اعتبر زميل دراسة الرئيس هواري بومدين بالمدرسة “الكتانية” في قسنطينة، ورفيقه في جزء معتبر من رحلته المشهورة إلى مصر، الممتدة من قسنطينة إلى طرابلس في ليبيا، أن ما كُتب حول هذه الرحلة من قِبل صديقهما محمد الصالح شيروف جاء منقوصا في بعض جوانبه، بناء على القراءة النقدية لمذكراته التي عنونها “رحلة أمل واغتيال حلم”، ورأى في أبيات الشعر التي تصدرت غلافها ما يقلل من قيمة الشعب لدى الرئيس الذي أفنى عمره في خدمة الفئات “الفقيرة” تحديدا، لذلك دعا صديقه للمساهمة في كتابة تاريخ هذه المحطة الهامة، بالاستعانة بزميلهم “الثالث”، إن كان مازال على قيد الحياة محمد الأخضر مقدم، وهذا لمطابقة الوقائع وتقريبها أكثر من حقيقتها كما حدثت. يلوم محمد العربي مومني صديقه محمد الصالح شيروف لإسقاطه هو والسيد مقدم من مذكراته، وعبّر عن حرقة كبيرة لازمته منذ خمسينيات القرن الماضي إلى اليوم، بسبب العهد الذي قطعوه على دعم بعضهم خلال الرحلة حتى بلوغ مصر، ولكن شاءت الأقدار أن ينفذ المال الذي كان بحوزته ومقدم في طرابلس، ما أجبرهما على العودة للجزائر دون بلوغ “الأزهر”. “معرفتي ببومدين تعود إلى بداية الخمسينيات” قال زميل دراسة هواري بومدين، المجاهد محمد العربي مومني، إن معرفته بالرئيس الراحل تمتد إلى سنتي 1951 و1952، حيث كانا وزملاء آخرون ينتسبون حينها للمدرسة الكتانية بقسنطينة، ولم تكن بينهما حينها معرفة شخصية ومباشرة به، لكن ظروفا حصلت فيما بعد جعلتهما يتقربان من بعضهما، خاصة مع الرحلة التي بدأ التخطيط لها في سرية تامة بينهم “الأربعة” للذهاب إلى مصر والالتحاق بالجامع “الأزهر”. ويشير هنا إلى أنه يخاطب في ذلك رفيقهم الذي شاطره تحديدا جزءا معتبرا من الرحلة التي شملتهم هم الأربعة في قسنطينة عند انطلاقتها، قبل أن ينقسموا إلى مجموعتين عندما وصلوا إلى تبسة، تضم إحداهما محمد بوخروبة ومحمد الصالح شيروف، والأخرى كان بها هو ومحمد الأخضر مقدم، هذا الأخير من منطقة فج مزالة بسطيف، حيث قال إن الفكرة بادر بها زميلهم محمد الصالح شيروف، لكن هذا الأخير، وفقا لما ورد في مذكراته، قال إن هواري هو الذي خطط لها. يشير مومني إلى السبب الرئيسي لهذه الخطوة “الجريئة”، حيث قال “كنا بصدد تحضير الدروس في غرفة شيروف، وتحدثنا عن واقع التعليم والثقافة والذي لم يكن يرضينا، فاقترح علينا شيروف أن نعمل للتوجه إلى مصر للالتحاق بجامع الأزهر لتحسين أوضاعنا، وأقنعنا بالفكرة أنا ومحمد لخضر مقدم، واقترح أن يستشير محمد بوخروبة قبل ذلك، فتوجهنا إلى غرفته وتحدث إليه، لكنه لم يجب وبقي صامتا يستمع لما يقول شيروف فقط.. فكما هو معروف عنه، كان لا يعبّر عما بداخله ويأخذ وقتا لإبداء رأيه. وكل ما اتفقنا عليه يومها أننا سنسعى لتهيئة الظروف للرحلة، وخاصة ما تعلق بجمع مبلغ مالي، كما اتفقنا على إبقاء الأمر سرا بيننا، وهذا امتثالا لاقتراح ِشيروف خوفا من أن ينكشف أمرنا من قِبل السلطات الاستعمارية في الجزائر وعلى الحدود التونسية”. حاول محدثنا أن يضعنا في سياق تلك الفترة بكل تفصيلاتها، بدءا من حالة الحصار السياسي المفروضة على الجزائر وكذا جو العائلة الذي كان أكثر “تشددا” وهذا بحكم الظروف الأمنية للوطن، وقال “إن هذه الرحلة التي كانت مجرد فكرة طرحت للنقاش سرعان ما وجدت ما يذكيها في أرض الواقع بناء على العزيمة التي تحليّنا بها، كانت تحفها مخاوف كثيرة وكان أكثرها أن ينكشف الأمر لأهلنا وللمخابرات الفرنسية، وما سيؤول إليه مصيرنا حينها”. وأوضح مومني في هذا السياق أن “شيروف ذكر في كتابه أن أول يوم من الرحلة التي انطلقت من قسنطينة كان مصادفا للفاتح من نوفمبر 1951، غير أنني أتذكر جيدا أننا عدنا إلى ديارنا في عطلة مدرسية وفيها جمعنا ما استطعنا من “دريهمات”، وبعد العودة إلى المدرسة بدأت الاختبارات الفصلية والتي تكون عادة في شهر ديسمبر، ونحن لم نشارك في الامتحانات لأننا كنا نسابق الزمن في بيع متاعنا وتهيئة الظروف النفسية والمادية لهذه الرحلة التي علقنا عليها آمال تغيير حياتنا كلها، وطبعا لم نطلع أحد على مخططنا، وبقيت هذه الحادثة من الأسرار الدفينة في قلوبنا لوقت طويل”. “بومدين وشيروف أكملا الرحلة دوننا لأنهما رفضا مساعدتنا” يعود الحاج مومني إلى بعض تفاصيل الرحلة الشهيرة للرئيس الهواري بومدين ورفيقه محمد الصالح شيروف، والتي سبق ل«الخبر” أن فصّلت فيها سنة 2009 من خلال لقاء جمعها بمحمد الصالح ِشيروف.. تحدث عن تقاسم أربعة أشخاص للرحلة ولكنه، وكما أشار السيد مومني، لم يذكره هو والسيد مقدم، رغم أنهم استقلوا الحافلة نفسها من قسنطينة إلى تبسة، قبل أن يفترقوا بمحطتها مخافة أن ينكشف أمرهم، وكان ذلك باقتراح من شيروف أن يسيروا في شكل ثنائي لإبعاد أي شبهة عنهم. تحدث مومني عن ظروف الرحلة في محطتها الأولى بولاية تبسة، فقال: “مدينة تبسة التي استقبلتنا كضيوف لأول مرة في ناديها العريق، بصحبة أحد سادتها الذي كان يضع طربوشا أحمرا ويرتدي معطفا أسودا أنيقا مع نظارات ذهبية سميكة، وهو المعروف باسم “سي باهي”، مع تفخيم الباء جيدا وحذف “ال« التعريف، ليعطي بذلك اسما له “نكهة” الفخامة والزعامة الجدير بهما، وقدم لنا شروحات عن الرحلة يعتبر شيروف أدرى بها مني، كما أن “سي باهي” لم يستقبلنا في منزله مطلقا، ومن يستحق الإشادة هو المناضل سي عبد الحفيظ قصري الذي تكفل بنا حينها، وقد فعل الشيء نفسه عندما عدنا من رحلتنا من طرابلس أنا وصديقي مقدم، وهو شخصية أُهمل اسمها، مع أنه أطعم ذات ليلة تلميذا اسمه محمد بوخروبة”، هنا تساءل مومني إن كان الرئيس قد تذكره فيما بعد؟ يواصل محدثنا رواية تفاصيل الرحلة: “ومع ذلك، وعلى طول الطريق من تبسة إلى تونس، التقينا في بضع المحطات، ومنها قابس وبن قردان، وسرنا مسافات على الأقدام، وبتنا في العراء، وحاولنا تجنب المسالك التي قد تقصدها المخابرات الفرنسية، وهذا ما جعلنا نعيش الخوف طول الرحلة، ولم نعرف معنى للنهار حتى وصلنا منطقة تسمى “ويذرف” في تونس وهي النقطة التي اتفقنا على الالتقاء بها، في مكان كنا نظن أنه فندق، غير أننا عندما وصلنا وجدناه عبارة عن مربط للأحصنة أو كما نسميه حوش.. واتخذنا طريق الصحراء حتى اقتربنا من العاصمة الليبية طرابلس، حيث استقلينا حافلة لمسافة 50 كلم ثم افترقنا بشكل نهائي. عندها عدت أنا والسيد مقدم إلى الجزائر، فيما أكمل شيروف وبوخروبة الرحلة إلى مصر”، وكان السبب في ذلك، كما يروي محدثنا: “أننا نحن الفقراء (ويقصد بذلك مومني ومقدم) سرنا معا ولم نكن نملك المال لمواصلة الرحلة، في حين سار الأغنياء- على حد قوله- مع بعضهما، ولم يساعدانا رغم أننا تعاهدنا قبل انطلاق الرحلة إلى مصر بدعم بعضنا حتى نصل الأزهر الشريف”. أما الغريب، حسب مومني، أن الاثنين (شيروف وبوخروبة) كان بحوزتهما مبلغ معتبر يقدر ب40 ألف فرنك فرنسي، وهي قيمة تساوي الملايين في وقتنا الحالي، وكان القسط الأوفر منها (30 ألف فرنك فرنسي) خاص بشيروف، وهذا لكون والده (عمي الحسين) من كبار أغنياء منطقة (الأربعاء بني مجالد) التابعة لبلدية برج صباط بڤالمة، في حين أن بوخروبة كان من فقراء دوار “بني عدي” وحتى مبلغ 10 آلاف فرنك فرنسي قال إنه حصل عليه من خالته التي طلبت منه أن يشتري لها “ماكنة” خياطة وهي قصة يقول “لست متأكد من صحتها”. يضيف محدثنا: “وكانت نهاية الرحلة أننا عدنا للجزائر ولديارنا في ڤالمة في ظروف سيئة للغاية، وبقيت حادثة المال الذي كان بحوزة شيروف وبوخروبة ولم يطلعانا عليه ولم يقدما لنا الدعم أكبر “وجع” لازمنا، وبخاصة أنا، على مدار السنوات المتعاقبة”، وأضاف مومني أن “السرية التي كانت تميز سلوك بوخروبة كانت سببا مباشرا في معاناتنا تلك، حيث كانت لديه الكثير من الأسرار حول الرحلة والتي استقاها من مصادر مقربة منه وخاصة من “عمه”- كما سبق لشيروف أن ذكر ذلك- حيث أفادته المعلومات التي تحصل عليها من عمه، الذي مر من مصر في رحلة حجه، في رسم خريطة تقريبية للطريق، وكان قد أطلع شيروف على المخطط ولم يخبرنا بذلك فبقينا جاهلين لتفاصيلها”. وأضاف مدعما كلامه بأن شيروف أخبره بأنه وبوخروبة تحصلا على معلومات من شخصيات من الحركة الوطنية ومن بينهم “سي باهي” الذي اتصلا به في تبسة، وتلقوا مساعدات من الحركة بفضل معرفتهم ل«بوخروبة”، الذي قال عنه مومني “كان له توجه كبير للحركة الوطنية منذ الصغر، وكان رجلا وطنيا تأثر كثيرا بأحداث 8 ماي 1945 فكان في كل مناسبة يسترجعها، ورغم أنه في قسنطينة لم يظهر انتمائه للحركة لكنه كان يمتاز بالوعي السياسي والثقافي رغم صغر سنه، وسعى للاتصال برجالها كالشاذلي المكي وسي باهي”، وقال مومني: “أردت فقط تصحيح جزء من تاريخ رحلة محمد بوخروبة حتى وصوله طرابلس”. قال مومني: “وبعد العودة من طرابلس عبر تلك الرحلة الشاقة رجعت من جديد إلى “الكتانية”، حيث أتممت شهادة “الأهلية” في سنة 1953، وفي عام 1954 التحقت بجامع “الزيتونة” في تونس ودرست به قرابة العامين، قبل أن ألتحق بالثورة هناك، ودخلنا الجزائر بعد أن تحصلنا على كمية من السلاح. لم تكن وقتها الأمور واضحة، كما أننا لم نسمع عن صدى “الرئيس” واستمرت هذه الوضعية حتى سنة 1958، حيث بدأنا نسمع عن أسماء “كولونيلات” من بينهم هواري بومدين ومحمدي السعيد”. “لم أتصل بالرئيس بعد الاستقلال لأنه رفض أن أتقرب منه” تحدث المجاهد محمد العربي مومني عن بعض الجوانب التي أثرت فيه كثيرا، والتي كانت سببا فيما يصيبه في مرات كثيرة من حالة شرود تجبره على التوقف محاولا أن يستجمع مشاعره المبعثرة، والتي تكاد تفضحه وهو يسترجع ذكريات تعود إلى الخمسينيات، لكنه لم يستطع تجاوز تلك “الغصة” التي بقيت شوكة في حلقه لليوم، ولم تكن وحدها الشيء الذي آلمه، فالأخطاء كما وصفها والتي وقعت لاحقا، ووردت في كتاب يحمل مذكرات محمد الصالح شيروف، كان لها وقع مضاعف على سيرورة حياته لاحقا، والتي علمها في ورقة سلمها ل«الخبر”، كما تحدث شفاهة عنها وفصّل فيها، وتأسف كثيرا لإسقاط اسمه واسم زميله محمد لخضر مقدم من الكتاب، وهو ما رأى فيه إنقاصا من الحقيقة التاريخية لحقبة هامة سيعتمد عليها باحثون في هذا المجال، لذلك قال مومني عندما سألناه إن كان قد حاول ذات مرة الاتصال بهواري بومدين بعد الاستقلال، خاصة بعد انقلاب 1965 الذي انتهى به إلى السيطرة على رأس الدولة، فرد: “عمري ولا اتصلت بهواري بومدين، ولا طلبت ذلك، رغم أنني كنت رفيقه، ولأنني أعرف جيدا عقلية الهواري فهو يرفض كل من يريد التقرب إليه، وحتى التقرب بغرض التذكير بالصداقة والقرب ما كان ليقبله”، وأكثر من ذلك قال: “الشخص الذي فرط فيّ في الرحلة يمكن أن يفعل شيئا آخر، وهذا ما حز في نفسي كثيرا وبقي لهذه الواقعة تأثير سيء مكبوت في داخلي لليوم، وحتى في استجواباته هو وشيروف لم يشيرا مطلقا إلى مومني ومقدم ولو بكلمة واحدة”. “شيروف لم يتجند في الثورة نهائيا على حد علمي” خاطب مومني صديقه محمد الصالح شيروف، من خلال الوثيقة التي سلمها لنا، موضحا مجموعة من الأخطاء التي يكون قد وقع فيها دون قصد، وهذا ضمن كتابه “رحلة أمل واغتيال حلم” الخاص بحياة الرئيس هواري بومدين، حيث قال “إن الكتاب الذي فتشت عنه في عدة مكتبات ووجدني “هو” بعد طول بحث فكان نعم المفاجأة، وشرعت في قراءته بنهم كبير لأنه يتعلق ب«رحلتنا” من قسنطينة إلى طرابلس، لكني تفاجأت بما لم أتوقعه، حيث وجدت فيه الكثير من الأخطاء منها الهين والفادح، وقد دفعني حبي للحقيقة أن ألقي الضوء عليها، لذلك أردت أن أختار لها عنوان: “رفع الغطاء عن جملة من الأخطاء”، وأضاف أن “التلاميذ الثلاثة مطالبون اليوم في حق بعضهم بصيانة تاريخ رحلتهم عبر أجزاء مراحلها من قسنطينة إلى مدينة طرابلس الغرب، خاصة أن ما يتصل بها أصبح فيما بعد رمزا كبيرا من رموز الجزائر”. كان المجاهد مومني قد استهل خطابه برجاء بعث به لصديقه شيروف من أجل المساهمة، هم الثلاثة، في تحري الكتّاب الذين يتناولون سيرة الرئيس هواري بومدين، وخاصة ما تعلق منها بالرحلة إلى مصر، وألمح إلى أن صديقه كان قد صرح لجريدة “الخبر” بتاريخ 26 ديسمبر 2009، عن كيفية التحاقهما بالمدرسة “الكتانية” في قسنطينة، بقوله “إن بومدين كان في التاسعة عشر من عمره، وأنا أصغره بأربع سنوات”. والحقيقة، حسب مومني: “أنه يكبر رفاقه بسنوات قد تصل الخمس سنوات، وكان يدرس عند الشيخ الطيب بلحنش في السنة الثانية سنة 1951، في حين أن محمد بوخروبة وفي السنة نفسها كان يدرس عند الشيخ عيسى الدراجي في السنة الأولى ولم يدرس مع شيروف في أي صف نهائيا”، كما أشار مومني إلى التحاق شيروف بالرئيس في الولاية الخامسة بعدما استقر فيها، وتساءل إن كانت الزيارة لغاية الاطمئنان عن حالته الصحية والعسكرية، أم لحق به للتجنيد في صفوف جيش التحرير الوطني، ورد على ذلك أنه “على حد علمي أن شيروف لم يتجند في الثورة نهائيا، بل التحق بالعراق للدراسة، مثلما جاء في الكتاب”. كما لفت السيد مومني الانتباه إلى أن الكتاب تضمن نبذة مختصرة عن هوية طلبة المدرسة الكتانية، بقول شيروف إن “جلهم ضمن مناضلي حركة “انتصار الحريات الديمقراطية”، الوجه الجديد ل«حزب الشعب الجزائري” بقيادة مصالي الحاج، يحضرون بانتظام اجتماعات الخلايا كل في إطار خليته”، ويضيف على لسان صديقه أنه ذكر “وشاءت الصدف أن أكون ضمن مناضلي الخلية التي ينشطها سي محمد بوخروبة، فالاجتماعات كانت تعقد غالبا في مركز الحزب بالرصيف- النادي”، فرد مومني على ذلك بقوله “نعم، كانت هناك خلايا للحركة الوطنية داخل المدرسة الكتانية ينشطها تلاميذ من المؤسسة نفسها، لكن عددها كان قليلا جدا، وإلا انقلبت المدرسة الكتانية إلى ملجأ للحركة الوطنية، وهذا مستبعد حسب تقديري”، وأضاف أن هذا “كلام لا يصدر إلا عن مراقب عام في حركة انتصار الحريات الديمقراطية ضمن تقارير شاملة عن نشاط التلاميذ وكأنهم لا يخضعون لمدير المؤسسة ليقظ جدا، والمسؤول الأول أمام الجهات الأمنية عن كل شئ في مدرسته”. وما لا يعلم عن مسؤولي النادي أن رئيسه حينها هو المرحوم “حسان بوجنانة” القلب النابض للحركة في قسنطينة وأمينه المرحوم “سليم راشي”، ونشاط الحركة يتم في سرية تامة، حيث إن اجتماعاتها تعقد في منزل آمن يختاره مسؤول الخلية أو في مكان معزول عن عين الرقابة، وهذا نظام معمول به منذ انتسابنا لها بين سنوات 1951- 1954”. وقال مومني إن الطالب “محمد الهادي طيروش” من وادي الزناتي كان مسؤولا عن خلايا المناضلين في مدرسة “الكتانية”، وآخرون من بينهم “مهري حملاوي” و«محمد قديد” من الحروش و«صالح بوجمعة” و«عبد القادر الليوي” و«صالح خشة” و«عبد المجيد كحل الراس” و«علي كافي” كانوا يتداولون على مسوؤلياتهم الحزبية في رئاسة الخلايا ويعقدون اجتماعات في بيوت الطلبة بعيدا عن الرقابة الداخلية والخارجية، وأضاف أن “طيروش” قال له “لا أتذكر إن كان قد التحق بالحركة شيروف وبوخروبة حينها”، وأضاف: “عندما سألت طيروش لاحقا عن بومدين وانتسابه للحركة قال إنه لا يتذكر أنه التحق بها في تلك الفترة وحتى السنة الثالثة التي قضوها بالمعهد”، والحقيقة، حسبه، أنه لو كانا التحق بالحركة لكان السيد طيروش قد تعرف عليهما، خاصة أنهم من منطقة واحدة، وفي العادة أن أبناء الولاية الواحدة يسعون للتقرب أكثر من بعضهم عندما يكونون خارج ولاياتهم. وأضاف السيد مومني: “أحاول المطابقة بين ما ورد في تصريحات شيروف وعلي بوهزيلة، فأجد أن تصريحات هذا الأخير صحيحة”، يقول ذلك وهو يستخرج مجموعة من المقالات التي كتبت عن الشخصين في صحف مختلفة، والتي يحتفظ بها منذ سنوات لتضيف له رصيدا ماديا مكتوبا للذي عايشه بنفسه؛ يقرأ ويتحقق من الوقائع ويحاول أن يسد الثغرات التي جاءت عن طريق الخطأ وكذا من الكبر في السن، والذي رأى فيه عاملا أساسيا وراء تساقط الكثير من الأحداث من الذاكرة لدى رفقاء الرئيس الراحل، ولذلك طالب السيد مومني من المهتمين بتسجيل التاريخ، ومنظمي الملتقيات أن يتصلوا بمختلف الأطراف المعنية بالأحداث لمطابقتها وتقريبها أكثر من الحقيقة، وألا يترك على حد قوله البعض يصعدون ويبنون أمجادهم على ظهور غيرهم. “ما كان بومدين ليذمّ الشعب” قال السيد مومني، وهو يرينا مذكرات صديقه محمد الصالح شيروف، المكتوب عليها أبيات شعر تصدرت غلافه، تقول: إن قومي تجمعوا وعن قتلي تحدثوا فلا أبالي بجمعهم فكل جمع مؤنث «إن هذه الكلمات ليست للرئيس، وأن ما حصل أن صديقه حاول أن يعظم بومدين على حساب الشعب، وهذا أمر لم يرد عن بومدين أبدا، فكيف لشخص يفني عمره في خدمة الشعب وخاصة الفقير ويحترمه أن يذمه بهذا الشكل”، كما أن محدثنا يرى أن العبارة أطاحت بقدر كبير من الرصيد التاريخي والمعنوي لبطل الثورة. حجته في ذلك أن تصريحات خاله السيد علي بوهزيلة، والتي ذكر فيها أن الرئيس التحق بمصر ليدرس الثورة، “ورغم أننا كنا نقيم حينها على أساس أننا طلبة علم فقط، إلا أن “بومدين” ونظرا لثقافته ونضجه السياسي كان يستطيع أن يلتحق بأي تنظيم عسكري في مصر، خاصة وأن تلك الفترة كانت مصر تشهد ثورة انتشر صداها في الشرق الأوسط والعالم بزعامة جمال عبد الناصر، فلم يفرط “بومدين” في التعليم و«الأزهر” كما تمسك بالنشاط العسكري من خلال التحاقه بخلية عسكرية خاصة بالطلبة الجزائريين في مصر، وهذا في إطار تهيئتهم للالتحاق بصفوف الثورة لاحقا في الجزائر، حتى عام 1955 عاد ومعه بعض القادة الذين تولوا إدارة نقاط حساسة بالولايات الكبرى”. “القول بأن بومدين كان يمشي في شوارع قسنطينة حافي القدمين إهانة” قال المجاهد محمد العربي مومني فيما يخص ما عمد إليه بعض الساعين إلى بلوغ المجد بالصعود على تاريخ الرئيس الراحل هواري بومدين، والذين لا يتحرون الحقيقة في الكتابة، إن تلك الكتابات إهانة لشخصه وتاريخه وتاريخ الثورة، ودعا كتّاب تاريخ الرئيس الراحل إلى تقصي الحقائق والابتعاد عن الكتابات التي تسيء له، وساق في ذلك أمثلة لعدد منها، حيث إن بعضهم يقول “إن بومدين كان يدرس في الكتانية بقدمين حافيتين”، يعني أنه يعيش على التسول، فقال “واللّه لقد أبكاني هذا الوصف. نعم لقد كان محمد بوخروبة فقيرا كأغلبية الطلبة، لكنه كان يتمتع بشخصية محترمة ونظافة ملحوظة دوما”، كما أن البعض يصفه ب«الحفيان في شوارع قسنطينة” وآخر يتحدث عن مكان مولده بأنه في بلدية “هيليوبوليس”.