تخوض تركيا بعد أسبوعين انتخابات برلمانية مصيرية ستحدد مستقبلها خلال 10 سنوات المقبلة، خاصة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي لم يخسر أي انتخابات منذ 2002 لم يخف نيته في تغيير النظام البرلماني الحالي إلى نظام رئاسي، تنقل فيه صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الجمهورية، وتبدو هذه المهمة ”مستحيلة”. حزب العدالة والتنمية الإسلامي بحاجة إلى ثلثي مقاعد البرلمان، في حين لا تمنحه نتائج سبر الآراء سوى نحو نصف مقاعد البرلمان، كما أن صعود حزب الشعوب الديمقراطي الكردي منذ رئاسيات العام الماضي من شأنها خلط حسابات الحزب الحاكم الذي سيدخل الانتخابات لأول مرة دون زعيمه ذي الشخصية الكاريزماتية. فرجب طيب أردوغان الذي قاد تجمعات مليونية في ميدان زيتون بورونو في إسطنبول خلال أحداث تقسيم في ربيع ، واضطر لتشييد ميدان كبير فوق البحر بيني كابي بإسطنبول (باب جديد بالعربية) حتى يتسع لتجمعه الضخم خلال الانتخابات المحلية الذي ضم ما بين 1.5 و3 مليون من أنصاره بعاصمة العثمانيين، لم يعد اليوم رئيسا للحزب بل رئيسا لكل الأتراك بعد فوزه برئاسيات 2014 ب52%، ما يحرم الحزب من زعيم له قدرة كبيرة على الخطابة والتأثير في الجماهير. لكن أحمد داوود أوغلو رئيس الحزب الجديد ورئيس الوزراء أيضا، وإن كان يفتقد إلى قوة الخطابة والكاريزما التي يمتلكها أردوغان، فهو معروف بحكمته كمفكر استراتيجي لحزب العدالة والتنمية، وتشكل الانتخابات البرلمانية أول اختبار حقيقي لخليفة أردوغان، والسؤال الجوهري لأنصار وخصوم الحزب الحاكم على حد سواء: هل سينهار حزب العدالة والتنمية بغياب زعيمه المؤسس؟ أم أن أردوغان حتى وإن غاب عن ميادين الانتخابات فلا زال حضوره يلهم جموع أنصاره ويقودهم للتصويت ككل مرة لصالح مرشحي الحزب الحاكم؟ كما أن حزب العدالة والتنمية سيخوض معارك شرسة أمام أحزاب تقليدية سبق لها أن تمرست في حكم تركيا، مثل حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك الذي يحوز على ربع أصوات الأتراك، والحزب القومي التركي الذي ترشحه نتائج سبر الآراء للحصول على 17% من الأصوات. الرهان الآخر للحزب الحاكم للفوز ب67% من مقاعد البرلمان يتمثل في إخفاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الفوز بنسبة 10% التي تتيح له الدخول لأول مرة للبرلمان، خاصة أن مرشحه لرئاسيات 2014 لم يتمكن من الوصول إلى هذه النسبة، ما يعني أن الحزب الحاكم الذي قاد سياسة تصالحية مع الأكراد (عكس الحزبين المنافسين) سيكون أكبر المستفيدين من توزيع أصوات الحزب الكردي الرئيسي على بقية الأحزاب الفائزة، أما إذا تمكن حزب الشعوب الكردي، بالتحالف مع الطائفة العلوية النصيرية ذات الأصول العربية، من تجاوز عتبة 10%، فلن يكون بإمكان حزب العدالة والتنمية الحصول على ثلثي المقاعد، وحينها سيضطر للتحالف مع أحزاب المعارضة التي ترفض هيمنته على الحياة السياسية من أجل تغيير الدستور. كما أن تيار فتح الله كولن المتنفذ في دوائر الشرطة والقضاء والتربية والصحافة لم يرم المنشفة نهائيا، وسيسعى لإفشال طموحات أردوغان للحصول على صلاحيات أكبر بعد تعديل الدستور وتغيير طبيعة النظام.