ما رأيكم في مبادرة الإجماع الوطني التي يطرحها الأفافاس، وما هي فرص نجاحها في اعتقادكم؟ الإيجابي في المبادرة هو أنها تعطي دينامكية جديدة للحياة السياسية في الجزائر وستُخرجها من حالة الموت السريري في السلطة وفي المعارضة. سلبيتها أنها تربك المشهد السياسي ويمكن أن تشتت جهود المعارضة. خاصة وأن مبادرة التنسيقية مازالت قائمة وكان على الأفافاس الانضمام إليها وتحديثها أو إدخال تعديلات من أجل تفعيلها. لكن للأسف المعارضة بدورها مرتبكة وتشهد صراعات الأنا التي تجعل الحزب التاريخي يريد أن يقود المعارضة، وهذا خطأ. لأن مثلما ولى زمن الشرعية الثورية ولى زمن المعارضة التاريخية ممثلة في الأفافاس. هذا الحزب وقع في فخ السلطة وهو أن يصبح عرَّابها بعدما استنفد النظام كل أوراقه السياسية. الفخ الثاني هو خلق بلبلة سياسية في أوساط المعارضة على خلفية أولوية التنسيقية أو ندوة الإجماع الوطني والابتعاد عن القضايا الجوهرية. لماذا تلقى مبادرة الأفافاس حماسا من قبل أحزاب السلطة، بينما تقابلها أحزاب المعارضة بفتور وتشكيك؟ لا أستبعد أن يكون لأجنحة النظام دور في تسويق مبادرة حزب جبهة القوى الاشتراكية من أجل خنق التنسيقية أو إيجاد أدوار جديدة للسلطة داخل المعارضة. من المفارقة أن لا يقبل النظام السياسي الحاكم حاليا الاعتراف بالطريق المسدود الذي وصل إليه ويرفض مقاربة التنسيقية، ثم يبحث عن ترويض المعارضة بل يطالب البعض بأن يقوم بدور الوساطة. هل يمكن لحزب مثل الأفافاس أن يغامر بتاريخه ويعقد صفقة سرية مع السلطة ظاهرها الإجماع الوطني كما ترى بعض القراءات؟ طبيعة الحزب تغيرت والحزب الذي عرفناه في زمن حسين آيت أحمد لن يعود. في العلوم السياسية يسمى حسب موريس دوفيرجيه حزب الإطار أو الزعيم. أي أنه يدور في فلك رجل واحد له كاريزما معينة مع انسحابه يصبح حزبا للإطارات أو مقتصرا على النخبة. من هنا اختراق الأفافاس من قبل النظام منذ دستور نوفمبر 1989 والانتخابات الحرة ليسا سرا. أضف إلى ذلك تجاذبات قوية داخل الحزب أفقدته هويته الحقيقية. هل يمكن بناء إجماع وطني في ظل العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة؟ أم أن هذا المسعى لا يتحقق إلا برحيله من السلطة؟ العهدة الرابعة لبوتفليقة هي فشل للسلطة وللمعارضة في الانتقال بالجزائر إلى عهد جديد يجنبها هزات أمنية وسياسية واقتصادية مستقبلية. أي ترحيل حزمة المشاكل والتحديات الداخلية والدولية إلى حين. بمعنى آخر الحفاظ على الوضع الحالي والإبقاء على بوتفليقة كأخف الأضرار. لكن مرور الوقت دون حوار حقيقي ونزيه ومباشر بين السلطة الفعلية وليس الصورية والمعارضة حول رزنامة زمنية محددة للانتقال السياسي من خلال انتخابات تأسيسية مضيعة للوقت والجهد. هنا يكمن خطأ حزب آيت أحمد الذي غرر به أول مرة عندما طلب منه المشاركة في انتخابات نزيهة لم يكن فيها نزيها إلا الاسم.. هل ترون في هذه المبادرة انحرافا عن الخط السياسي الذي تبناه الأفافاس كأقدم حزب معارض في البلاد؟ أم هو مواكبة لإفرازات الأحداث الإقليمية الجارية؟ نشهد تحولا كبيرا في عقيدة الحزب الذي بنى برنامجه على أساس حتمية المجلس التأسيسي كشرط في مسار التغيير السياسي. الحزب وصل إلى قناعة مفادها أن التغيير من أسفل والمعارضة التقليدية أثبتتا فشلهما، خاصة أمام انتكاسات بعض تجارب الانتقال السياسي في العالم العربي وتحفظ الجزائريين على التغيير غير المضمون. هل تلقى الحزب ضمانات من أن التغيير يكون بالتوافق السياسي وبضمانات مشتركة؟ للأسف تاريخ النظام لا يذهب في هذا الاتجاه، والتعويل على جناح في السلطة من أجل تمرير الإصلاحات صعب، في ظل حركية دائمة ومتقلبة في لعبة التحالفات في هرم السلطة. لطالما طالب الأفافاس بحل البوليس السياسي، وبالمثل تذهب تصريحات أمين عام الأفالان، عمار سعداني في الفترة الأخيرة. هل يمكن تفسير التقارب المسجل بين الحزبين بوجود هذا المطلب المشترك بينهما؟ حل البوليس السياسي ليس أغنية شعبية تردد في كل المناسبات، إنها العودة إلى الشرعية الدستورية. إنه جهد متواصل لن يأتي إلا ببناء دولة المؤسسات. والمؤسسات وحدها كفيلة بتقنين جميع أجهزة الأمن والعودة إلى شرعية منتخبة. استعمالها كذريعة يفقدها معناها، ويضعف بعض مؤسسات الدولة التي مازالت هي الوحيدة القادرة على المحافظة على الجسم الاجتماعي والاستقرار الأمني. كيف تفسرون اللهجة العنيفة التي قابلت بها تنسيقية الانتقال الديمقراطي مبادرة الأفافاس، وهل ستكون الأنانية السياسية عاملا في إفساد المبادرات المعروضة على الساحة في اعتقادكم؟ العمل الديمقراطي يبدأ من حيث وصل وليس العودة إلى الصفر. القفز على التنسيقية ليس له من مبرر، وكان من الأجدى البناء على برنامج التنسيقية والانتقال به إلى مستويات متقدمة في ظل المستجدات الداخلية وفي ظل انسداد الأفق السياسي وتزايد المخاطر.