هل يفهم من تمسك الرئيس بوتفليقة بإتمام عهدته “الرابعة” حتى نهايتها، أنها ستكون الأخيرة وسيفتح الباب بعدها للتداول على السلطة؟ أم أن خرجة الرئيس للذهاب إلى غاية 2019 تعني رفضه المطلق لحالة الشغور التي تنادي بها المعارضة، خصوصا بعدما قال الرئيس الفرنسي هولاند في زيارته، منتصف جوان للجزائر، بأن “الرئيس بوتفليقة أعطاني انطباعا بأن لديه تمكنا ذهنيا عاليا، حتى أنه من النادر أن تلتقي رئيس دولة لديه هذا الذهن المتقد، هذه القدرة على الحكم”. خرج الرئيس بوتفليقة بنفسه ليعلن استمراره في منصبه إلى غاية استكمال عهدته “الرابعة”، التي مر عليها عامها الأول، بالرغم من أن قيادات من أحزاب الموالاة على غرار سعداني وأويحيى وعمارة بن يونس وعمار غول تعاقبوا في العديد من المناسبات على القول ردا على المعارضة، بأن من يريد منصب الرئاسة عليه انتظار عام 2019، وهو تاريخ انتهاء العهدة الرابعة للرئيس. فما الذي دفع الرئيس للمبادرة بالإعلان في رسالته للأمة بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب، البقاء في منصبه، بالرغم من متاعبه الصحية؟ لقد فتحت عودة أويحيى لاستلام منصبه في الأرندي خلفا لعبد القادر بن صالح، وتزكية سعداني ضد خصومه للاستمرار على رأس الأفالان في المؤتمر العاشر الذي شهد إنزالا وزاريا غير مسبوق، الباب للحديث عن ترتيبات جارية داخل دهاليز النظام لتحضير خليفة للرئيس المريض، خصوصا وقد فهمته قوى المعارضة على أنه مؤشر على إجراء رئاسيات مسبقة، وهي التي ظلت تردد شغور منصب الرئاسة، ومن ثم أراد الرئيس بخرجته للبقاء إلى غاية 2019، قطع الشك باليقين وطي ملف الانتخابات الرئاسية المسبقة بصفة نهائية واستمراره في منصبه بالرغم من متاعبه الصحية. من جانب آخر، فإن حسم الرئيس في ولايته الرابعة حتى نهايتها، هي رسالة إلى الموالاة كما المعارضة بضرورة ترسيم “هدنة” إلى غاية 2019، تخصص لتحضير وثيقة تعديل الدستور من جهة، ومن جهة ثانية تقوية الجبهة الداخلية عن طريق توحيد الأهداف الداخلية لمواجهة التحديات الأمنية والجيوسياسية الخارجية، خصوصا وأن الأوضاع الاقتصادية والمالية للجزائر ليست في المستوى الذي يمكنها من الصمود طويلا في ظل توقعات أمريكية بارتفاع فاتورة الإنفاق العسكري للجزائر إلى حدود 16 مليار دولار في مطلع 2020. ولعل هذه التحديات وضعف الموارد المالية للدولة جراء تراجع أسعار المحروقات مقابل استمرار ارتفاع النفقات العمومية وراء محاولة الرئيس استقطاب المعارضة أو على الأقل تحييد خطاباتها النارية في المرحلة المقبلة، من خلال تحييد منصب الرئاسة عن الجدل السياسي. ولا يمكن جعل خرجة الرئيس بخصوص بقائه في الرئاسة، بمعزل عما خلفته زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند منذ 20 يوما، حيث فاجأت تصريحاته بشأن الوضعية الصحية للرئيس أكثر من جهة سواء في الجزائر أو في باريس، بعدما ذكر حاكم قصر الإليزي بأن “الرئيس بوتفليقة أعطاني انطباعا بأن لديه تمكنا ذهنيا عاليا، حتى أنه من النادر أن تلتقي رئيس دولة لديه هذا الذهن المتقد، هذه القدرة على الحكم”. وأضاف الرئيس الفرنسي “أنا لست طبيبا (...) ولكن بوسعي أن أقول لكم إن مستوى النقاش الذي دار بيننا على مدى نحو ساعتين كان كثيفا جدا وعاليا جدا”. وأكد هولاند أنه “على الصعيد الجسدي، أؤكد أنه (بوتفليقة) غير قادر على التنقل بسهولة”، ولكن “لديه كل القدرات وقد برهن على ذلك بتسخيره حكمته وحكمه السليم في سبيل تسوية الأزمات في العالم”. هذه العبارات التي اجتهد هولاند في إخراجها من قاموسه اللغوي وتمريرها في الجزائر وفي باريس، كانت بمثابة تصريحات مفصلية حول وضع السلطة في الجزائر، ولعل تلك الرسالة هي التي جعلت رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، يردد بنبرة غاضبة بأن “الحديث عن شغور منصب الرئيس وصحته أمر داخلي ولا يحتاج لخبرة أجنبية كي تفصل فيه”، في إشارة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند التي كانت بمثابة نتيجة لما جاء في رسالة بوتفليقة، أول أمس، بمناسبة عيدي الاستقلال والشباب.