة استقالات وانشقاقات في صفوف الحزب، لكن دون أن تؤثر في هيكله العام، ورغم أن “نداء تونس” لم يشارك في انتخابات المجلس التأسيسي في 2011 والتي سبقت تأسيسه، إلا أنه استطاع استقطاب أربعة نواب في المجلس، كما شارك أنصار “نداء تونس” بقوة في إطار جبهة الإنقاذ في المظاهرات التي أسقطت حكومتين لحركة النهضة، لكن زعيم الحزب فشل في إسقاط منصف المرزوقي من رئاسة الجمهورية. نتائج الانتخابات البرلمانية التونسية نداء تونس 84 حركة النهضة 69 الاتحاد الوطني الحر 17 الجبهة الشعبية 12 آفاق تونس 9 التيار الديمقراطي 5 المؤتمر من أجل الجمهورية 4 المبادرة 4 حركة الشعب 2 تيار المحبة 2 الحزب الجمهوري 1 الوفاء للمشروع 1 صوت الفلاحين 1 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين 1 المجد للجريد 1 3 مقاعد لمستقلين