لم يأت لقاء فيينا لوزراء نفط منظمة “أوبك” أول أمس بالجديد كما كان منتظرا، وساهم فرض الأمر الواقع في الإبقاء على مستوى أسعار النفط في معدلات متواضعة، وهو وضع لا يخدم عددا من الدول من بينها الجزائر. ورغم إدراك “أوبك” أنها لم تعد الفاعل الوحيد المؤثر في السوق البترولية، فهي تمثل 38% من حصص السوق فقط، إلا أن الرسائل التي وجهتها دول المنظمة هي أن السعر الحالي قريب من “السعر العادل” الذي حددته طهران بحوالي 75 دولارا، في وقت تعتبر الجزائر وفنزويلا بأن برميلا تحت عتبة 90 دولارا يمثل مؤشرا خطيرا على توازناتها المالية. تكشف آخر التقديرات الإحصائية لمنظمة “أوبك” والهيئات المتخصصة، أن معدل سعر النفط الجزائري “صحاري بلند” بلغ حوالي 56.8 دولار للبرميل خلال الفترة الممتدة بين جانفي ونهاية ماي 2015، وأن هذا المعدل يبقى بعيدا جدا عن المتوسط السنوي المسجل في 2014، حيث بلغ حسب منظمة “أوبك” 99.08 دولار للبرميل. ووفقا لهذه المعطيات، فإن برميل النفط الجزائري سيبقى تحت عتبة 60 دولارا خلال السداسي الأول من السنة الحالية، خاصة في ظل الاستقرار النسبي للأسعار، علما بأننا بلعنا تسليمات جويلية 2015،في الأسواق الآجلة، وعليه فإن معدل سعر البترول الجزائري فقد حوالي 42 دولارا للبرميل الواحد ما بين معدل سنة 2014 والمعدل العام للسداسي الأول للسنة الحالية، وهو ما يؤثر سلبا على الإيرادات الإجمالية لهذه السنة، خاصة أن معدل الإنتاج النفطي للجزائر حسب منظمة “أوبك” عرف تراجعا محسوسا أيضا، حيث بلغ 1.114 مليون برميل يوميا في جانفي 2015 و1.112 مليون برميل يوميا في فيفري و1.109 مليون برميل يوميا في مارس و1.099 مليون برميل يوميا في أفريل، مقابل معدل إنتاج بلغ 1.150 مليون برميل يوميا في 2014، أي أن الإنتاج الجزائري تراجع ب41 ألف برميل يوميا بين معدل 2014 وشر مارس 2015 وب51 ألف برميل يوميا في أفريل 2015 مقارنة بمتوسط 2014، ما ينتج عنه خسائر في الإيرادات النفطية بصورة معتبرة، حيث يمثل النفط الخام نسبة 38% من مجموع الإيرادات الجزائرية. ويمكن أن تعيش الجزائر نفس سيناريو 2008 و2009 حينما تراجعت أسعار النفط ولكن بأكثر حدة، بالنظر إلى ارتفاع النفقات بصورة كبيرة جدا إلى حد بلوغها 106 مليار دولار، مقابل عجز في الميزانية والحزينة ب49 مليار دولار، فقد قدر خبراء المالية أن كل تراجع بدولار واحد لأسعار المحروقات يؤدي الى خسارة بحوالي 700 مليون دولار سنويا من الموارد المالية، فقد كشفت الإحصائيات الصادرة عن قطاع المالية أن الجزائر خسرت خلال السداسي الأول من 2009 ما نسبته 46% من الإيرادات الصادرات مقارنة بنفس الفترة من 2008، فقد تم تسجيل 20.13 مليار دولار خلال السداسي الأول من 2009 مقابل أكثر من 37.60 مليار دولار في 2008، ويلاحظ أن الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية كشفت عن المنحى المتوقع، فقد سجلت إيرادات الجزائر بين جانفي ونهاية أفريل 2015 تراجعا بنسبة 41% وبقيمة 9.3 مليار دولار، كما سجلت عجزا في الميزان التجاري ب4.32 مليار دولار مقابل فائض ب3.4 مليار دولار في نفس الفترة من 2014، ويرتقب أن تعرف احتياطات الصرف الجزائرية بمعدل 62 دولارا للبرميل هذه السنة مقابل 99.8 دولار السنة الماضية انخفاضا محسوسا، موازاة مع استهلاك 40% من ناتج صندوق ضبط الموارد، نتيجة الارتفاع الكبير للعجز في الميزانية والحزينة برسم سنة 2015. ويتضح أن السلطات العمومية في الجزائر لم تستخلص الدروس من أزمة 1986 ولا من تراجع الأسعار في 2008، ففي أزمة 1986 انهارت أسعار النفط ب40% بين 1985 و1986، وكان إنتاج النفط يمثل 28% من الناتج المحلي والمحروقات 98% من الصادرات و43% من موارد الدولة، وحاليا تمثل المحروقات 97% من الصادرات و45% من موارد الدولة.