قدّم السّارق على السّارقة، لأنّ السّرقة وقوعها من الرّجل أغلب، لأنّه أجرأ عليها، وأجلد وأخطر، فقدّم عليها لذلك، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيم}. وقدّم الزّانية على الزّاني، لأنّ الزّنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع، لما يترتّب عليه من تلطيخ فراش الرّجل، وفساد الأنساب، وإلحاق العار بالعشيرة، ثمّ بعد كلّ هذا، الفضيحة بالنّسبة للمرأة (بالحمل) تكون أظهر وأدوم، لذا قدّمت على الرّجل. قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}. قال القرطبي في تفسيره: قدّمت الزّانية في هذه الآية، من حيث كان في ذلك الزّمان زنى النّساء فاشٍ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات، وكنَّ مجاهرات بذلك، وقيل: لأنّ الزّنى في النّساء أَعَر، وهو لأجل الحَبَلِ أَضَرّ، وقيل: لأنّ الشّهوة في المرأة أكثر، وعليها أغلب، فصَدَّرَها تغليظًا لتُرْدِعَ شهوتَها، وإن كان قد ركب فيها حياء، ولكنّها إذا زنت ذهب الحياء كلّه. وأيضًا فإنّ العار بالنّساء ألحق، إذ موضوعهنّ الحجب والصّيانة، فقَدَّمَ ذكرَهنَّ تغليظًا واهتمامًا. فإن قلتَ: فلِمَ قدم الرّجل في قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}. ولأنّ تلك الآية في الحدّ والزّنى، وهي في المرأة أقوى، وهذه الآية في حكم النّكاح، والرّجل هو الأصل فيه، لأنّه الرّاغب والمبادر في الطّلب، بخلاف الزّاني فإنّ الأمر فيه بالعكس غالبًا..