الاحتجاجات العديدة التي تجتاح يوميا مختلف مناطق البلاد لا تدل فقط على فشل سياسة الحكومة في تسيير الشأن العام، بل تدل أيضا على عدم نجاعة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة بخصوص تحسين الوضع العام للسكان عبر السياسة الاجتماعية المنتهجة، وعبر توزيع الريع البترولي بطرق فوضوية: أولا: دلت النتائج الاقتصادية أن سياسة الحكومة لمعالجة مسألة السلم الاجتماعي بواسطة توزيع أموال الريع البترولي على الفئات الهشة في المجتمع كانت نتائجها محدودة التأثير على تحسين الوضع المعيشي للسكان، لأن الفوضى الموجودة في السوق جعلت الأموال التي ساعدت بها الحكومة الفئات الهشة تذهب مباشرة إلى جيوب المضاربين ولا يستفيد منها أصحابها الذين وجهت إليهم، وهذا عبر ارتفاع الأسعار بصورة غير منطقية وغير مقبولة وفي كثير من الأحيان بصورة مفتعلة، هدفها الاستيلاء على ما تضخه الحكومة من أموال لصالح الفئات الهشة، سواء عبر البرنامج الخاص بالدعم الاجتماعي أو عبر رفع الأجور. ثانيا: لا يشك أي أحد في أن الدولة ضخت أموالا مهولة في السياسة الاجتماعية للبلاد، سواء في مجال تحسين الأجور أو في مجال الحماية الاجتماعية للبطالين والفئات الهشة... ولكن هذه الأموال لو ضخت في الاقتصاد الوطني بطريقة صحيحة لحوّلت الجزائر من دولة نامية إلى دولة متقدمة.. وفعلا ضاع منا حلم الخروج من التخلف بسبب هذه السياسة. ولهذا يرى أهل الاقتصاد بأن ما أقدمت عليه حكومات بوتفليقة المتعاقبة من سياسات اجتماعية كان الهدف منها ليس تحسين حياة السكان المعيشية، بل الهدف منها هو تسهيل عملية تحويل المال العام لفئات محددة عبر هذه السياسات العرجاء.. وبالتالي إفراغ الخزينة دون تحقيق التنمية. لا يعقل مثلا أن تبني البلاد مليون سكن في ظرف 5 سنوات، ومع ذلك تبقى أزمة السكن قائمة، لو لم تكن هناك المضاربة التي تفرغ المشروع من محتواه الاجتماعي. ولا يعقل أن تزيد أجور العاملين بنسبة 100 ٪ في ظرف أقل من عشرية، ومع ذلك يتدهور حال القدرة الشرائية للمواطنين في الواقع المعاش. ولا يمكن أن تتطور البطالة بصورة مقلقة، لتصبح في مستويات قياسية في بلد تضخ فيه 700 مليار دولار في ظرف عشرية فقط ! أمريكا أكبر اقتصاد في العالم خرجت من أزمتها المالية، لأن أوباما ضخ في الاقتصاد الأمريكي العملاق 800 مليار دولار لإنقاذه من الإفلاس المالي.. فكيف تضخ الجزائر 700 مليار في اقتصادها ولا يتحرك خطوة نحو الأمام. واضح أن السياسة المتبعة كان الهدف منها تحويل المال العام إلى قنوات النهب المبرمج وتحويله إلى الخارج، سواء على مستوى استهلاك ما يستورد أو على مستوى إنعاش اقتصاديات غيرنا باستيراد منتجاتهم. [email protected]