لمّا كان الصّيام مرقاةً للنّفس إلى سماء الطُّهر والنّقاء، كان أيضًا مِعراجًا لقبول الأعمال، فهو يَرفع العَمل الصّالح إلى اللّه ويجلّله، ويستر صاحبه ويظلّله، فما كان من قليل كثّره، وما ظهر من كسر جبره، وما وقع من زلل غفره، لذا كان المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم يُحبّ أن يُرفَع عمله وهو صائم، لأنّه مظنّة القبول والرِّضى. ومن كرامات الصّيام أنّه وعاء القبول والإجابة، فقد نصّ الحقّ على ذلك في معرض آيات الصّيام وأحكامه، حيث توسّطت آية القُرب هذه النّصوص، وذلك حين قال أبي بن كعب: “سأل النّاس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: أقريب ربّك فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فنزل قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}”، {فَإِنِّي قَرِيبٌ} جملة خبرية مؤكّدة، و{أُجِيبُ} بصيغة المضارع المفيد للاستمرار والدّوام، فهو سبحانه يجيب طالمَا هناك دعاء وإلحاح وسؤال، فعجبًا لعبادة هي معراج العمل، والدّعاء وسيلة القبول والإجابة، وقد جُمعَا للعبد المؤمن في آنٍ واحد، وهذا مصداق الحديث الّذي أخرجه ابن ماجه، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ للصّائم عند فطره دعوةً ما تُرَد”، فهو في ليله ونهاره في عبادة، ودعاؤه مستجاب في صباحه وعند فطره، “فاللّهمّ تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم”.