ورد في السُّنَّة الأمر بتحرّي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، كما في حديث مسلم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “التمسوها في العشر الغوابر”، وزادت نصوص أخرى بعض البيان والإيضاح والتّعيين والإفصاح كما في رواية البخاري “تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر”. وليت أنّنا في هذه الأيّام المباركة واللّيالي المشرقة نعكف على كتاب اللّه تلاوة، ونَلزم محراب الصّلاة راكعين، ونستلم معراج الدّعاء ملحّين، ولا تشغلنا تجارة أو لهو، ولا يفتنا طرب أو زهو، ولا يسلب عقولنا بريق وهّاج، ولا يسبي قلوبنا من الدّنيا صولجان وتاج، فقد أثر عن سلفنا أنّ بعضهم كان يغتسل ويتطيّب لهذه اللّيلة، ويلزم باب اللّه يطرقه بإدمان، ويتملّق في الدّعاء بإمعان وجمعوا من العزيمة أقواها، ومن الجلد أتمّه وأجمعه، كي يطلبوا العِلم في بساتين المعرفة، والأنس في مواطن الخلوة، والحياء في شعب اليقين، والاعتبار في أودية الفِكر، والحكمة في رياض الخوف، وليلة القدر، بل واللّيال العشر مرتع لهذه المعاني الرّبّانية خصيب، وأهل اللّه فيها في ألق، يجتهدون في مكابدة، ويجدون في مجالدة.. الفضل منهم قريب، والرّحمة بأبوابهم، والعتق من النّار على مرمى حجر، فيا طوبى العارفين.